[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ابن الرومي في مدن الصفيح لعبد الكريم برشيد:
بين واقع المدينة والنظرية الاحتفالية
من أهم المسرحيات التي ألفها عبد الكريم برشيد والتي تمثل النظرية الاحتفالية في رأي صاحبها هي مسرحية " ابن الرومي في مدن الصفيح" التي كتبها في أواسط السبعينيات موازية1 مع البيان الاحتفالي الأول الذي صدر سنة 1976م. يقول برشيد: "إن مسرحية (ابن الرومي…) كعمل درامي يعتمد على فلسفة مغايرة وعلى تقنيات جديدة. وعلى اجتهادات جريئة في ميدان البناء الدرامي- لا يمكن تفسيرها إلا اعتمادا على الرجوع إلى الفكر الاحتفالي…إن مسرحية ( ابن الرومي…) – كعمل إبداعي تلتقي مع هذه النظرية وتتوحد بها، وهذا شيء طبيعي. وذلك مادام أنهما معا – العمل والتنظير- يصدران من منبع واحد. فالمسرحية تجسيد شامل لمفاهيم الواقعية الاحتفالية.»2 إذا، برشيد يقر بأن مسرحية ابن الرومي في مدن الصفيح خير نموذج مسرحي من إبداعاته الدرامية أو ريبرتواره الفني الذي يجسد النظرية الاحتفالية في جانبها التطبيقي والدراماتورجي.هذا الحكم التقريري هو الذي سيفرض علينا أن نطرح مجموعة من الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها في موضوعنا هذا، وهي على النحو التالي: ما هي الاحتفالية؟ ومامرتكزاتها المضمونية والسينوغرافية؟ وما مصادرها الإبداعية والفكرية؟ وإلى أي مدى استطاع أن يكون عبد الكريم برشيد وفيا لنظريته الاحتفالية في مسرحيته " ابن الرومي في مدن الصفيح"؟ وقبل الإجابة عن ذلك، لابد من تسليط بعض الأضواء على عبد الكريم برشيد. فمن هو هذا المبدع يا ترى؟ ولد عبد الكريم برشيد بمدينة بركان سنة1943م. أتم دراسته الثانوية والجامعية بمدينة فاس حتى حصوله على الإجازة في الأدب العربي ببحث يهتم بتأصيل المسرح العربي. وفي عام 1971م، أسس فرقة مسرحية في مدينة الخميسات لاقت عروضها الاحتفالية صدى طيبا لدى وسط الجمهور المغربي والعربي أيضا.وقد حصل على دبلوم في الإخراج المسرحي من أكاديمية مونبولي بفرنسا. ودرس بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط. وفي 2003م، حصل على الدكتوراه في المسرح من جامعة المولى إسماعيل بمكناس. كما تولى مناصب هامة وسامية مثل مندوب جهوي وإقليمي سابق لوزارة الشؤون الثقافية ومستشار سابق لوزارة الشؤون الثقافية و أمين عام لنقابة الأدباء والباحثين المغاربة وعضو مؤسس لنقابة المسرحيين المغاربة. وقد كتب عبد الكريم برشيد الرواية والشعر والمسرحية والنقد والتنظير. وساهم في بلورة نظرية مسرحية في الوطن العربي تسمى بالنظرية الاحتفالية.
ومن إصداراته:
عطيل والخيل والبارود وسالف لونجة، احتفالان مسرحيان، منشورات الثقافة الجديدة سنة 1976؛
امرؤ القيس في باريس، منشورات الستوكي ووزارة الشبيبة والرياضة 1982؛
حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي، دار الثقافة بالدار البيضاء سنة 1983؛
المسرح الاحتفالي، دار الجماهيرية بطرابلس ليبيا1989-1990؛
اسمع ياعبد السميع، دار الثقافة بالدار البيضاء سنة 1985؛
الاحتفالية: مواقف ومواقف مضادة، مطبعة تانسيفت بمراكش سنة1993؛
الاحتفالية في أفق التسعينات، اتحاد كتاب العرب، دمشق سوريا سنة1993؛
مرافعات الولد الفصيح، اتحاد كتاب العرب، دمشق سوريا؛
الدجال والقيامة، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة بمصر؛
المؤذنون في مالطة منشورات الزمن؛
غابة الإشارات، رواية، مطبعة تريفة ببركان سنة1999؛
ابن الرومي في مدن الصفيح، مسرحية احتفالية يتقاطع فيها ما هو اجتماعي معاصر مع ماهو تراثي وأدبي تاريخي، النجاح الجديدة بالدار البيضاء سنة 2005؛
النظرية الاحتفالية عند عبد الكريم برشيد:
ظهر التيار الاحتفالي في المغرب إبان السبعينيات ولاسيما بعد صدور البيان الأول للجماعة الاحتفالية سنة 1976م بمدينة مراكش بمناسبة اليوم العالمي للمسرح بعد سلسلة من الكتابات النظرية والإبداعية التي كتبها عبد الكريم برشيد باعتباره المنظر الأول لهذا الاتجاه المسرحي الجديد والطيب الصديقي المطبق الرئيس لهذه النظرية التأسيسية.
وقبل ظهور الاحتفالية، كان المسرح في المغرب إبان الحماية يعتمد على الترجمة والاقتباس وتحوير المسرح الغربي ومغربته ولاسيما مسرحيات موليير الاجتماعية، وكان القالب الأرسطي والعلبة الإيطالية من مقومات هذا المسرح. وبعد الاستقلال عرف المغرب المسرح الاحترافي بقيادة الطيب الصديقي والمسرح الإذاعي الذي كان ينشطه عبد الله شقرون. ولكن هذا النوع من المسرح كان لا ينسجم مع تطلعات الشعب المغربي ولا يعبر عن قضاياه وهمومه الاجتماعية إلى أن ظهر مسرح الهواة في مرحلة السبعين الذي بدوره انقسم إلى تيارات ومدارس تدعي التجديد والتأسيس والتأصيل فأصبحنا نقرأ بيانات لعدة تجارب درامية، فهناك مسرح النقد والشهادة مع محمد مسكين والمسرح الثالث مع المسكيني الصغير والمسرح الفردي مع عبد الحق الزروالي والمسرح الاحتفالي مع عبد الكريم برشيد ومسرح المرحلة مع حوري الحسين والمسرح الإسلامي مع محمد المنتصر الريسوني.وتبقى الاحتفالية من أهم هذه الاتجاهات التجريبية الدرامية قوة وتماسكا واستمرارا حتى أصبح لها أتباع في العالم العربي لأنها أعادت للمسرح العربي وجوده وأصالته وهويته الحقيقية بعد أن كان المسرح العربي يلبس المعطف الغربي روحا وقالبا ويفكر بعقله ويتنفس برئتيه . إذا، ما هي الاحتفالية؟
الاحتفالية نظرية درامية وفلسفية تعتبر المسرح حفلا واحتفالا وتواصلا شعبيا ووجدانيا بين الذوات وحفرا في الذاكرة الشعبية وانفتاحا على التراث الإنساني وبناء مركبا من اللغات والفنون السينوغرافية التي تهدف إلى تقديم فرجة احتفالية قوامها المتعة والفائدة عبر تكسير الجدار الرابع الذي يفصل الممثلين المحتفلين عن الجمهور المحتفل بدوره.إنه مسرح يرفض التغريب والاندماج الواهم والخدع المسرحية. ويعرفه عبد الكريم برشيد في بيانه الأول -تتغيرالتعاريف لدى الكاتب من بيان إلى آخر بسبب انفتاح النظرية الاحتفالية-:" إن المسرح بالنسبة للاحتفالية تحدد كالتالي:
(إن المسرح بالأساس موعد عام، موعد يجمع في مكان واحد وزمن واحد بين فئات مختلفة ومتباينة من الناس) موعد يتم انطلاقا من وجود قاسم مشترك يوحد بين الناس ويجمع بينهم داخل فضاء وزمان موحد.
وهذا القاسم المشترك لا يمكن أن يتجسم إلا داخل إحساس جماعي أو قضية عامة، قضية تهم الجميع، وتعني كل الفئات المختلفة. ومن هنا كانت أهمية هذا الموعد تقوم أساسا على اتساع هذه القضايا ومدى رحابتها وشموليتها.
إن الاحتفال بالأساس لغة، لغة أوسع وأشمل وأعمق من لغة اللفظ ( الشعر- القصة) ومن لغة اللحن ( الغناء- الموسيقى) ولغة الإشارات والحركات (الإيماء)، وهي لغة جماعية تقوم على المشاركة الوجدانية والفعلية، إن المظاهرة احتفال، لأنها تعبير جماعي آني يتم من خلال الفعل."3
ومن رواد المسرح الاحتفالي بالمغرب نجد: عبد الكريم برشيد والطيب الصديقي وعبد الرحمن بنزيدان وثريا جبران ومحمد الباتولي وعبد الوهاب عيدوبية ومصطفى رمضاني ومحمد البلهيسي ومحمد عادل ومصطفى سلمات وقيسامي محمد والتهامي جناح وفريد بن مبارك وعبد العزيز البغيل ورضوان أحدادو وبوشتى الشيكر ومحمد أديب السلاوي وسليم بن عمار والكرزابي بوشعيب. وهذه الأسماء كلها تساهم في إثراء الاحتفالية تنظيرا( عبد الكريم برشيد) أو نقدا وتأريخا (مصطفى رمضاني) أوتأليفا(رضوان أحدادو)أو إخراجا(الطيب الصديقي) أو تمثيلا ( مصطفى سلمات) أو صحافة(الكرزابي بوشعيب) او إخراجا تلفزيونيا(فريد بن مبارك).
ومن رواد الاحتفالية في الوطن العربي، نستحضر قدور النعيمي من الجزائر وعز الدين المدني من تونس وقاسم محمد من العراق وسعد الله ونوس من سوريا. ويقول مصطفى رمضاني في هذا الصدد:"أما في الدول العربية، فقد خلفت دعوة الاحتفالية صدى طيبا، وكان من نتائج ذلك أن مجموعة من كبار المبدعين والنقاد المسرحيين العرب قد باركوها وصادقوا على ما في بياناتها نحو الدكتور علي الراعي وسعد أردش وأسعد فضة وعز الدين المدني ومنصف السويسي وغيرهم، كما فعلت ذلك فرقة الحكواتي اللبنانية وفرقة سوسة التونسية وفرقة الفوانيس الأردنية وجماعة السرادق المصرية. وبهذا تكون الجماعة ورشا مفتوحا على العالم الإنساني كله، وليست تجربة خاصة بمبدعين مغاربة فقط."4
ومن المرتكزات النظرية والدلالية التي يستند إليها المسرح الاحتفالي نجد النقط التالية:
1- المسرح حفل واحتفال غني باللغات اللفظية والحركية
2- توظيف الذاكرة الشعبية أو الأشكال ما قبل المسرحية
3- تشغيل التراث وعصرنته ونقده تناصا وتفاعلا
4- استخدام المفارقة والفانتازيا في تشغيل العناوين
5- المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة
6- تداخل الأزمنة
7- السخرية في وصف الواقع وتفسيره وتغييره
8- الحفل الجماعي والتواصل الاحتفالي المشترك
9- التعبير الجماعي
10- تعرية الواقع قصد تشخيص عيوبه وإيجاد الحلول المناسبة له
11- التأصيل قصد تأسيس مسرح عربي.
وقد حصر رمضاني مصطفى مبادئها في:
التحدي- الإدهش- التجاوز- الشمولية- التجريبية- التراث- الشعبية- الإنسانية- التلقائية- المشاركة- الواقع والحقيقة- النص الاحتفالي- اللغة الإنسانية.5
أما المرتكزات الفنية والسينوغرافية فيمكن إجمالها في:
1- تكسير الجدار الرابع
2- الثورة على القالب الأرسطي والخشبة الإيطالية
3-تقسيم المسرحية إلى أنفاس ولوحات وحركات احتفالية
4- استبدال العرض بالحفل المسرحي
5- استبدال الممثل بالمحتفل
6- الثورة على الكواليس والدقات الثلاث التقليدية
7- تعدد الأمكنة والأزمنة
8- التركيب بين اللوحات الاحتفالية المنفصلة
9- استخدام لغة تواصلية لفظية وغير لفظية والاعتماد على قدرات الممثل
10- توظيف قوالب الذاكرة الشعبية كالراوي وخيال الظل والحلقة وغيرها
11- الاحتفال المسرحي أو الديوان المسرحي بدلا من كلمة مسرحية
12- الاعتماد على المسرح الفقير
13- الدعوة إلى الفضاء المفتوح والتحرر من العلبة الإيطالية المغلقة
14- عفوية الحوار وتلقائيته
15- النص مجرد مشروع ينطلق منه العرض
16- الاندماج المنفصل والتحرر من الخدع الدرامية والأقنعة الواهمة
17-استخدام تقنيات سينوغرافية بسيطة وموحية ووظيفية سيميولوجيا وتواصلا
18- طاقة الممثل الجسدية هي الأساس في التواصل.6