إعداد الأستاذ : حساين المامون
جاء كتاب رحاب في مادة الفلسفة للسنة الثانية من سلك
الباكوريا مخيبا للآمال و التطلعات على مستويات عدة، ابتداء من الإخراج
الفني، مرورا بالنصوص التي سلخ أغلبها من إطاراتها,ولم تحترم فيها الترجمة
الدقيقة انتهاء بضعف مستوى الأنشطة لغياب أي خلفية ديداكتيكية واضحة و
محكمة, هذا علاوة على الأخطاء التي وقع فيها و التي نرى أنها أخطاء في غاية
الخطورة خاصة في كتاب مدرسي, و هي ليست أخطاء في الطبع، فحسب, بل في
اللغة و كذا في المعارف التخصصية.
إن تحرير إنتاج الكتاب المدرسي و
نشره ليس غاية في ذاته ليستدعي كل هذه السرعـــة و هذا الارتجال , بل
يفترض أن يكون وسيلة لتحقيق حد ضروري من الجودة و الارتقاء بالكتاب المدرسي
ليس على مستوى الشكل فحسب, بل في المحتوى المعرفي و المقاربة
الديداكتيكية.. و إذا كانت البرامج التعليمية الخاصة بالعلوم لا تطرح
صعوبات و مقتضيات خاصة بالنظر إلى كونيتها أو ما يمكن تسميته بالبرنامج
الكوني أو العالمي, فإن درس الفلسفة إلى جانب كونه مرحلة المرآة، هو كذلك
لحظة انقلابية واعية من أجل النظر، وإعادة النظر في مختلف أشكال الانضباط،
والخنوع، والانحباس، والتحنط في شرنقة القيم، والمعارف، والمسلكيات،
والتصورات الجامدة، وإرساء لقواعد من التفكير جديدة ترتكز بشكل أساسي وكلي
على العقل، ومنطق السياسة، والخلق والتجاوز، والتحرر...مما يجعله يحتاج إلى
مجهود و إرادة يخرجان برامجها من القصور المزمن التي ما تزال تعاني منه
بفعل عوامل منها الركون إلى الجاهز, و عدم الانفتاح على التطور المعرفي
المرتبط ببناء المناهج و بديداكتيكا المادة....
وهناك ملاحظات أساسية كثيرة أهمها:
1
–الكفايات المسطرة في كتاب رحاب الفلسفة ، قي بداية كل مجزوءة ومفهوم
كفايات كبرىmacrocompétences و كذا كفايات نهائية مرتبطة وهي مكررة في
أكتر من مفهوم. وهي كفايات غير قابلة للتحقق و التقويم.. و تكون مكررة و
معادة بالنسبة لكل مفهوم.
2 _ كثافة المفاهيم وطول المقرر لا يهدف إلى
تنمية الكفايات بقدر ما يدخل في نطاق البرامج ذات المنحى الموسوعي الذي
يراكم المعارف و يحشدها و لا يخطط لتنمية كفايات التلميذ المختلفة في إطار
سياقات بيداغوجية متجددة و متعاونة بإشراك مختلف المواد الدراسية في هذه
العملية,و بواسطة تنمية قدرات التلاميذ على حل الاشكلات المتجددة سواء
المرتبطة بالتعلم أو المتعلقة بالحياة في مفهومها الموسع و الشامل, و ذلك
في إطار منهاج متكامل و مندمج.
3- عدم اتساق مكونات عناوين المحاور مع
الكثير من النصوص المقترحة للاستثمار وربطت النصوص كثيرا أكثر بالمعرفة
العمليةsavoir faire و بالخصوص إكساب التلميذ طرائق العمل ولكن نجد نفس
الأسئلة المرتبطة بالاشتغال تتكرر في كل نص...,علما بأن المجزوءة هي وحدة
تعليمية تتيح للمتعلم اكتساب كفاية تمكنه من إنجاز مهام و وظائف محددة, و
كل مجزوءة ينبغي أن تكون موضوع وصف معير standardisé يعطي صورة مدققة عن
الكفايات المستهدفة التي تصف النشاط الذي يمكن من التحكم في مهــام و وظائف
محددة.
4- اعتماد نفس أسماء الفلاسفة في أكتر من محور يولد رؤية
ملتبسة و غير ملائمة و لا تستند على مرجعية مضبوطة و محكمة لدى التلميذ.
كان سيكون أجدى منهجيا ومعرفيا اختيار النصوص الفلسفية من عيون انتاجات
أكبر الفلاسفة بالعودة إلى كتبهم الأصلية وليس إلى ترجمات رديئة في الغالب,
حيت تكون مكيفة مع المقام البيداغوجي و مع مستوى التلاميذ و ميولا تهم
النفسية وقدراتهم العقلية, و بانزياح كاف عن المقام البيداغوجي المرتبط
بالنصوص القصيرة.
5 - ادا كانت وظيفة وضعية مشكلة لتقوم بوظيفة الصاعق
البيداغوجي إن صح هذا التوصيف، ولربما المجزوءة أو المفهوم الذي يتوسل
إقحام المتعلم داخل اللحظة المزمع بناؤها وذلك بخلق وضعيات التوتر المعرفي
له، من خلال إقلاق فكره، واستفزاز ذهنه...لكن أغلب الوضعيات المقترحة بعيدة
عن الشروط الديدكتكية.
ليست هذه سوى نماذج تعبر عن الحد
الذي بلغه الارتجال و الشطط في موضوع يستلزم التروي و التدقيق و أخذ الوقت
الكافي, من أجل بناء برامج تتمتع بالحد الأدنى من الجدة والملاءمــة و
الاتساق. و لنا أن نتصور الحرج الذي سيجد الأستاذ نفسه فيه وهو يقف إزاء
خلط كهذا..فالبرامج يجب أن تصاغ بدقة , و بأهداف محددة و واضحة تكون
بمثابة مشاريع بيداغوجية قابلة للتحقق و للتقويم ولا تذوب الأهـداف و تعوم
في عبارات فضفاضة و غامضة.
إن برنامجا سوي على عجل, و بهذه المواصفات
المشار إليها أعلاه ومنها غياب أهداف واضحة, الاجـترار و الاحتذاء, الخلط
في المفاهيم,...إلخ لا يمكن بأي حال من الأحوال التعويل عليه في الارتقاء
بدرس الفلسفة ولا في إنتاج الكتاب المدرسي الذي يستحقه التلميذ المغربي في
الألفية الثالثة..