الشرقاوي وافق
تأملات :  أصــــول الفلسفة في ذكرى سنة على وفاة ج.ب .فرنان 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا تأملات :  أصــــول الفلسفة في ذكرى سنة على وفاة ج.ب .فرنان 829894
ادارة المنتدي تأملات :  أصــــول الفلسفة في ذكرى سنة على وفاة ج.ب .فرنان 103798
الشرقاوي وافق
تأملات :  أصــــول الفلسفة في ذكرى سنة على وفاة ج.ب .فرنان 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا تأملات :  أصــــول الفلسفة في ذكرى سنة على وفاة ج.ب .فرنان 829894
ادارة المنتدي تأملات :  أصــــول الفلسفة في ذكرى سنة على وفاة ج.ب .فرنان 103798
الشرقاوي وافق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تأملات : أصــــول الفلسفة في ذكرى سنة على وفاة ج.ب .فرنان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر عدد المساهمات : 34923
نقاط : 160679
السٌّمعَة : 1074
تاريخ التسجيل : 14/05/2009
الموقع : http://www.autoformer.net/

تأملات :  أصــــول الفلسفة في ذكرى سنة على وفاة ج.ب .فرنان Empty
مُساهمةموضوع: تأملات : أصــــول الفلسفة في ذكرى سنة على وفاة ج.ب .فرنان   تأملات :  أصــــول الفلسفة في ذكرى سنة على وفاة ج.ب .فرنان Dc3srhibiyuaw8ppyxj6الأحد أغسطس 28 2011, 04:38



ترجمة الدكتور عبد الله زارو تأملات :  أصــــول الفلسفة في ذكرى سنة على وفاة ج.ب .فرنان Zarou

جون
بيير فرنان و لد في 4 يناير 1914 و توفي يوم الثلاثاء 9 يناير2007 عن سن
93سنة . فيلسوف و أحد المقاومين اليساريين المتميزين ضد للنازية، يعود له
الفضل في تجديد الدراسة حول اليونان القديمة، بفضل المنهج المقارن و
الأنتروبولوجيا التاريخية، ,اهمية هذه المحاضرة التي قدمها يثانوية de
sèvres 4 نونبر 2004 تكمن في كونها تبين تعقد وتشابك عملية تشكل التفلسف
عبر تشكل حقول سياسية و ثقافية وعلمية و اجتماعية واقتصادية،كما أن لها
قيمة بيداغوجية لتدريس الفلسفة. و تعتبر أخيرا تلخيصا و تركيب لأهم الأفكار
التي يضمهما عملين كبيرين وعميقين من أعمال فرنان الذين تم طبعهما عدة
مرات و هما:





Les Origines de la pensée grecque, P.U.F. 1962, 3e éd., 1975;
Mythe et Pensée chez les Grecs. Études de psychologie historique,Maspero, 1965, 7e éd., 1980, t. II, p.95-124.
أين تبدأ الفلسفة؟
هناك مسلكين لفهم هذا السؤال: التساؤل أولا عن حدود الفلسفة والهوامش التي
تفصلها عن ما لم يصبح بعد وبشكل تام فلسفة؟. ثم يمكن التساؤل أين ظهرت
الفلسفة، وفي أي مكان انبثقت؟ ولماذا ثمة وليس في مكان آخر؟
إن
مسألة الهوية ومسألة الأصل مسألتان مترابطتان ولا يمكن فصلهما، هذا مع أن
المنطق البسيط يجعل حل المسألة الثانية (أصل الفلسفة) يقتضي أن تكون
المسألة الأولى ( ماهية الفلسفة) قد حلت من قبل. كأن يقال: لكي نحدد تاريخ
ومكان ولادة الفلسفة سيكون علينا أن نعرف أولا ما هي هذه الفلسفة؟ و
بالمقابل، من منا لا يعرف استحالة التعريف المجرد للفلسفة كما لو كانت
جوهرا خالدا؟
لكي نعرف ما هي الفلسفة يجب علينا إذن أن نفحص
شروط ولادتها، وأن نتتبع حركة تكونها تاريخيا حينما طرحت ـ داخل الثقافة
الإغريقية ـ قضايا جديدة، وطورت أدوات عقلية لحلها. ففتحت بذلك مجالا
للتفكير، وصاغت فضاءا للمعرفة لم يكن موجودا من قبل، فاستقرت بداخله وقامت
باستكشاف منظم لكل أبعاده، كما بلورت نوعا من العقلانية ونمطا من الخطاب
كانا مجهولين إلى ذلك الوقت. وهو ما مكن الممارسة الفلسفية وشخصية الفيلسوف
من البروز واكتساب وضعية اجتماعية وفكرية خاصة بهما، فتميزتا عن أنشطة
مهنية أخرى كانت متواجدة في المدينة كالوظائف السياسية والدينية. و كان ذلك
تدشينا لممارسة فكرية ظلت مرتبطة بأصولها بالرغم من التحولات التي عرفتها.

في مستهل القرن 6 ق م، بمدينة ميلي اليونانية الواقعة على شاطئ آسيا
الصغرى، أقام الأيونيين مستوطنات غنية ومزدهرة، و تعاقب بها على امتداد
خمسين سنة ثلاثة رجال هم: طاليس،أناكسيمندرس، وأنا كسيمنس، الذين تم
اعتبارهم منتمين منذ القديم لنفس المدرسة، وذلك لتشابه طبيعة القضايا التي
عالجوها، ولتقارب طرق تفكيرهم.
أما المؤرخون المعاصرون فقد ذهب بعضهم
إلى اعتبار أن ازدهار هذه المدرسة كانت بمثابة الومضة التي بشرت " بالمعجزة
الإغريقية". لقد تجسد العقل في أعمال هؤلاء المليين الثلاثة، وبمدينة ميلي
سيدخل العقل ولأول مرة معترك التاريخ، بعد أن أنزل من السماء إلى الأرض،
لكي يشيع نوره منذ ذلك الحين، كما لو أن غشاوة قد انقشعت عن عيون البشرية
العمياء، ولن يكف عن إنارة طريق المعرفة. "لقد فتح الفلاسفة الأيونيين كما
قال "جون بورني" الطريق التي لم يجد العلم بدا من أتباعها"[1]
هل هذا
ما وقع بالفعل؟ وهل كان المليون فلاسفة بالمعنى التام للكلمة؟ وإلى أي حد
حققت أعمالهم ـ التي لا نعرفها إلا من خلال شذرات ناذرة ـ قطيعة جذرية مع
الماضي؟ و بأي معنى يمكن اعتبار التجديدات التي أقدموا عليها كافية
لتصنيفهم كرواد لنمط جديد من التفكير والبحث الذي نسميه: فلسفة؟
لا
يمكن تقديم جواب بسيط عن هذه الأسئلة إلا عبر مواجهة هذا التعقيد، وتحمل
مسؤولية إيجاد حل له، آملين في إعادة تركيب الأوجه المختلفة لإشكالية أصل
الفلسفة. يجب في البداية إثارة الإنتباه إلى مسألة المصطلح. لا نجد كلمات"
فيلسوف" "فلسفة" في القرن 6 ق م. فأول استعمال تم التأكد منه للفظة"
فيلوسوفوس" تعود إلى هراقليطس في بداية القرن 5 ق م. ولم تكتسب هذه اللفظة
مشروعيتها إلا في "المدينة" أثينا مع أفلاطون و أريسطو فقط. لتملك قيمة
دقيقة، تقنية و سجالية في بعض نواحيها.
وجب آنذاك على من يعتبر
نفسه " فيلسوفا" أن يثبت ابتعاده عن سابقيه وأن يثبت بنفس القدر ارتباطه
بهم: بمعنى أن يثبت أنه ليس كالمليين يقتصر على البحث في الطبيعة
"الفيزيس". وليس كأحد الرجالات الذين أطلق عليهم في القرنين 5و6 قبل
الميلاد أسم الحكماء" سوفوس" كالحكماء السبع ومن بينهم طاليس. أو
السفسطائيون جهابذة المعرفة، على شاكلة خبراء فن الخطابة ومعلمي فن
الإقناع، ذووا كفاءة وهمية عالية، الذين اشتهروا في القرن 5 ق م. وقد
وظفهم أفلاطون لكي يميز الفيلسوف الحقيقي. مما سمح له بإبراز هذا المجال
الفكري بشكل أفضل عن طريق التضاد
… أما الفلسفة المبنية والقائمة و التي
اتخذت طابعا مؤسساتيا في إطار المدارس، الأكاديميات، والثانويات، التي
يلقن بها للمرء كيف يمكن أن يصبح فيلسوفا، فلم يدخل بها طاليس إلى رحاب هذه
الفضاءات حين دشن انطلاقة أبحاث المليين. لكن بالرغم من إثبات الاختلاف
فإنه لن يلغي الوعي بالتسلسل، فأريسطو أثناء حديثه عن المفكرين " القدامى"
وعن مفكري" الأيام الخالية" عمل على تفنيد "ماديتهم"، اعتبر طاليس "
رائدا لهذا النوع من الفلسفة".
يطرح إذن وضع الفلاسفة الميليين
مشكلا: لإضطراب الألفاظ التي تدل عليهم، وللموقف الارتيابي الذي اتخذه
حيالهم كبار الفلاسفة الإغريق.
حتى نقدر بدقة مساهمتهم في
التأصيل للفلسفة، يجب أن نبدأ بالكشف عن مكانتهم داخل فضاء الثقافة
اليونانية القديمة. حضارة شفهية بالأساس، فلم تكن التربية فيها تقوم على
قراءة النصوص المكتوبة، بل على الاستماع إلى القصائد الشعرية، والتي
تتوارثها الأجيال مع ألحانها الموسيقية. فالمعلومات كانت تحفظ عبر الملاحم
والحكايات الخرافية، والتي شكلت بالنسبة للجماعة ذاكرة جماعية وموسوعة
معارف مشتركة. كانت القصائد الغنائية تضم كل ما يحتاج الإنسان اليوناني إلى
معرفته حول الإنسان: ماضيه ـ انتصارات الأبطال الغابرين ـ ،عن الآلهة:
أسرهم وسلالاتهم، وعن العالم : شكله وأصله.
لهذا شكلت أعمال
المليين تحولا جذريا: لأنهم لم يتبعوا طريقة المنشدين والشعراء والرواة، بل
اعتمدوا الكتابة النثرية عبر نصوص. لا من أجل نسج خيوط حكاية ما، ولكن من
أجل عرض نظرية تفسيرية تتعلق ببعض الظواهر الطبيعية، وبتنظيم الكوسموس. إن
هذا الانتقال من الشفهي إلى الكتابي ، من الغناء الشعري إلى النثر، من
الحكاية إلى التفسير، كان يستجيب لنمط من البحث نوعيا جديد، سواء من حيث
موضوعه :" الفيزيس/الطبيعة". أومن حيث نمط التفكير الذي وهو تفكير وضعي
خالص.
فالأساطير القديمة، وخاصة أسطورة " أنساب الآلهة" لهوزيود كانت
تحكي كيفية انبثاق العالم من الكاووس، والذي تباينت أجزاءه المختلفة، وتكون
معماره الشامل وتأسس. لكن عملية التكون داخل هذه الحكايات أخذت شكل تسلسل
جينيالوجي، خاضع للتراتب الموجود بين الآلهة، وعلى إيقاع تتابع الولادات،
التزاوج، والمؤامرات التي كانت نتيجة صراع الكائنات الإلهية من مختلف
الأجيال. فالآلهة "غايا/الأرض" ستلد من ذاتها " أورانوس/ السماء" و"بونتوس/
الماء المالح" البحر. ومن أورانوس ستنجب العمالقة: أي أسياد السماء
الأوائل الذين تمردوا على أبيهم ، الذي سيصارعه أبناؤه" الأولمبيون" لتتم
تنحيته، لتسلم لأصغرهم "زوس" مهمة بناء نظام نهائي للكون باعتباره السيد
الجديد.
لن يبقى شيئا من هذه الخيالات الدرامية عند المليين، وهو ما كان
له أثر على قيام نمط جديد من التفكير العقلي، فلم تعد عملية تفسير ظاهرة
ما تقتضي إثبات نسبها وتسمية أبيها وأمها. فالوقائع الطبيعية خاضعة لنظام
ثابت (…) إن النظام لكي يكون معقولا وجب التفكير فيه باعتباره ملازما
للطبيعة، و لمبدإ رئيسي لانتظامها. فالأسطورة كانت تحكي العالم ممجدة
الأمير الذي يبني ملكه ويحافظ على نظام تراتبي بين قوى مخيفة.
أما
المليون فقد كانوا يبحثون وراء التعدد والتغير الظاهر للأشياء عن المبادئ
الثابتة التي يقوم عليها التوازن المضبوط بين مختلف العناصر المكونة
للعالم. ورغم ذلك ظلت بعض الموضوعات الأساسية الأسطورية : كحالة اللاتعين
الأولية التي تطور العالم انطلاقا منها. كما أنهم ظلوا يؤكدون مع طاليس" أن
كل شيء مسكون بالآلهة" إلا أنهم لم يدمجوا في خطاطتهم التفسيرية أي كائن
فوق طبيعي، لتكتسح الطبيعة كل الوجود: لاشيء موجود ولاشيء وجد أو قد يوجد
دون أن يكون له سند في الطبيعة" الفيزيس" كما يلاحظ كل يوم. إن قوة الفيزيس
تكمن في ثباتها وتنوع تمظهراتها، لتحتل الأدوار التي كانت لآلهة القدماء.
باعتبارها تمتلك خصائص الألوهية الممثلة في قوة الحياة ومبدأ النظام الذي
تشمله.
لقد تم تشكيل فضاء للبحث أصبح فهم الطبيعة يتم انطلاقا من مفاهيم
كانت في نفس الوقت وضعية، خصبة ومجردة: (الماء، الهواء، الأبيرون/
اللامتعين، الزلزال، البرق، الخسوف، الكسوف…إلخ. لقد تمكنوا من إبراز نظام
كوني لا يستند إلى قوة إله مطلق، إلى سلطته المطلقة، ولكن يستند إلى قانون
العدل ( Dikè ) المسطر في الطبيعة. وإلى قانون/ ناموس الذي يفرض على كل
العناصر المكونة للعالم نظاما متساويا، بحيث يمنع هيمنة عنصر على بقية
العناصر وسيادته عليهم. وسيسود التوجه نحو الهندسة (…) لاقتراح نظرية،
وإضفاء هيئة على العالم، لتبيان كيف تجري الأشياء عن طريق عرضها في إطار
مكاني.
هذه المميزات الثلاث قد عكست في ترابطها الميزة المجددة للفيزياء
المالطية التي لم تنبثق في القرن 6ق م كإعجاز لعقل مفارق للتاريخ، بل كانت
مرتبطة بالتحولات التي عرفتها المجتمعات الإغريقية على جميع الأصعدة والتي
أدت إلى ظهور المدينة الدولة إثر انهيار الممالك الميسينية.
في هذا
الإطار وجب التأكيد على التقارب الموجود بين رجل كطاليس ومعاصره الشاعر
والمشرع صولون الآثيني. فقد كانا ينتميان بالنسبة للإغريق إلى الحكماء
السبعة، الذين يمثلون النوع الأولي للحكمة(صوفيا) التي ظهرت بين الناس،
حكمة اخترقتها التأملات الأخلاقية والاهتمامات السياسية. لقد كانت الحكمة
تهدف إلى تحديد أسس نظام بشري جديد كبديل لسلطة الحاكم المطلقة وامتيازات
أقلية صغيرة، عبر قانون مكتوب ومعمم ومشترك، يساوي بين الجميع. من صولون
إلى كليستين ستتخذ المدينة خلال القرن 6 ق م شكل عالم دائري يتمحور حول
ساحة عمومية ( الأغورا/الكارة)، والتي يجب على كل مواطن أن يقبل أن يكون
مرة حاكما ومرة محكوما مثله مثل الآخرين، أن يشغل ويتخلى بشكل تداولي عن كل
المناصب التي تشكل فضاء المدينة تبعا لنظام زمني محدد. إنها صورة عالم
مجتمع تنتظمه L’isonomi بمعنى المساواة أمام القانون، هي نفسها الصورة
التي نقلها أناكسمندروس إلى العالم الطبيعي.
كما أن التصورات القديمة
لأصل الآلهة وأنسابها كانت مدمجة ضمن أساطير السيادة المتجذرة في الطقوس
الملكية. أما النمط الجديد الذي بلوره الطبيعيون حول العالم ، فهو نمط
متماسك،… يقوم على المساواة عوض التراتب، يتناسق فيه الهندسي مع أشكال
مؤسساتية وبنيات ذهنية خاصة بالمدينة( Polis) .
" ليس للفلسفة من أصل
آخر غير الإندهاش كما أعلن عن ذلك سقراط تييتاووس" والدهشة باليونانية هي
"تومازاين ـ t haumazain". وهذا اللفظ هو الذي وضع الميليين عند نقطة
انطلاق أصل الفلسفة، باعتباره تعبير عن لحظة التحول الذي أحدثه أبحاث
الميليين مقارنة بالأسطورة.
ففي الأسطورة كانت لفظة المدهش thauma تدل
على الذهول لتضمنه ما فوق الطبيعي. أما بالنسبة للمالطيين فإن غرابة ظاهرة
ما لم تعد تفرض الإحساس بحضور الآلهة، بل باعتباره مشكلة عقلية. فما هو
خارق لم يعد يفتن بل يحرك الفعالية العقلية ويستفزها، وتحول الاندهاش من
تقديس أبكم إلى تساؤل واستفسار، ليتم إدماج المدهش ضمن ما هو عادي في
الطبيعة، ليفقد كل شيء إعجازه إلا براعة الحل المقترح.
إن هذا الموقف من
الخطاب المدهش سيجر معه سلسلة من التبعات. فالخطاب التفسيري لكي يبلغ
غايته يجب عرضه: لا بمعنى أن يكون منطوقا في شكل وبألفاظ تسمح بفهمه فهما
جيدا فقط، بل يجب أن يكون مشاعا ومعمما على أنظار الجميع، بنفس الشكل الذي
كان فيه القانون يعتبر ملكا مشتركا وموزعا بالتساوي داخل المدينة. إن
النظرية بعد أن أزاح عنها الفيلسوف الطبيعي السرية، أصبحت موضوع نقاش
عمومي، وأصبح لزاما عليها أن تبرهن على صحتها، وأن تفسر ما هي بصدد تأكيده،
وأن تتحمل الانتقادات والمناقشات.
إن قواعد اللعبة السياسية: المناقشة
الحرة، الجدل المتعارض، المناظرة بالحجج.أصبحت هي نفسها قواعد اللعبة
الثقافية. فبجانب الوحي الديني الذي كان يتخذ شكلا غامضا وحكرا على مجموعة
مغلقة من العرافين، بالإضافة إلى ذلك ركام من المعتقدات العامة التي كان
يتقاسمها الجميع دون مساءلتها. ظهر مفهوم جديد للحقيقة يؤكد ذاته ويتحقق:
حقيقة منفتحة، معطاة للجميع تؤسس انطلاقا من قوتها الاستدلالية الداخلية
ومن معايير الصحة الخاصة بها.
إلا أن هذا الطريق الذي دشنه المليون
سينفتح على أفق جديد مخالف لأفقهم، إذ سيتبلور نمط من التفكير بعدهم وفي
قطيعة معهم ، تذهب طموحاته ومتطلباته إلى مستوى أرحب من مشروعهم إن كل
الجهاز المفاهيمي الذي اعتمد عليه الطبيعيون في أبحاثهم: الطبيعة، التكوين،
التغير، صدور الكثرة والتنوع عن عنصر واحد ودائم. سيوصف بأنه وهمي وغير
منطقي، لحظة وضعه على محك اللوغوس والعقل الاستدلالي.
مع بداية القرن 5
ق.م ستظهر عدة تيارات فكرية كانت تمثل امتدادا ونقيضا للمليين في نفس
الوقت، والتي شيدت الشطر الآخر من الصرح الذي ستتأسس عليه الفلسفة : مقابل
الموقف الوضعي المطلق لطبيعيي" أيونيا´ ستنصب عقلانية كاملة وكلية. وحتى لا
ينهار الخطاب البشري حول الطبيعة مثلما وقع للأساطير القديمة بسبب تآكله
الداخلي[2] ، ستصبح تنحية الآلهة غير كاف، بل يستوجب أن يكون الاستدلال كله
شفافا، وأن لا يحمل أدنى تفكك يعكس تناقضا داخليا. إن ما وطد القيمة
المعرفية للبرهنة هي صرامتها الصورية وتطابقها مع ذاتها في كل تفاصيلها
وانسجامها في أبعد نتائجها، وليس بسبب توافقها مع معطيات الطبيعة: أي مع
البداهات الحسية المزعومة والتي تتسم بالهشاشة،الغموض، النسبية، والتناقض.
لأن
التوجه نحو بناء مجموعة من القضايا المتصلة ضرورة ببعضها البعض، بحيث أن
كل قضية تفترض القضايا الأخرى سيتخذ خلال القرن الخامس قبل الميلاد أوجها
متعددة، وستتخذ شكلها الأقصى مع بارمنيدس من خلال إبرازه الدقيق لأسس مفهوم
الوجود. فالمستلزمات المنطقية للفكر ستقوض الوهم القائل بأن تعددية
الموجودات قد تكون نتيجة تكون معين. فالوجود ينفي التولد ( النشأة). من أين
نشأ الوجود؟ فإذا كان من ذاته فمعنى ذلك أنه لم تكن هناك نشأة، وإذا كان
من لا وجود فإننا أما نتيجة تتضمن تناقضا، فما هو موجود كان من قبل ليس
موجودا، وعليه فلا يمكن أن نقول الوجود ونفكر في كونه قد "وجد"، إذن
فالوجود موجود. إن التحقق من هذه الفرضية لن يتم امبريقيا/بالمعطيات
الحسية،بل بالعكس من ذلك ، فبالرغم من ظاهرية الحركة، التغير وتعدد الأشياء
في المكان وتنوعها عبر الزمن، فإن بداهة الفرضية تفرض نفسها على الفكر
بصفة مطلقة، عبر الاستدلال غير المباشر، كما تجعل من القضية المتناقضة تبدو
على أنها ممكنة منطقيا، وبما أن الفكر ينقاد من داخل نظامه البرهاني، فإنه
لا يملك موضوعا آخر غير كونه ينتمي إلى ذاته أي اللوغوس (المعقول).
إن
التقدم الذي عرفته الرياضيات، وقد قاده توجه المليين نحو تفضيل دراسة
الأشكال، قد أكسب البحث الفلسفي عن المعقولية بواسطة الصرامة البرهان،
متانة ودقة متناهيتين. إن الهندسة قد منحت خاصية البرهنة ـ كما نجد ذلك في
كتاب "العناصر" لأوقليدس ـ قيمة نموذج للفكر الحق. فإذا كان هذا الحقل
العلمي قد اتخذ شكل متن من القضايا المستنتجة بصفة تامة ومضبوطة من عدد
محدد من المسلمات والمصادرات، فلأنه لا ينظر إلى الحقائق العينية، ولا حتى
لتلك الأشكال التي يشتغل عليها رجل الهندسة في مبرهنته، بل تقوم على مفاهيم
خالصة، يضعها بنفسه، إن مثاليته تكمن في الكمال، الموضوعية، والمعقولية
التامة،وبعدم انتماءه إلى العالم المحسوس.
خلف الطبيعة، و في ما وراء
الظواهر ستتكون خلفية غير مرئية، حقيقية سرية وخفية، سيضطلع الفيلسوف بمهمة
الوصول إليها، ويجعل منها موضوع تفكيره. فالفلسفة باستنادها إلى هذا
الوجود اللا مرئي ضدا على المرئي، اليقيني ضدا على الوهمي، الثابت ضدا على
المتغير، المؤكد ضدا على الوهمي، قد تبنت طريقا بديلا عن الفكر الديني،
واشتغلت من داخل المجال الذي شكله الدين، فقد أنشأ تباعدا مطلقا بين الآلهة
والبشر، بين الخالدين و الفانين، و وجود يعرف بأنه زائل عبثي وشبحي، عبر
وضعه فوق عالم الطبيعة، والقوى المتحكمة فيه خفية.
وفي هذا النزوع
المشترك ( الدين والفلسفة) إلى تجاوز مستوى الظواهر البسيطة للنفاذ إلى
المبادئ الخفية التي تسندها وتدعمها فإن الفلسفة كانت في تعارض مع الدين.
من المؤكد أن الحقيقة التي للفيلسوف امتياز بلوغها والكشف عنها، هي خفية،
مستترة داخل اللا مرئي بالنسبة للعامة. فإن نقلها الذي كان يتم عن طريق
تعليم المعلم للمريد قد احتفظ في بعض مستوياته بطابع initiation .
على
العكس من الدين كانت الفلسفة تطرح الغموض في الساحة، فلم يعد الرهان رؤية
فوق الوصف، ولكنه موضوع بحث في واضحة النهار، والغموض تحول معرفة أصبحت
معممة. هكذا فإن الوجود الحقيقي الذي تعلق به الفيلسوف أصبح وكأنه ضد كائن
فوق طبيعي أسطوري أكثر منه وريثا له ، فموضوع اللوغوس هو العقلانية ذاتها،
والنظام الذي يحرك الاستنتاج، ومبدأ الهوية الذي تستمد منه كل معرفة حقة
مشروعيتها، فبالنسبة لطبيعيي ميلي قد اعتكفت الضرورة الجديدة للموقف الوضعي
منذ الوهلة الأولى على المطلق مجسدا في الفيزيس. أما بالنسبة لبارمنيدس
وأتباعه الإيليين، فإن الضرورة الجديدة للمعقولية قد اعتكفت على المطلق
مجسدا في مفهوم الوجود: الواحد، الثابت والمتجانس. في ما بين هاتين
الضرورتين اللتان كانتا من جهة تتكاملان ومن جهة أخرى تتصارعان، ولكنهما
سجلتا قطيعة مع الأسطورة، عبرهما سيدخل الفكر العقلاني، نسق بعد نسق، في
جدلية سيتولد عنها تاريخ الفلسفة اليونانية.

Maspero, 1965, 7e éd., 1980, t. II, p.95-124. [1]1)J.Burnet : Early Greek philosophy.3ème ed . londres 1920
2)cf
: platon :philébe.14a .comme si notre thèse(logos) se perdait anéantie à
la façon d’une fable (muthos) et que nous ne puissions nous en sortir
qu’aux prix de quelque absurdité dans le raisonnement (alogia)



جون بيير فرنان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mathematiquecher.forumactif.com
 
تأملات : أصــــول الفلسفة في ذكرى سنة على وفاة ج.ب .فرنان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المجزوءة الأولى:الفلسفة المحور الأول: تاريخ الفلسفة.
» الفلسفة - تعريف الفلسفة - تاريخ الفلسفة
» تحليل نص إريك فايل مستقبل الفلسفة - المحور الرابع : الفلسفة و القيم
» اطروحات الفلسفة جد مفيدة ( سريعة الحفض ) لمن يواجه صعوبة حفض الفلسفة
»  تدريس الفلسفة/ بين مستلزمات التفلسف وتاريخ الفلسفة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشرقاوي وافق ::  المواد الادبية :: الفلسفة-
انتقل الى: