غالبا مانغدق على تلامذتنا النصائح المنهجية بشكل نظري ومجرد، لكننا نبخل
عليهم بالنماذج التطبيقية..
نقول لهم حلل النص، استخرج نبيته المفاهيمية والحجاجية ، ناقش النص بمواقف
مؤيدة وأخرى معارضة، حدد قيمة النص، ... ولكن هل بينا لهم يوما ما كيف يتم
ذلك بالفعل !؟
إن النقط التي يمنحها مصحح الفلسفة للتلاميذ نقط هزيلة عموما وحجته في ذلك
ان كتابات التلاميذ وإنتاجاتهم المقالية لا تستوفي شروط الإنشاء كما يريده
وينتظره! ولكن هلا أقدم هذا المصحح على إنجاز نموذج تقريبي لما يريده
ويرتجيه !!؟
لقد ضقت ذرعا بإنشاءات بعض تلامذتي وهم يكتبون:
استخدم النص مفهوم كذا الذي يعني كذا ووظف مفهوم كذا الذي يعني كذا.. أما
من حيث الأساليب الحجاجيةكما استخدم أساليب حجاجية كالتأكيد والنفي
والأمثلة..إلخ ومن المواقف المؤيدة نجد الفيلسوف الفلاني الذي يقول كذا
وكذا.. ويختلف معه الفيلسوف الفلاني الآخر الذي يرى كذا وكذا...
ليس هذا مانريده! وليس هذا إنشاءا فلسفيا جديرا بأن يحمل هذا الإسم! هناك
غياب للوحدة العضوية والتنامي والسلاسة والتفكير الشخصي.. إلخ، ولكن أليس
هذا هو عين ما لقناه للتلاميذ على شكل توجيهات منهجية نظرية!!؟ ألم يقل
لهم: "حلل النص، استخرج نبيته المفاهيمية والحجاجية ، ناقش النص بمواقف
مؤيدة وأخرى معارضة، حدد قيمة النص،.."
هل يقع اللوم على تلميذ لم يسبق له في حياته أن اطلع على نموذج إنشائي
ينجزه مدرسه بنفسه يقدم من خلاله إمكانية من بين إمكانيات كثيرة لتطبيق
التوجيهات المنهجية!!؟
هل سمعتم بشخص تعلم قرض الشعر من مجرد اطلاعه على قواعد العروض؟ هل سمعتم
متعلما أتقن العزف من خلال تعلم الصولفيج دون تدريب يديه وأذنيه من خلال
سماع معزوفات !؟
ماذا لو قلبنا الآية؟ ماذا لو وضعنا يدنا في العجين؟ وفعلنا كما يفعل فلاسفة فرنسا في سلسلة
Les philosophes passent le BAC
حيث يطلب من بعض الفلاسفة كتابة مواضيع إنشائية مدرسية جوابا على
مواضيع الباكالوريا الفرنسية، كما لو كانوا يجتازون فعلا هذا الامتحان! إنه
تمرين لا يخلو من صعوبة ومتعة في نفس الوقت!!
ماذا لو قمنا بالمثل؟ فقدمنا لتلامذتنا نموذج إنشاء فلسفي ونترك لهم
الفرصة إكتشاف قواعد الإنشاء واستنباطها أو التعرف عليها وهي مطبقة هي
تمتزج المادة والصورة؟ الشكل والمحتوى؟ القاعدة وتطبيقها..؟
أترككم مع هذا النموذج الذي أنجزته بنفسي ، هو عبارة عن إنشاء فلسفي، أو
جواب على صيغة النص المذيل بسؤال حلل وناقش، وقد وضعته رهن إشارة تلامذتي،
وتجدون بعده تعليقا لإحدى التلميذات النجيبات في منتدى الحجاج، مما يعني ان
هذا النموذج لم يكن بدون فائدة
إليكم النص أولا
نص الموضوع:: (لجأت إلى ترقيم جمل النص لكي تسهل الإحالة عليها لاحقا في ثنايا الملاحظات المصاحبة للموضوع الإنشائي)
"
(1) إنني أتلفظ بـ´أنا´´ قبل التعرف على نفسي كشخص.
(2) فالأنا هى الأولى،
(3) ولا اختلاف فيها او تنوع!
(4)وهي لا تفترض وجود مذهب (فكري) في الشخص. فالأنا قائمة منذ البداية،
(5) أما الشخص فهو مشروع (...)
(6)يمكن ان تتحقق الأنا وتصبح شخصا.
(7)ويفترض هذا التحقق
8الاعتراف بحدود الذات
(9) وخضوعها الطوعي لما يتجاوزها،
(10)وإبداع القيم،
(11) والهروب من الذات في اتجاه الغير.
(12) ولكن الأنا يمكنها كذلك أن تظل منغلقة على نفسها ومستغرقة فيها، عاجزة كن الانفتاح على الغير.
(13) إن التمركز حول الذات (...) هو العقبة التي تواجه عملية تحقق الشخص،
(14)أما الشرط الأساسي لتحقق الشخص، فيتوقف على استبعاد التمركز حول الذات والتطلع باستمرار نحو الغير سواء كان
(15)) فردا او جماعة"
حلل النص وناقشه
(من الامتحان الوطني- دورة يوليوز2008 آداب)
نموذج ممكن إنشاء فلسفي::
اضغط هنا لمشاهدة الصورة التالية بحجمها الأصلي
تعليق لإحدى التلميذات في منتدى الحجاج::
بصراحة شكرا على هدا الإنشاء التحفة،حقا استمتعت كثيرا بهده البراعة في
الانسياب بين الأفكار والمفاهيم والأطروحات،والانتقال من لحظة لأخرى بخفة
وسلاسة...تجربة إنشائية مفيدة فعلا وبكل المقاييس
(...)دعني أتفق معك في البداية أن مثل هدا النوع من التجارب المبدعة
والملموسة لم نتعود عليها،بل هي نادرة إن لم أقل منعدمة تقريبا.
أكيد أن مثل هده التجارب مفيد ومفيد جدا، وحبدا لو ينهجه كافة مدرسي
الفلسفة..لأنه طريق يؤكد لنا بالملموس أن توجيهات الكتابة الفلسفية ممكنة
فعلا، وليست فقط ،مجرد شعارات نلقي بها في وجه التلميد دون نمادج
للاستئناس.
أما وجه الامتناع فهو القدرة على الجمع بين الحسنيين،منهجية دقيقة ومضبوطة
تتسم بالتدرج والتماسك ومعارف غزيرة ووظيفية مستحضرة بالقدر المطلوب وموظفة
بشكل متين. طبعا على التلميد أن يسعى لرفع هدا الامتناع بالتمرن باستمرار
على الكتابة،لكن ماحيلة التلميد المفتقد لمثل هده التجارب النيرة..؟
لدلك دعني أقول أنا أغبط التلاميد الدين يدرسون عندكم وأضيف، وبصدق، أن
التجربة التي قدمتم هي تجربة رائدة ومبتكرة،ولي اليقين أنها نهج إن تمكن
درس الفلسفة من ترسيخه كتقليد جار في العمل سيمكن التلاميد المجدين من بلوغ
الغايات المرجوة بشكل مرض،وسينقد الدرس الفلسفي من آفة العمومية والخبط
والغموض المنهجي.