نص الحوار: الجد: ألا تكف عن مشاهدة هذه الأفلام الوثائقية يا بني !
الحفيد: إنها مهمة جدا يا جدي ! إن هذا البرنامج مثلا يتحدث عن نشأة
الكون والانفجار العظيم، وكيف كان الكون عبارة عن غاز وكيف كانت الأرض في
البداية مجرد كرة ملتهبة...
الجد: ولكن كل ذلك ...
الحفيد(مقاطعا): نعم، نعم ستقول إن كل ذلك موجود في الكتاب والسنة
الجد: بل وأكثر من ذلك، فهذه العلوم إنما أخدوها عن المسلمين الذين كانوا سباقين إلى دراستها في أيام مجدهم الغابر
الحفيد: الذين اخدوها عن اليونان، الذين أخدوها عن البابليين
والآشوريين والفراعنة.. المهم أن كل من يأخد عن سابقه يطور ما وصل إليه
ويزيد فيه
الجد: يطور؟! أي تطور هذا!؟ إنهم يسيرون نحو الهاوية
الحفيد (مبتسما) نعم ! أعرف يا جدي : الزنا، التبرج، التفكك
الأسري... ولكن اعترف ولو مرة واحدة أن الإنسانية بوجه عام قد تقدمت حتى من
الناحية الأخلاقية. خد مثلا إلغاء الرق، تحسين الوضع القانوني للمرأة، ثم
من الناحية المادية: القضاء على بعض الأوبئة، اكتشاف لقاحات الأطفال، الحد
من خطر المجاعات والكوارث الطبيعية
الجد: هذا كله صحيح، ولكنهم فرطوا في دينهم ، وقد تبعناهم في ذلك
مقلدين، بحيث لو دخلوا جحر ضب لدخلناه وراءهم !! ألا ترى معي يا بني أن
أفضل القرون هو قرن الرسول (ص) والصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم،
ولن نفلح إلا بالاقتداء بهم والرجوع إليهم، أنظر إلى التاريخ تجد الأمة
تتهاوى فيظهر مصلح مجدد يحيي السنة ويرفع شأن الأمة ، ثم ما تلبث أن يدب
فيها التخاذل
الحفيد: نعم يا جدي ! ولكن أنت دائما تنظر إلى أحداث الماضي من
زاوية خاصة فقد عرف أجدادنا أيضا الفتنة الكبرى وقتل علي وبنوه، ودخل
المغول بغداد، ونصب محمد علي للمماليك مذبحة القلعة الشهيرة...
ثم ألا ترى معي أن هناك تقدما أخلاقيا ودينيا رغم كل ذلك: ازدادت اعمال
الخير والتبرعات، و عدد المساجد وكثرت نسخ المصحف الشريف،وكثر حفظة القرآن
ودارسوه مع أن جدتي مثلا كانت بالكاد تحفظ سورتين صغيريتين من القرآن بشق
الأنفس... أما عن حب المال والجشع والأنانية، فهذه سنة الله في أرضه
الجد: كلا يابني ! كان أجدادنا أقل إقبالا على الدنيا وأكثر اهتماما
بالآخرة، لذلك أقبلت عليهم الدنيا وفتحت لهم مشارق الأرض ومغاربها. خد
مثلا فتح الأندلس، أنظر إلى شجاعة طارق بن زياد الذي أحرق السفن حتى لايفكر
جنوده في التراجع أو التخاذل!!
الحفيد: لقد تغير العالم ياجدي! لم يعد ممكنا الانتصار عليهم بحرق السفن.
الجد: نعم لأن الرجال لم يعودوا هم الرجال! لم أقل اننا سننتصر عليهم بحرق السفن ولكننا نحتاج رجالا من طراز أولئك الذين أحرقوا السفن..
الحفيد: لا أتفق معك إلا جزئيا، لأن المسألة ليست مسألة رجال، بل
ظروف تتجاوز الرجال! عندما اكتشف الأوروبيون طريق رأس الرجاء الصالح
استغنوا من وساطة المسلمين، وعندما اكتشفوا أمريكا تضاعفت ثرواتهم، وعندما
بدأت نهضتهم اخترعوا المدفع والبارود... هل يمكن للرجال إن وجدوا أن يتحدوا
كل هذه المعطيات التي ساهمت في إضعافنا وفي تقويتهم، وينتصروا على أوروبا؟
الجد: لعلك تريد القول أن الظروف لم تعد مواتية لنصرنا، بيد أن الرجال هم الذين يصنعون الظروف المواتية ويكسرون شوكة الظروف المعاندة..
الحفيد: أرى أننا سنعود مرة أخرى إلى نقاشنا الشهير، لن أجادلك أكثر
(مبتسما)... بالنسبة لقصة حرق السفن، هل هناك دليل مادي على حرقه لجميع
السفن؟ هل تم إنجاز تنقيب أثري في عرض البحر حيث المكان المفترض لهذه
الحادثة؟ رأيت مثلا منذ أيام وفي أحد هذه البرامج الوثائقة التي لا أكف عن
مشاهدتها (مبتسما) أنهم عثروا مؤخرا قبالة الساحل الإنجليزي على بقايا
سفينة مغربية تعود إلى عدة قرون خلت ووجدوا أغراض البحارة وأسلحتهم بما في
ذلك نقودا تحمل نقوشا عربية إسلامية، واستغرب المؤرخون كيف أن القراصنة
الموريسكيين وصلوا حتى هذه النقطة!!
الجد: أولا لم تكن قرصنة، بل جهادا بحريا؛ وبالعودة إلى قصة طارق
بن زياد فلا يمكن أن يتطرق إليها الشك، فقد تناقلها الرواة والمؤرخون ولا
يمكن أن يجتمعوا على الكذب، ولو لم تحدث القصة أصلا ماذكروها
الحفيد: صدقت، ولعل أعمال الحفريات والتنقيب تكشف عنها يوما ما .
ولكن (مازحا) ألا تلاحظ يا جدي أن حفدة طارق بن زياد لا زالوا يقتدون به في
تعاملهم مع الشاطئ الإسباني؟!هم أيضا "يحْركَون" أي يحرقون، ولكن ماذا
يحرقون؟!
الجد: آه منك أيها الشقي !!!
بعض امكانيات استثمار الحوار في أفق طرح إشكالات مفهوم التاريخ (كما يحددها المنهاج): دفع التلميذ إلى أن يكون طرفا في الحوار بين الجد وحفيده، وذلك في مرحلتين:
أولا- استخراج وتحديد القضايا الخلافية بين الجد وحفيده مثل:
1- هل أبدع الأوروبيون في نهضتهم ام نقلوا واستغلوا ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية ماضيا؟
2- ماهو المسار الذي تمضي نحوه الحضارة العاصرة (الحضارة الغربية)؟ مسار تقدم ام انحطاط؟
3-هل الأفضل هو لحظة نمضي نحوها أم لحظة مضينا منها وعلينا استعادتها؟ هل الأفضل أمامنا أم وراءنا؟
4- هل تخلفنا يعود إلى ظروف موضوعية أم إلى غياب "الرجال" أي ضعف الإيمان والعزيمة؟
5-كيف نتحقق من بعض الوقائع في تاريخنا؟ كيف نعرف ان القصة الفلانية أو الحدث الفلاني قد وقع فعلا وبالشكل الذي يروى به اليوم؟
6-كيف نقوم بتوصيف المعارك الحربية التي شهدها الماضي بين سفن المسلمين والسفن الأوروبية؟ هل يتعلق الأمر بقرصنة أم بجهاد بحري؟
7-هل يمكن القول أن التاريخ يعيد نفسه من خلال المماثلة بين إحراق طارق بن زياد للسفن وحراكَة اليوم في قوارب الموت؟
ثانيا-مناقشة هذه القضايا الخلافية، وإبداء الرأي فيها، ومن الممكن
تكوين مجموعتين من التلاميذ تضم كل مجموعة من اختار هذا لجواب او ذاك،
وتحاول كل مجموعة بسط حججها ودلائلها...
ويمكن للمدرس في نهاية هذه المناقشات أو أثناءها أن يساعد التلاميذ على
اكتشاف أن السؤالين 2و 3 تتعلق بمنطق السيرورة التاريخية، في أي اتجاه تمضي
هذه السيرورة (محور: التاريخ وفكرة التقدم)
وأن السؤال رقم 4 ينفتح بنا على إشكالية دور الإنسان والذات في صناعة
الأحداث التاريخية ومن م صناعةالتاريخ وتوجيه دفته،وهو إشكال قريب إلى حد
ما من إشكال المحور الأخير في درس الشخص: الشخص بين الضرورة والحرية،
والفرق الوحيد هو ان الشخص أصبح تحديدا الفاعل التاريخي (محور: دور الإنسان
في التاريخ)
وأن السؤالين 5 و 6 يتعلقان بمشكلة المعرفة التاريخية؟ وشروط علمية هذه
المعرفة: الدقة، الواقعية، الموضوعية، أساليب التحقق من حدث ولى وانقضى...
(إمحور: شكالية المعررفة التاريخية)