كان من النتائج الهامة التي ترتبت على حركة الكشوف الجغرافية، تدفُّق
الهجرة من أوربا إلى الأراضي المكتشفة، وقام المهاجرون الإنجليز بتأسيس
المستعمرات على الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية. وقد تأسست أول مستعمرة
إنجليزية في عام 1607 في جيمس تاون بولاية فرجينيا، ولم تكن تتألف في
البداية إلا من حصن وكنيسة مخزن وصف من الألواح الخشبية.
نشوء المستعمرات
وتوالى منذ ذلك التاريخ وصول المهاجرين الإنجليز بشكل أساسي والمهاجرين
الأوربيين بشكل عام.وقد تضافرت عدة عوامل في دفع حركة الهجرة وتنميتها، مثل
الضيق الاقتصادي والاستبداد السياسي والاضطهاد الديني. كما شجع القضاة
والقائمون على شؤون السجن المذنبين على الهجرة إلى أمريكا، بدلا من قضاء
مدة العقوبة في السجن. وأنشأت طائفة البيوريتان (التطهريون) مستوطنة بليموث
التي أصبحت مساتشوسيتس فيما بعد. وهكذا نشأ في المستعمرات مجتمع جديد
يرتبط بالولاء للوطن الأم إنجلترا، ولكنه يتمتع في الوقت نفسه بحرية سياسية
لا مثيل لها في أي مكان في الأرض في القرنين السابع عشر والثامن عشر. حيث
أن سكان هذه المستعمرات كانوا يحملون معهم أفكار البريطانيين الأحرار، كما
كانت لهم مجالسهم النيابية المنتخبة، التي تضع القوانين وتفرض الضرائب
وتحدد الاعتمادات المالية وتسيطر على الخزانة. ورغم تنوُّع الأصول التي
انحدرت منها شعب المستعمرات الأمريكية، إلا أن اللغة والثقافة والنظم
الإنجليزية ظلت هي السائدة، ذلك أن المهاجرين الجدد كانوا يختلطون
بالوافدين الإنجليز الأوائل، ويتخذون لغتهم ويعتنقون وجهات نظرهم، ونتج عن
هذا الاندماج ظهور شعب جديد هو الشعب الأمريكي، الذي أخذ يتميز بالتدريج عن
الشعوب الأوربية التي ينتمي إليها .وبحلول عام 1733 تمكن المهاجرون
الإنجليز من تأسيس ثلاثة عشر مستعمرة على ساحل المحيط الأطلسي، من
نيوهامشير في الشمال إلى جورجيا في الجنوب. أما في مناطق أمريكا الشمالية
الأخرى، فقد سيطر الفرنسيون على كندا ولويزيانا، التي ضمت منابع نهر
الميسيسيبي الهائلة. وخاضت فرنسا وإنجلترا حروباً عديدة ضد بعضهما البعض
خلال القرن الثامن عشر، ومع نهاية حرب الأعوام السبعة بينهما، كانت إنجلترا
تسيطر على كندا وجميع مناطق أمريكا الشمالية الواقعة شرق نهر
الميسيسيبي.وبعد ذلك بفترة قصيرة دخلت إنجلترامع مستعمراتها في صراع. ويرجع
أول أسباب هذا الصراع إلى السياسة الإنجليزية في حكم المستعمرات، فقد كان
لكل مستعمرة حاكم إنجليزي ينوب عن ملك إنجلترا، وكثيراً ما كان النزاع
ينشُب بين الحكام الذين يمثلون المصالح الإنجليزية، وبين المجالس النيابية
المنتخبة التي تمثل مصالح الشعب في المستعمرات. وقد أدى تكرار التصادم بين
حكام المستعمرات وبين المجالس، إلى إيقاظ إحساس المستعمرات بما هنالك من
تباعد بين المصالح الأمريكية والإنجليزية.
أسباب التذمر من المستعمرات
الأمريكية
على أن أهم أسباب التذمُّر في المستعمرات الأمريكية كان يرجع إلى السياسة
الاقتصادية التي اتبعتها إنجلترا هناك، فقد حتّم قانون الملاحة (التجارة)
الذي صدر سنة 1651، نقل كافة الصادرات من المستعمرات إلى إنجلترا على سفن
يملكها إنجليز، ويتولى تشغيلها إنجليز. كما حتّمت التشريعات التي تلت ذلك
القانون أن يُعاد شحن صادرات المستعمرات إلى القارة الأوربية في الموانئ
الإنجليزية. ونظمت استيراد السلع الأوربية إلى المستعمرات بطريقة تعطي
أفضلية للمصنوعات الإنجليزية، وفرضت على المستعمرات إمداد البلد الأم
بالمواد الخام، وأن لا تنافسها في الصناعة. كما خرجت إنجلترا من حرب السنين
السبع مع فرنسا وهي تعاني من أزمة مالية حادة، نتيجة للنفقات الباهظة التي
تكبدتها فيها، فلجأت إلى فرض ضرائب جديدة على سكان المستعمرات.
الثورة الأمريكية
(1775 - 1783م). هي الثورة التي قامت ضد بريطانيا، وأدت إلى ميلاد دولة
جديدة باسم الولايات المتحدة. كانت الثورة أو الحرب الثورية قد اندلعت بين
بريطانيا والولايات الثلاث عشرة الممتدة على الساحل الأطلسي في أمريكا
الشمالية.
بدأت الحرب في 19 أبريل 1775م عندما اصطدم البريطانيون بالثوار الأمريكيين
في مدينتي لكسنجتون وكونكورد في ماساشوسيتس، واستمرت ثماني سنوات وانتهت في
3 سبتمبر 1783م، عند توقيع معاهدة باريس بين بريطانيا والولايات المتحدة
التي اعترفت فيها بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة.
مذبحة بوسطن .
حدثت في 5 مارس عام 1770م، عندما أطلق جنود بريطانيون النار على بعض
الأمريكيين وقتلوا خمسة منهم. هذه الدعاية الوطنية التي قام بحفرها الفنان
بول ريفير لإثبات الحدث، سماها مذبحة بوسطن لتحريض المستوطنين ضد الحكم
البريطاني.
أسباب الحرب وخلفياتها. كان النفوذ البريطاني في أمريكا الشمالية في أوجه
قبل الثورة الأمريكية بسنوات قليلة. فقد تغلبت بريطانيا في حربها مع
الفرنسيين والهنود، وكانت المعاهدة التي أنهت الحرب قد ضمنت لبريطانيا معظم
الأراضي التي كانت بيد الفرنسيين في أمريكا الشمالية التي كانت تمتد من
جبال الأبلاش في الشرق إلى نهر المسيسيبي، ومن ضمنها رقعة واسعة في كندا.
كان معظم أهل المستعمرات الأمريكيين يفخرون بانتمائهم إلى الإمبراطورية
البريطانية، في وقت كانت تُعتبر فيه أقوى الإمبراطوريات في العالم.
كان من حق المستعمرات أن تنتخب ممثليها لجمعية تشريعية تقوم بسن القوانين
وفرض الضرائب، ولكن حاكم المستعمرة كان له حق نقض أي من تلك القوانين.
وكانت بريطانيا تأمل من المستعمرات الأمريكية أن تخدم مصالحها الاقتصادية
وقد رضيت المستعمرات بذلك بصورة عامة. والمثال على ذلك أنها امتنعت عن صنع
المواد والسلع المنافسة لمثيلاتها البريطانية.
تغيُّر السياسة البريطانية. بدأت بريطانيا بتغيير سياستها بعد الحرب
الفرنسية والهندية، وذلك بتشديد قبضتها على مستعمراتها الشاسعة في أمريكا،
فصوت برلمانها على وجود جيش مرابط في أمريكا الشمالية. وصدر قانون يلزم
المستعمرات بأن تؤمن لذلك الجيش الثكنات والتجهيزات كما صدر قرار بتخصيص
أراضٍ واقعة غرب جبال الأبلاش لإسكان الهنود، ومنع البيض من إنشاء مستوطنات
لهم في تلك الأراضي، وتعيين الحراس لإبعاد المستوطنين عنها. لقد اغتاظ
المستوطنون من هذا القرار قائلين بأنه لا يحق لبريطانيا أن تمنعهم من
الاستيطان، كما أن الكثيرين منهم كانوا يطمعون في تحقيق أرباح لهم في شراء
الأراضي في الغرب.
دعاية بريطانية تُظهر اللوحة جماعة ثائرة من المستوطنين تنقض على جابي
الضرائب، وتسكب عليه القطران وتجبره على شرب الشاي وهو يغلي. أما خلفية
الصورة فتوضح بعض المستوطنين وهم يفرغون الشاي الإنجليزي في البحر.
قانون الطابع. رأت بريطانيا ضرورة مشاركة أهل المستعمرات في تحمل نفقات
جيوشها في أمريكا، فأصدرت في سنة 1765م قانونًا عرف بقانون الطابع، بموجبه
تُدفع رسوم على الصحف وورق اللعب والشهادات العلمية والعديد من المستندات
الرسمية على غرار ما كان معمولاً به في بريطانيا.
اندلعت أعمال الشغب في المستعمرات احتجاجًا على هذا القانون، ورفض الناس
السماح ببيع تلك الطوابع متعللين بأنه لا يحق لمجلس البرلمان البريطاني أن
يفرض ضرائب على المستعمرات، لاعتقادهم بأن ذلك هو من حق هيئتهم التشريعية
التي انتخبوها. وقرر التجار في جميع الموانئ أنهم سيقاطعون البضائع
البريطانية مالم يقم مجلس البرلمان بإلغاء ذلك القانون. وقد ألغى مجلس
البرلمان قانون رسم الطابع في السنة التالية مصدرًا قرارًا آخر يجعل للملك
والبرلمان الحق التشريعي في إصدار القوانين الخاصة بالمستعمرات في كل
المسائل.
قانونا تاونزهند.
أصدر البرلمان البريطاني بعد ذلك قانوني تاونزهند، نسبة إلى وزير الخزانة
آنذاك، فَرَض أحدهما ضريبة على الرصاص والأصباغ والورق والشاي كما فرض
الآخر إنشاء مكتب للجمارك لجمع الضرائب في بوسطن. وتسبب القراران في تجدد
الاحتجاجات التي ألغيت على أثرها تلك الضرائب باستثناء الضريبة المفروضة
على الشاي. وخرجت المظاهرات ضد الضريبة مرة أخرى ولاسيما في مدينة بوسطن،
فتصدى الجنود البريطانيون للمتظاهرين وقتلوا منهم خمسة أشخاص. وقد سمى
الأمريكيون هذا الهجوم مذبحة بوسطن.
قانون الشاي.
بدأ الأمريكيون يُهرِّبون الشاي من هولندا لتلافي دفع ضريبته، وكانت شركة
الهند الشرقية البريطانية الممولة للشاي إلى المستعمرات، قد أصيبت بأضرار
بسبب المقاطعة والتمست المساعدة من البرلمان، فقرر تخفيض الرسوم فاستطاعت
الشركة أن تخفض سعر الشاي إلى مستوى أدنى من سعر الشاي المهَّرب، غير أن
المستوطنين استمروا في المقاطعة، ورفض التجار بيعه وقام عدد من أهالي بوسطن
متنكرين في أزياء هندية بالهجوم على السفن المحملة بالشاي في الميناء،
وألقوا بشحناتها في الماء. وعرفت هذه العملية ببوسطن تي بارتي.
القوانين القسرية.
غاظ ذلك الملك جورج ووزراءه فأصدروا عددًا من القوانين في 1774م سماها
الأمريكيون القوانين غير المحتملة، من بينها قانون يأمر بإقفال ميناء بوسطن
إلى أن يدفع الأهالي قيمة الشاي الذي أتلفوه، وقانون آخر أوقف فعاليات
الهيئة التشريعية في ماساشوسيتس وتوسيع صلاحيات حاكمها البريطاني.
الكونجرس القاري الأول.
عقد الكونجرس القاري الأول اجتماعًا في فيلادلفيا من 5 سبتمبر إلى 26
أكتوبر 1774م وصوت لصالح قطع العلاقات التجارية مع بريطانيا ما لم تقم
بإبطال القوانين القسرية، كما وافق على اقتراح بقيام المستعمرات بتدريب
رجالها على فنون الحرب. ولم يتطرق أي من الوفود إلى موضوع الاستقلال.