ليس الفشل الدراسي مجرد حدث شخصي يهم الطالب الفاشل وحده، بل إنه مؤشر على وجود خلل ما، قد يكون في الطالب ذاته، وقد يكون في المدرسة نفسها بطرقها وأساليبها التربوية ومنهاجها، وقد يكون في المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الطالب . ومن ثم، تعددت الأطروحات والمقاربات التي طرحت مشكل الفشل الدراسي. مع تعدد الأطروحات تعددت كذلك الحلول و الاستراتيجيات المقترحة لتجاوز الفشل الدراسي أو اتقائه.
ولعل من أسباب هذا التعدد كون التعثر أو الفشل الدراسي قطب اهتمام كل الناس : الباحثون، المربون، والممارسون داخل الصفوف، وأولياء الطلاب وآباؤهم ، الإداريون، مهندسو السياسات التربوية، واضعو البرامج، ومخططو الميزانيات… فليس غريبا إذن أن تتعدد الطروحات، وتختلف المواقف، وتتنوع التحاليل حول هذه الظاهرة .
و الفشل الدراسي أو بالأحرى التعثر الدراسي - حتى لا يكون حكمنا نهائيا لوجود فرق شاسع بين الفشل والتعثر - يمس جميع الأنساق التربوية بنسب متفاوتة ، و من العوامل التي قادت إلى طرح هذا المشكل :
1 - تعميم التعليم وامتداد سنوات الدراسة عند المتعلمين .
- 2 دمقرطة التعليم . و هو شعار قد يربطه البعض بشعار " التعليم للجميع "، و قد يربطه البعض الآخر بشعار "النجاح للجميع" ،فيما يربطه آخرون بشعار"المساواة في نتائج التعليم أكثر من المساواة في فرصه " .
- 3 تطور مناهج البحث في الحقول العلمية المتعلقة بالإنسان . أما بخصوص تعريف التعثر الدراسي فهو كالآتي : " التعثر ظاهرة ينتج عنها فارق بين الأهداف المتوخاة والنتائج المحققة فعليا كما و كيفا " . واضح جدا أن هذا التعريف يقيم نتائج الطلاب أكثر من تقييم وسائل التعليم، أي تقييم التعلم لا التعليم ، لكن لا يقصي إمكانية أن يكون التعليم في محتوياته و طرائقه و أدواته سببا في التعثر الدراسي لدى الطلاب .
هذا من جهة ، من جهة أخرى ، إن ربط ظاهرة التعثر الدراسي بالأهداف الإجرائية يجعل منها ظاهرة تمس ثلاثة مجالات هي :
- المجال المعرفي : ويتعلق الأمر هنا حسب صنافة بلوم بالمعرفة،الفهم،التطبيق،التحليل،التركيب،والتقييم .
- المجال الوجداني : ومن أهدافه الاستقلالية والثقة في النفس، احترام الآخر، التعاون داخل الجماعة، القدرة على التقييم الذاتي، روح النقد والفهم، البحث عن الحقيقة، تسيير السلوك الذاتي والقدرة على التواصل .
-المجال الحس- حركي : ويشمل كل المهارات الحركية بدءا بتلك التي تتعلق بمهارات يدوية أو جسمية، وأنشطة حركية تلفظية مثل النطق والخط واستقبال الأصوات، إلى أنشطة حركية تعبيرية ذات بعد ذاتي مثل الرسم والموسيقى .
وإذا ما اعتمدنا هذا التعريف فإن عمليات التقييم والتشخيص والدعم تتم في ثلاثة حقول هي :
- حقل تنفيذ عملية التقييم : وهو حقل الكشف عن التعثر الدراسي .
- حقل تنفيذ عملية التشخيص : وهو حقل تشخيص سبب التعثر الدراسي .
- حقل تنفيذ عملية الدعم : وهو حقل تصحيح التعثر الدراسي .
أولا: حقل الكشف عن التعثر الدراسي : إن عملية الكشف عن التعثر الدراسي، هي جملة من الإجراءات المنهجية والعلمية الهادفة إلى تحديد طبيعة التعثر الدراسي وكثافته، وقياس مدى اتساعه أو انتشاره ، والكشف عن تجلياته . و ينبغي أن تكون أداة التقييم التي أبانت عن مؤشرات التعثر ملائمة لنوعية الأهداف وموقعها ، هكذا يسهل علينا تحديد تلك الأهداف التي تعثر الطلاب في تحقيقها و كانت إنجازاتهم دون المطلوب ..
ولتيسير معرفة نوع وموقع هذه الأهداف يكفي الإجابة على الأسئلة التالية :
- ما موقع هذه الأهداف التي تعثر الطلاب في إنجازها ؟
-هل هي أهداف المكتسبات السابقة ؟
-هل هي أهداف مرحلية وسيطية ؟
-هل هي أهداف نهائية إجمالية ؟
- ما هو المجال الذي تنتمي إليه هذه الأهداف ؟
_هل هي أهداف تتعلق بالقدرات العقلية كالمعرفة والفهم والتطبيق … ؟
_هل هي أهداف تتعلق بالمواقف والقيم الوجدانية ؟
_هل هي أهداف تتعلق بمهارات حس-حركية، يدوية أو تلفظية ؟
إذا أجبنا على هذه الأسئلة، فإننا نحدد بهذه الإجابة حقل التعثر الدراسي . و بعد هذه الخطوة يأتي تحديد حقل تشخيص سبب هذا التعثر .
ثانيا : حقل تشخيص سبب حدوث التعثر الدراسي : إن عملية تشخيص أسباب حدوث التعثر الدراسي تعتبر أساسية في هذه المرحلة ، ذلك لأن معرفة الأسباب كفيلة في تحديد طرق التصحيح، كما أنها تجيبنا على السؤالين التاليين :
_ لماذا حدث التعثر عند الطلاب ؟
_ كيف نعالج التعثر الدراسي الملاحظ ؟
وغالبا ما تكون نتائج عملية التشخيص مرتبطة بأحد العوامل التالية :
أ ) مواصفات الطالب:الاستعدادات والقدرات العقلية، الحاجات والمواقف الوجدانية، المهارات والمجالات الحس حركية.ا
ب) معطيات المحيط :العامل الأسري، العامل المدرسي، عوامل أخرى (اقتصاد،قيم ، ثقافة … )
ج) خصوصيات الفعل التربوي :عدم ملاءمة أو وضوح الأهداف، الوسائل ، طرائق ،محتوى … أساليب التقييم والاختبار .
ثالثا : حقل تصحيح التعثر الدراسي: إن عمليتي التقييم والتشخيص ليستا غاية في حد ذاتهما، بل إنهما جملة إجراءات تقود إلى تصحيح هذا التعثر و"علاجه
فعملية التصحيح إذن، هي كل الإجراءات الموالية لعمليتي التقييم والتشخيص، والتي تستهدف دعم الطلاب من أجل تصحيح تعثرهم، أو بمعنى أدق ، عملية تقليص الفارق الملاحظ بين ما نتوخى تحقيقه بفعل تربوي معين، وما حقق فعلا . و عملية الدعم هذه يمكن أن تتجزأ إلى حقلين رئيسيين هما: دعم غير بيداغوجي و آخر بيداغوجي ، أما الدعم الغير بيداغوجي فهو ذلك الذي يتم خارج المدرسة ، مثل علاج الحالات المرضية التي تتطلب تدخلا ذا طبيعة طبية ومثل الحالات الاجتماعية التي تستوجب مساعدة الوسط الأسري للطالب . وأما بخصوص الدعم البيداغوجي فهو ذلك الذي يتم داخل الفصل وخارجه ويأخذ بكل مكونات فعل التعليم والتعلم . من أهم الأساليب التي يمكن اللجوء إليها :
_ بخصوص المجال المعرفي-العقلي :
أ ) أنشطة تمكن من دعم الطلاب على مستوى المعرفة والفهم، مثل تحرير ملخصات، إعداد التقارير الكتابية والشفهية ،المحاكاة والتكرار من خلال تمارين وواجبات .
ب) أنشطة تمكن من دعم الطلاب على مستوى مهارات التطبيق والتحليل،مثل : تمارين تطبيقية داخل الفصل أو خارجه،معامل تربوية يتم فيها تنفيذ المعطيات التي تمت دراستها، أعمال مختبرية تتعلق بالنشاط العلمي، تحليل نصوص ووثائق معينة،مسائل يتطلب حلها عدة خطوات وتكون محلولة جزئيا
ج) أنشطة تمكن من دعم الطلاب على مستوى مهارات التركيب والحكم والابتكار مثل: مناقشات مفتوحة بين مجموعة الطلاب، بحوث فردية وجماعية،
_ بخصوص المجال الوجداني :لما كان التحكم في الوجدان أو الكشف عنه أمرا صعبا وليس بالهين ، كان اللجوء إلى الأساليب المفتوحة التي تمكن الطالب من الاكتشاف والتعلم الذاتي،هو الحل الأنسب للحالات التي يكون التعثر عندها ذو طبيعة وجدانية، كالارتباك في التواصل، أو انعدام الحوافز على التعلم، أو الانعزال عن الجماعة … و من هذه الأساليب نذكر :أساليب تنمية مهارة الإصغاء والفهم لدى الطالب(دينامية الجماعات)، وأساليب تنمية مهارة التعبير، أساليب التعزيز، وأساليب التحسيس بالمسؤولية وأساليب إثارة المشكل .
_ بخصوص المجال الحس-حركي : إذا تبث بواسطة التشخيص تعثر في المجال الحس-حركي فغالبا ما يتم التصحيح بإحدى الطرق التالية : التركيز على أنشطة تتطلب التقليد والمعالجة والمحاكاة ،أنشطة التكيف والإتقان والدقة في إنجاز فعل حركي معين
لتحميل العرض اضغط هنا
http://www.archive.org/download/madrassaty_363/assalibekachfeta3atoredirassi.doc
منقول