الشرقاوي وافق
أساليب التخيل في الفلسفة 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا أساليب التخيل في الفلسفة 829894
ادارة المنتدي أساليب التخيل في الفلسفة 103798
الشرقاوي وافق
أساليب التخيل في الفلسفة 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا أساليب التخيل في الفلسفة 829894
ادارة المنتدي أساليب التخيل في الفلسفة 103798
الشرقاوي وافق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أساليب التخيل في الفلسفة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر عدد المساهمات : 34923
نقاط : 160679
السٌّمعَة : 1074
تاريخ التسجيل : 14/05/2009
الموقع : http://www.autoformer.net/

أساليب التخيل في الفلسفة Empty
مُساهمةموضوع: أساليب التخيل في الفلسفة   أساليب التخيل في الفلسفة Dc3srhibiyuaw8ppyxj6الأحد أغسطس 28 2011, 14:24

أساليب التخييل في الفلسفة

عائشة أنوس
لم يقتصر الخطاب الفلسفي على الأسلوب الأسطوري والاستعاري
كأساليب تخييلية. بل استعمل أساليب أخرى كالأمثلة والحالة الخاصة.. غير أن حضور مثل
هذه الأساليب الحسية-التخييلية في الخطاب الفلسفي لم يكن من قبيل الإطناب أو زخرفة
الأسلوب وإنما شكل مستوى من مستويات التفكير في المعقول بواسطة الصور، ولا تقوم هذه
الأساليب بوظيفة التوضيح أو التفسير فقط وإنما تساهم في تأسيس وبناء التصور الفلسفي
كما تلعب دورا أساسيا في الحجاج.

تقديم:


عرف الخيال وضعا حرجا في تاريخ الفلسفة، إذ اعتبر تارة فعلا من
أفعال الإدراك وعملا من أعمال الذاكرة، كما اعتبر تارة أخرى نقطة المركز في كل
مشكلات الخطإ والوهم، هذا مع تصنيفه أحيانا ضمن القدرات النفسية التي يختص بها
الشعور عند انفصاله عن الواقع. وقد جعلت الفلسفة منذ نشأتها من الخيال ذاك الآخر
الذي ينبغي عليها العمل على إقصائه وطرده من فضائها سيما وأنها سعت منذ البداية إلى
التميز عن أنماط فكرية أخرى تستند على الصور التخييلية كالأسطورة والشعر. لكن
اشتغال الفلسفة بواسطة وداخل لغة تسكنها الصور الحسية التخييلية طرح صعوبة أمام
تحقيق تلك الغاية. فقد استشعر الفلاسفة ومنذ أفلاطون بأن هذا الآخر الذي يمثله
الخيال كلما حاولوا إبعاده ظهر في كتاباتهم لأنه يسكن اللغة التي يستخدمونها، صحيح
أن هناك استخداما فلسفيا للغة وأن الفلسفة "تحول الكلمات العادية إلى ألفاظ تقنية
حين تدرجها في نسق استدلالي"، لكن الفلسفة أيضا خطاب تتحقق داخله عمليات تنظيم
المعنى، يتضمن قصدا دلاليا فضلا عن القصد البيداغوجي لكونه مجالا لحضور ذات متكلمة
تضع نفسها في علاقة مع ذات أخرى، حقيقية كانت أو مفترضة، يتوجه إليها الخطاب. ولعل
هذا القصد البيداغوجي هو من بين ما يجعل نصوص الفلاسفة تحفل بالصور الحسية
والتخييلية التي تتعايش إلى جانب المفاهيم المجردة، بل إن الفلاسفة أنفسهم يعترفون
بأن لجوءهم إلى أساليب التخييل والتمثيل هو لأجل تيسير الفهم على الملتقي ولمد جسور
التواصل معه لأن هذه الأساليب "هي أضمن وسيلة لامتلاك أسماع الناس وإيقاظ فكرهم
لأنها تخاطب خيالهم".


لكن ألا يعني هذا استخدام الفلسفة لنمط من التفكير المخالف
للتفكير الفلسفي، ونعني التفكير بواسطة الصور؟ ألم تعمل الفلسفة على إقصاء الخيال
بطرد الشعراء من مملكتها، لعدم انتمائه إلى مجال اللوغوس وجنوحه عن قواعده؟ إنه
إشكال طرح على الفلسفة ضرورة التفكير في مسألة الخيال، إلا أن هذا التفكير أفرز
موقفين متمايزين تم توجيههما من خلال منظورين مختلفين أسس لهما أفلاطون وأرسطو حيث
حركت الرغبة في استبعاد الخيال وإقصائه لأجل إثبات الحقيقة العقلية والدفاع عن
الفلسفة، المنظور الأول الذي تمثله الأفلاطونية ويجد امتداده في الديكارتية، بينما
صدر المنظور الثاني عن محاولة لاستيعاب الخيال ضمن نشاط الفكر بمنحه دورا
استراتيجيا في النشاط المعرفي، وهو منظور أرسطي لقي استمراره مع الفكر العربي
الإسلامي وتم تعميقه في العصر الحديث مع الكانطية.

ويبدو أن الفلسفة في تناولها لمسألة الخيال كانت تبحث في طبيعة
العقل الذي تتأسس عليها باعتبارها خطابا عقلانيا مفاهيميا، لكن التنظير لمسألة
الخيال لم يمنع حضور الأساليب التخييلية في كتابات الفلاسفة ونصوصهم مثل الأسطورة
والاستعارة والأمثلة وغيرها.. بل إن أكثر الفلاسفة هجوما على الخيال، كأفلاطون
وديكارت، لم يفلت من استخدام هذه الأساليب، بل نجد فلاسفة أمثال نيتشه وباسكال
وهيدغر قد لجؤوا إلى الشعر، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل هل يشكل الخيال طفولة العقل
– كما يدعي هيجل؟ أم أنه الظل الملازم له؟

الأسلوب الفلسفي:

في الفصل الأول من كتابه من أجل المعرفة الفلسفية حاول
ج.غ.غرانجي الإجابة على السؤال: هل الفلسفة علم أم فن؟ وهو سؤال سبق لنيتشه الإجابة
عليه بقوله إن الفلسفة "شكل شعري"، هذه نتيجة لا تختلف عن تلك التي توصل إليها
غرانجي الذي يرى أن نشاط الفيلسوف، وإن كان يبدو مماثلا لنشاط العالم الرياضي لأنه
يقوم بإنتاج المفاهيم، فإنه مع ذلك ليس علما، أو لنقل إن الفلسفة لا تماثل المعرفة
العلمية لأن القصد الذي يحركها هو تنظيم دلالات المعيش وليس تنظيم الأحداث
والظواهر، فإن كان بإمكان العالم أن يصف عمله وأن يقدم عنه خلاصات أو خطاطات فإن
هذا لا يصدق على الفيلسوف الذي لا يستطيع تقديم عمله بواسطة ملخص أو تقرير، لذلك
فالممارسة الفلسفية تشبه الممارسة الفنية التي لا معنى لها إلا في تحققها، فلا يمكن
للموسيقي أو الرسام وصف عمله فقط، لأن هذا العمل لا قيمة له إلا في إنجازه، كذلك لا
يمكن للممارسة الفلسفية أن تتخذ شكلا غير شكل الأعمال الفلسفية ذاتها لأن كل ما
تنتجه الفلسفة يتم بواسطة ممارسة للأسلوب، وكل محاولة للفصل بين العمل الفلسفي
والأسلوب يضعه في العدم.

اعتبرت مسألة الأسلوب موضوعا غير ذي أهمية ولا ترقى إلى مستوى
التفكير الفلسفي لأنه تم النظر إلى تاريخ الفلسفة كتاريخ للعقل وإلى الفيلسوف كشخص
يسعى إلى نقل مضمون فكري. لكن سيتبين -وبالضبط منذ نيتشه– أن أسلوب الكتابة لدى
الفيلسوف لا ينفصل عن أسلوبه في التفكير، فما يميز كل فيلسوف ليست أفكاره وإنما
كيفية عرضه لها.

يرتبط الأسلوب إذن بفلسفة الفيلسوف وباختياره لأشكال التعبير
التي يراها مناسبة لفلسفته. إنه اختيار واع يقوم به للتواصل مع قارئه وإظهار أفكاره
له أو لإخفاء آرائه عنه حين يعتبره غير جدير بقراءته. يقول نيتشه: "عندما نكتب، لا
نكتب فقط كي نفهم وإنما كذلك كي لا نفهم، فلا يعتبر كافيا اعتراض شخص ما على كتاب
لمجرد أنه وجده غير قابل للفهم، فربما كان هذا من مقاصد المؤلف".

إنها لعبة الإظهار والإخفاء تلك التي يقوم بها الأسلوب عند
الفيلسوف مما يجعل هذا الأخير يلجأ إلى أشكال تعبيرية تتفاوت درجة حضور الصور
الحسية والتخييلية فيها من تمثيل وتشبيه وحكي واستعارة.. تفعل في خطابه وتساهم في
بنائه. ونظرا لتعدد هذه الأساليب التخييلية سنقتصر هنا على نموذجين، اختار الأول
التعبير من خلال الأسطورة رغم أنها شكل تعبيري يتعارض مع التفكير الفلسفي، كما
استخدم الثاني أسلوب الاستعارة الذي يصنف عادة كأسلوب أدبي أو شعري أكثر منه أسلوبا
فلسفيا.

أسلوب التمثيل أو التخييل بالأسطورة:

إن العلاقة بين الخطاب الفلسفي (اللوغوس) والحكاية الأسطورية،
تميزت بكثير من التعقيد. فهذا أفلاطون يعارض بينهما بكيفية صريحة في محاورة
الفيليبوس حين يعتبر اللوغوس استدلالا يتعرض للتقويض عندما يتناقض، فينتهي أمره
بذلك أن يصبح أسطورة، أو حينما يلاحظ على لسان سقراط في محاورة فيدون أن الحكاية
الأسطورية ليست من اختصاصه، ويعني بذلك أنها ليست من اختصاص الفيلسوف بل من عمل
أولئك الذين نعتهم أفلاطون بالكذب أي الشعراء. لكن الأسطورة ستجد مكانا لها داخل
الفلسفة حين اعتبرها أفلاطون نفسه وسيلة للتعبير تتوسط اللغة الفلسفية المجردة
واللغة الطبيعية الحسية، لأنها وحدها كفيلة بالتعبير عن عالم الصيرورة الذي لا يمكن
–في نظر أفلاطون- أن يكون موضوعا للعلم ما دام هذا الأخير لا يقوم إلا بما هو ثابت
وساكن، لذا سيلجأ إلى الحكاية عندما يستحيل تقديم حجج واستدلالات متماسكة كما هو
الشأن بالنسبة لنشأة العالم أو الآلهة.. وسيستخدم أفلاطون أقدم الأساطير عندما
يتناول قضايا النفس ومصيرها.. بل انتهى في الجمهورية بقوله "هكذا يا غلوكون تم
إنقاذ الأسطورة من النسيان ولم تضع".

هل يعد توظيف الأسطورة طريقة في التفلسف؟ يجيبنا هيجل بأنه
"يمكن القول إن استعمال الأساطير طريقة في التفلسف، وقد كان الأمر كذلك، وإذا أمعنا
النظر وجدنا بأن أساطير أفلاطون صادرة جزئيا عن عجزه عن عرض فكره للناس عرضا أوضح".
قد تكون عبارة هيجل هذه اعترافا صريحا بأن الأسطورة وسيلة تعبير يختارها الفيلسوف
حين يجد أن أفكاره تستعصي على إدراك المتلقي، لكنها اعتراف أيضا بأن اللجوء إلى
الأسطورة هو وسيلة يتدارك بواسطتها الفيلسوف ما قد يلحق نسقه من عجز يحول دون
البرهنة على أفكاره أو الاستدلال عليها بطريقة نظرية مجردة.

لقد اختار أفلاطون الأسطورة للتعبير في كثير من الأحيان عن
التيمة الأساسية التي هيمنت على كل أعماله الفلسفية والعلمية، وهي فكرة التناسب، إذ
شكلت الأساطير لديه أسلوبا لتمثيل التناسب بين المعرفة الحسية في العالم الحسي
والمعرفة العقلية في عالم المثل، لأن الأسطورة بفضل بنيتها التي تقوم على التقابلات
بين المرئي/اللامرئي، اليقين/المحتمل، الآلهة/البشر..، تسمح بالتعبير عن فكرة
التناسب بألفاظ حسية، لأن مشكلة أفلاطون تمثلت في كون الحسي يرى ولا يفهم والأفكار
تفهم ولا ترى. فالرياضي مثلا، حين يشتغل بالأشكال الهندسية، لا يشتغل على تلك التي
يرسمها، ولكن مع ذلك يظل الإحساس، رغم أنه أبعد عن العلم، ضروريا لتقريب الأشياء
المجردة، وإن كان لا يرقى إلى الدرجات العليا التي تبقى حكرا على الاستدلال العقلي.

لم تكن الأسطورة عند أفلاطون زخرفة للأسلوب أو اقتصادا في
الأفكار، وإنما كان دورها أبعد من ذلك، إذ كانت تفعل في الموضوع لا بتوضيحه أو
تبسيطه وإنما بإعادة بنائه. فتطور الأفكار خاضع لتطور الصور وصيرورتها.

[/size]
لقد مكنت الأسطورة أفلاطون من التعبير عن تصوره الفلسفي عن
الوجود القائم على التقابلات النور/الظلام، العلم/الظن.. وليست وحدها أسطورة الكهف
الشهيرة التي تقوم على هذا التصور بل إن التفكير في الوجود بواسطة التناظر والتناسب
والتقابل واضح في أغلب، إن لم نقل كل الأساطير التي تم توظيفها من قبل أفلاطون
والتي لا تكاد تخلو منها محاورة من محاوراته أو كتاب من كتبه.

[size=21]
إن التعبير إذن بواسطة الأسطورة هو أسلوب للتفلسف من بين أساليب
أخرى يعمد إليها الفيلسوف لأسباب بيداغوجية، يستثمر من خلالها ما هو معروف ومتداول
لدى المتلقي لخلق التواصل معه حين يقدم له الأفكار المجردة بواسطة السرد والحكي
والتخييل. كما أنه أسلوب يتم اللجوء إليه كوسيلة لبناء الأفكار الفلسفية وبلورتها،
هذا فضلا أن مادة تراثية يستثمرها الفيلسوف فيعيد صياغتها وبناءها كما هو الشأن عند
هيدجر الذي نجد لديه آثار أساطير قديمة.

لكن تاريخ الفلسفة عبر عن رفضه لهذا الأسلوب، فإذا استثنينا
كتاب حي بن يقضان فإننا لا نكاد نجد فلاسفة آخرين استخدموا الأسطورة في كتاباتهم أو
نصوصهم، ذلك لأن الفلسفة عبرت عن موقفها إزاء الأسطورة وصنفتها كشكل تعبيري ما
قبل-فلسفي حيث تقرر منذ أرسطو أن أولئك الذين يستخدمون الأسطورة في الفلسفة "ليسوا
أهلا لكي يهتم بهم". كما أن هيجل ورغم اعترافه بدور الأسطورة في التفلسف فقد جعلها
"زينة لا فائدة منها لأنها تعيق تطور العلم".

إن الأسطورة تخفي جوهر الفكر –هكذا حكم عليها هيجل. فاستخدامها
من طرف الفيلسوف غالبا ما يكون كثوب أو رداء تتخفى تحته الفكرة، لذلك فهي وسيلة لا
تطابق الفطر الذي من طبيعته الانكشاف والظهور، ومن لا يملك الفكرة لا يستطيع
تقديمها بوضوح، والاختفاء وراء الرموز دليل على عدم القوة والمتانة، والتعبير عن
الفكر لا يكون إلا بواسطة الفكر نفسه، أي بالمفاهيم.

هكذا سيتم إقصاء الأسطورة من حقل الفلسفة ومن مجال الأساليب
التي يمكن أن تشتغل بها، لحساب المفهوم المجرد، فلا وجود لفلسفة دون مفاهيم.
والنشاط الفلسفي نشاط مفاهيمي بالدرجة الأولى، وبواسطة المفاهيم ينتظم الخطاب
الفلسفي. لكن الصياغة المفهومية سواء تمت بواسطة مصطلحات قديمة أو بتوليد مفاهيم
جديدة لا تتم إلا من خلال الاشتغال في اللغة وبواسطتها وباستعمال أشكال تعبيرية
تتضمنها اللغة الطبيعية، فلا وجود للغة فلسفية خالصة ولا لفكر سابق على اللغة وإنما
هناك استخدام فلسفي للغة يتمثل في بناء المفاهيم انطلاقا من ألفاظ اللغة الطبيعية.
لذا فالفيلسوف يخضع "لإكراهات وإلزامات يفرضها استعمال اللغة الطبيعية داخل فعل
التواصل، وإن تحويله لهذه الإلزامات أو تحرره منها أو تحليله لها من وجهة نظر
فلسفية، لا يعفيه أبدا من الاعتماد عليها كلما أراد البرهنة أو الإقناع أو
التفسير".

إذا كانت الفلسفة قد أقصت الأسطورة كأسلوب للتعبير والتفلسف،
فإنها لم تقص أساليب تخييلية وحسية كالاستعارة لاندراجها في نظام اللغة نفسها.

الأسلوب الاستعاري:

كيف تحضر الاستعارة في نصوص الفلاسفة؟ تحت أي شكل؟ وإلى أي حد؟
هل تكون جوهرية أم عرضية؟ هذه أسئلة طرحها دريدا في (الميثولوجيا البيضاء) وأجاب
عنها بقوله: "إن الفلسفة هي ذاتها عملية بناء استعاري une metaphorisation". هذا
الموقف من الاستعارة في الفلسفة هو موقف من اللغة الفلسفية يعتبر المعنى الأول
والشكل الأصلي للألفاظ محسوسين وأن كلمات اللغة البشرية تمت صياغتها في البداية
بكيفية حسية وأن الألفاظ ليست استعارية في حد ذاتها، لكنها تصبح كذلك عندما
يستعملها الخطاب الفلسفي ويتداولها حتى يتم نسيان الأصل أو المعنى الأول والنقل
الأول، لأن العملية الاستعارية هي نقل خصائص مجال مرجعي حسي إلى مجال ونظام تجريدي.
وهو نقل يتم وفق أشكال التحويل وأنماط التناسب والتماثل.

تخفي التصورات التجريدية شكلا محسوسا. لهذا فإن "تاريخ اللغة
الميتافيزيقية يمتزج بعملية محو المحسوس، وإتلاف صورته، إنه إتلاف ناتج عن طول
الاستعمال l’usure"، هذا الموقف يدفعنا إلى التساؤل هل الاستعارة هي مجرد عناصر
طارئة على النص الفلسفي أم أنها العكس من ذلك هي ما يقوم عليه؟ كيف يمكن التعرف على
استعارية النص؟

يمكن إخضاع النص الفلسفي لفحص يحدد درجة الإمكان أو الضرورة في
حضور الاستعارة من خلال ما يسميه كوسيطا بتجربة المحو والاستبدال والترجمة:

1 – تجربة المحو: وتقوم على محاولة إلغاء المكونات الاستعارية
والآثار المتولدة عن المقاطع الاستعارية، فإذا لم تحدث هذه العملية خللا في النص
فإن الاستعارة لا تملك سوى درجة ضعيفة من اللزوم، ويمكن اعتبارها مجرد إطناب أو
تكرار (وهذا قلما ينطبق على النصوص الفلسفية). أما إذا كان إلغاء الاستعارات يؤدي
إلى تفكك في التفكير، فذلك يعني أنها مكون ضروري.

ب – تجربة الاستبدال: وتعني استبدال التيمة الاستعارية بتيمة
أخرى أو بمضمون آخر. وإذا استحال ذلك، فهذا دليل على أن المضمون أو الموضوع ضروري
للصورة الاستعارية وهو ما يمنحها بعدها النظري والفلسفي.

ج – تجربة الترجمة: وتتمثل في إعادة صياغة الصورة الاستعارية
بألفاظ مجردة (باستخدام المفهوم). فإذا تحقق ذلك فهذا يعني أن حضورها حضور اعتباطي
وأنها تحل محل المفهوم، أما إذا تبدى أن فعل الترجمة هذا مستحيل، فإن الاستعارة
تشكل الوسيلة الوحيدة والمناسبة للتعبير.

هذه الأنواع من "الإختبار" التي يمكن أن نخضع لها النص الفلسفي
قد تسمح بتقويم مدى أهمية الصور الاستعارية، كما يمكن تحليل وضعية الاستعارة من
خلال معياري الكم والكيف، حيث يتمثل الأول في تجميع المؤشرات التلفظية المتعلقة
بالاستعارة والربط بين تواترات النص وأشكال ظهور وانتشار التيمات الاستعارية
والفلسفية وعلاقتهما بالعمليات الفكرية التي تساهم في ظهورها. هذا المعيار لا يتحقق
إلا باستخراج العلاقات التي لها دلالة بين التيمات الفلسفية والاستعارية، وهذا يؤدي
إلى معيار الكيف المتعلق بتحليل نمط العمليات النصية المتصلة بالتيمات الاستعارية
والتيمات الفلسفية للتعرف على درجة حضور الاستعارة في النص ودورها في بنيته.
وسنتوقف هنا عند نموذج فلسفي لنتبين من خلال المعيارين السابقين دور الاستعارة في
الخطاب أو النص الفلسفي وكيف ترتبط التيمات الاستعارية بالتيمات الفلسفية وتتضافر
من خلال أسلوب الفيلسوف: أسلوبه في الكتابة وأسلوبه في التفكير.

نيتشه والتفلسف بأسلوب استعاري:

إن كل استخدام للاستعارة يتضمن موقفا فلسفيا منها ومن اللغة
بشكل عام. هذا ما يعلمنا نيتشه الفيلسوف الأكثر استخداما للاستعارات، والذي لم يكتف
بذلك بل قدم تصورا –فلسفيا- عن الاستعارة قطع فيه مع كل التصورات التقليدية التي
جعلت الاستعارة حكرا على اللغة الشعرية، وجعلت الاستعارة حكرا على اللغة الشعرية،
وجعلت للمفهوم أسبقية على الاستعارة ما دام التفكير ينبغي أن يتم بكيفية تجريدية،
ولا يتم اللجوء إلى الاستعارة إلا للتعبير عن هذا المفهوم وتسهيل عملية إدراكه. لكن
مع نيتشه لن يصبح هناك فرق بين المفهوم والاستعارة من حيث الطبيعة، وحتى إذا ما وجد
ثمة فرق فهو في الدرجة فقط، بل لقد ذهب نيتشه في موقفه –الذي قد يعده البعض موقفا
متطرفا- إلى اعتبار الأصل هو الاستعارة.

لقد جعلت الفلسفات السابقة على نيتشه استعمال الفيلسوف
للاستعارة استعمالا تلقائيا أو لأغراض بيداغوجية. في حين سيدشن نيتشه نمطا جديدا
للكتابة والأسلوب الفلسفيين تستخدم فيهما الاستعارة بكل حرية لدرجة تطابقها مع
الكتابة الشعرية، حتى ليصبح التعارض بين الشعر والفلسفة تعارضا وهميا أقامته –في
نظر نيتشه- الميتافيزيقا للفصل بين العقل والغريزة.

إن التعبير بواسطة الاستعارات يعني عند نيتشه البحث عن "الأسلوب
الأكثر بساطة والأكثر ملاءمة" للغة الفلسفة. فليست الاستعارة عنده محسنا بديعيا أو
بلاغيا وإنما أسلوب ملازم لقصد لغوي وفلسفي، تقوم بدور استراتيجي في عمل الفيلسوف.

هذا التصور الذي يقدمه نيتشه عن الاستعارة تعكسه وبشكل واضح
كتاباته التي كثر فيها من الاستعارات لمواجهة –كما يقول- العداء الذي يعامل به الفن
ولإلغاء التعارض بين اللعب والجد، بين الحلم والواقع، لأن الاستعارة ليست لعبة بل
"شيء جدي يعمل حسابه" ولأن "العرض الرياضي لا ينتمي إلى جوهر الفلسفة" وإنما يلعب
فيها الخيال دورا أساسيا، "فالفيلسوف يعرف وهو يبتكر، ويبتكر وهو يعرف".

ينكشف دور الاستعارة عند نيتشه في إحيائه لاستعارات ميتة، أي
تلك التي استعملت بكثرة لدرجة لم تعد تعتبر استعارة، وابتكار استعارات أخرى ووضع
صور استعارية جديدة كل الجدة إلى جانب الصور المنمطة، حيث نجده ينتقل من هندسة خلية
النحلة إلى هندسة بيت العنكبوت مرورا بالبرج والهرم ومرمدة الموتى، وهي استعارات
تتعلق كلها بالبناء، ولهذا دلالته في تصوره لبناء المفهوم.

خلية النحل هي البناء الأول الذي يصور به نيتشه المعمار
المفاهيمي للعلم: "كنزنا يوجد حيث طنين معرفتنا، ونحو هذه الخلايا نمضي قدما دون
توقف. كحشرات مجنحة حقيقية نجني عسل الفكر، ليس لنا من هدف سوى أن نحمل بعض الجني".
هذه استعارة تقليدية لوصف العمل الدؤوب لجأ إليها كثير من الفلاسفة للتمييز بين
العمل الغريزي في إتقانه والعمل الإنساني العقلي، إلا أن نيتشه يهدف منها إبراز
التعارض بين الفكر والغريزة، بين العقل والطبيعة. كما يمثل بها للنسقية والانتظام
المفاهيمي الذي تتصف به المعرفة البشرية التي بلغت أوجها في العلم. وإذا كانت
النحلة تبني خلايا العسل فارغة ثم تملؤها بما تجنيه من الخارج، فكذلك العالم يبني
معمارا صوريا فارغا ثم يدخل فيه العالم والواقع: "بفضل عبقريته يسمو الإنسان بعيدا
وأسمى من النحلة، فهذه الأخيرة تشيد بناءها من الشمع الذي تجنيه من الطبيعة في حين
يعتمد الإنسان على أكثر المواد هشاشة أي مادة المفاهيم والتي لا يستطيع أن يصنعها
إلا انطلاقا من ذاته".

هذه المماثلة بين البناء المفاهيمي وبناء حشرة حاول نيتشه من
خلالها الكشف عن الطابع الوهمي في العلم حين يدعي أن العالم الواقعي قُدَّ على مقاس
المفاهيم التي وضعها، فالعلم في نظر نيتشه لا يمكنه تفسير العالم وإنما وصفه فقط
بواسطة خطاطات استعارية لأنه هو الآخر يستعمل اللغة ويشتغل بنفس النشاط الاستعاري
الذي تشتغل به، فهو يصنع المفاهيم ويكثر عددها انطلاقا من العلامات اللغوية: العلم
إذن مثل النحلة التي تصنع العسل مما تجنيه، يدفع الإنسان إلى البحث عن الحقيقة خارج
ذاته.

تتنوع الاستعارات عند نيتشه وينتقل من استعارة الخلية إلى
استعارة البرج والقلعة، فبرج العلم يشبه برج بابل إذ تشترك لغته مع اللغة العادية
من حيث الأصل، لكنه –أي العلم- ابتعد عن اللغة الأصلية وابتدع لغة مصطنعة، فصنع
علامات وأعدادا مجردة وبنى ألغازا تجسد صراعات البشر أكثر مما تعكس جوهر الأشياء:
"مجال العلوم وأبراج بابل المرتفعة تتكاثر بشكل عجيب".

إن البناء المعماري للمفاهيم يعمل على تجميد الحقيقة، وللتعبير
عن ذلك يستخدم نيتشه استعارة الهرم التي تبرز الطابع التراتبي للمفهوم. فالمفهوم في
نظره، شيد في عالم هرمي تراتبي يقدم نفسه كنظام حقيقي يعارض بين عالم العقل وعالم
الغريزة. فالإنسان ككائن عاقل "يضع نشاطه تحت هيمنة التجريدات، يعمم انطباعاته في
مفاهيم جامدة لا لون لها حتى يربط مسار حياته بعمله، لأنه يملك قدرة تحويل
الاستعارات والحدوس إلى أطر فارغة ويذيب الصورة في المفهوم، بتشييد هرم يتكون من
طبقات ودرجات. ويخلق عالما جديدا من القوانين، عالم يتعارض منذ البداية مع عالم
الانفعالات الأولى".


لكن الهرم، وإن كان قبرا لازال يحتفظ بآثار للحياة. لذلك وكي
يعبر عن صورة الموت والجمود المتضمن في المفهوم يعمد نيتشه إلى استعارة أخرى وهي
استعارة مرمدة الموتى columbarium (مرمدة لحرق الموتى عند الرومان) لأن المرمدة لا
يبقى فيها في النهاية سوى الرماد، وهذا يعني أن العلم "يعمل دون توقف في هذه
المرمدة الكبيرة من المفاهيم وفي قبر الحدوس، حيث يبني دائما أشياء جديدة وطبقات
أكثر علوا، إنه يشكل وينظف الخلايا القديمة ويجتهد في ملء هذا البناء المرتفع
والشاهق إلى حد الهلع. ثم يرتب العالم الحسي داخله، هذا لأن الإنسان عندما يربط
حياته بالمفاهيم وبالعقل -فقط- فلكي لا يضيع لذا: "فرجل العلم يشيد كوخه قرب برج
العلم كي يجد لنفسه الحماية داخل هذا المعقل".

تدل كل هذه الاستعارات على البناء وتدل أيضا على الفقر (الكوخ)
والعزلة (البرج) والموت (المرمدة) وتبلغ الصورة الاستعارية أقصاها عندما يستحضر
نيتشه صورة بيت العنكبوت الذي يماثل نسيجه هندسة المفاهيم من حيث إنه "بناء خفيف
يتقاذفه الموج بسهولة وصلب حيث لا تبعثره الريح". استعارة بيت العنكبوت تلقى الضوء
على تصوره لكيفية إنتاج المفاهيم التي يصنعها الإنسان من ذاته مثله في ذلك مثل
العنكبوت التي تبني بيتها من إفرازاتها الخاصة، بل إن كل الاستعارات السابقة تتجمع
في هذه الاستعارة التي ستصبح بدورها مصدرا لصور أخرى كالنسيج والقناع.. والتي تمثل
الجفاف والموت. فالعنكبوت يمتص دم فريسته تماما مثل المفهوم الذي يشوه الحياة
ويحنطها لأنه ليس سوى نسخة شاحبة عنها. فالمفهوم الثابت كراهية للتغير والصيرورة
وللحياة ككل.

هناك إذن تدرج في الاستعارات التي استخدمها نيتشه وإن كانت
تشترك كلها في دلالتها على الهندسة والبناء للتمثيل على معمار المفاهيم، إلا أنها
تختلف من حيث قوتها الحجاجية، فكل صورة عنده ترد في درجة أعلى من صورة سابقة وأقوى
حجة منها: فبيت العنكبوت، وهي الصورة التي يصل إليها في الأخير في كتاب الفيلسوف،
هي أقوى الصور الحجاجية وتدل على الموت والجفاف أكثر من البرج والهرم والمرمدة.
وهذا أقصى نقد يوجهه للمفهوم باعتباره هيكلا فارغا مثل الهيكل الذي تتركه العنكبوت
بعد امتصاص دم الفريسة.


لقد ارتبط الأسلوب الاستعاري عند نيتشه بتصوره للحقيقة التي لا
يمكن تثبيتها لتجميدها في مفهوم واحد: "فتعدد التصورات والمنظورات عن الحقيقة لا
يمكن أن يخلق سوى استعارات كثيرة لا تطابق الكيانات الأصلية". بل إن الحقيقة ليست
سوى "مجموعة من الاستعارات والمجازات والتشبيهات، وباختصار إنها حاصل علاقات
إنسانية تم إعلاؤها وتجميلها شعريا وبلاغيا حتى أصبحت بعد طول استعمال تبدو محكمة
ذات سلطة تشريعية، مع أنها عبارة عن أوهام واستعارات استخدمت بكثرة حتى فقدت
حقيقتها".


يبدو إذن أن الاستعارة هي أسلوب يختاره الفيلسوف لبلورة وبناء
أطروحته وتصوره الفلسفيين. وقد اتضح مع نيتشه أن استخدام الاستعارة لا ينفصل عن
أسلوبه في التفكير لأن الصور الاستعارية هي التي تمده بالأفكار وتتداخل مع التيمات
الفلسفية وتمنح الخطاب الفلسفي بعده النقدي والفلسفي.

لم يقتصر الخطاب الفلسفي على الأسلوب الأسطوري والاستعاري
كأساليب تخييلية. بل استعمل أساليب أخرى كالأمثلة والحالة الخاصة.. غير أن حضور مثل
هذه الأساليب الحسية-التخييلية في الخطاب الفلسفي لم يكن من قبيل الإطناب أو زخرفة
الأسلوب وإنما شكل مستوى من مستويات التفكير في المعقول بواسطة الصور، ولا تقوم هذه
الأساليب بوظيفة التوضيح أو التفسير فقط وإنما تساهم في تأسيس وبناء التصور الفلسفي
كما تلعب دورا أساسيا في الحجاج.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mathematiquecher.forumactif.com
 
أساليب التخيل في الفلسفة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفلسفة - تعريف الفلسفة - تاريخ الفلسفة
» تحليل نص إريك فايل مستقبل الفلسفة - المحور الرابع : الفلسفة و القيم
» اطروحات الفلسفة جد مفيدة ( سريعة الحفض ) لمن يواجه صعوبة حفض الفلسفة
» المجزوءة الأولى:الفلسفة المحور الأول: تاريخ الفلسفة.
» ملخصات الفلسفة و مفاهيم فلسفية و منهجية الفلسفة = النجاح %100

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشرقاوي وافق ::  المواد الادبية :: الفلسفة-
انتقل الى: