الشرقاوي وافق
جامعة القرويين 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا جامعة القرويين 829894
ادارة المنتدي جامعة القرويين 103798
الشرقاوي وافق
جامعة القرويين 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا جامعة القرويين 829894
ادارة المنتدي جامعة القرويين 103798
الشرقاوي وافق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 جامعة القرويين

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر عدد المساهمات : 34923
نقاط : 159319
السٌّمعَة : 1074
تاريخ التسجيل : 14/05/2009
الموقع : http://www.autoformer.net/

جامعة القرويين Empty
مُساهمةموضوع: جامعة القرويين   جامعة القرويين Dc3srhibiyuaw8ppyxj6الجمعة فبراير 12 2010, 01:16

جامعة القرويين

إن استعمال كلمة جامعة للمؤسسة الدراسية الكبرى، هو إطلاق معاصر لم يعهد في القديم إذ كانت هذه المؤسسات تسمى "المسجد الجامع" أي الذي يجمع أهل المدينة أو "مسجد الجامع".

وهكذا أطلق اسم المسجد الكبير الذي يجمع المؤمنين والمعلمين على أكبر مؤسسة علمية، فقالوا جامع بغداد، وجامع دمشق وجامع الأزهر وجامع الزيتونة وجامع القرويين، أما المسجد فهو مكان الصلاة في الغالب، وقد تلقى فيه بعض الدروس الأولية أو الخاصة، كما قد يلقي فيه الأستاذ محاضراته إذا كان بجوار منزله.

والمسجد الجامع، تقام به صلاة الجمعة، وقد كان محفلاً لإعلان البيعة ولإخبار المؤمنين بأمر من الأمور لتشاع في الرأي العام، ولِيُبَلِّغ الشاهد الغائب.

وقد أُثير جدل أدبي في الثلاثينيات بين بعض المستشرقين المدرسين بمعهد الدراسة العليا بالرباط وبعض علماء الشباب حول كلمة كلية القرويين أو جامعة القرويين، وهو النعت الذي أصبح يطلق على القرويين. وكانت حجة المستشرقين أن القرويين لم تصبح مركزاً دراسياً مستقطباً للدراسات إلا في عهد بني مرين، وهو رأي لا تؤيده وظيفة الجامع في الإسلام، حيث كان مكاناً للصلاة وللتعليم معاً.

وقد خصّ المغاربة الجامع ببناءات إضافية بجانبه، كالمدرسة لإيواء الطلبة، والمرصد الفلكي، وخزانة الكتب والمسيد لتعليم الأطفال، ومقصورة القاضي.

ويطلق اليوم على جامع القرويين (جامعة القرويين) نظراً لوجود كليات تابعة لها على غرار الجامعات العصرية.

فجامعة القرويين تضم كلية أصول الدين بتطوان، وكلية اللغة العربية بمراكش، وكلية الشريعة بفاس وأگادير، وبذلك هيمنت على كلية ابن يوسف العتيقة بمراكش، وليتها ظلت كلية للفلسفة الإسلامية في بلد ابن طفيل وابن رشد وأبناء زهر.

ما قبل القرويين

الدراسة العلمية في المغرب قبل القرويين

كانت سجلماسة حاضرة علم قبل فاس بكثير، وفي الجزء الأول من كتاب الدرر البهية والجواهر النبوية ص 63 لأبي العلاء العلوي عن القاضي عياض في مداركه > أن أعلام سجلماسة من أخذ عن الإمام مالك بالمدينة ورجع إليها ودرس العلوم بها وبقيت مأوى الصالحين والعلماء والأمراء < ويقول بعد هذا النقل أن سجلماسة قاعدة بلاد المغرب قبل فاس، ودار الملك منذ عمرت قبل حلول الأدارسة الحسنيين بهذا القطر المغربي بقريب من أربعين سنة، وذلك عام أربعين ومائة (140) ولم يتقدم لأهلها كفر، ولم تزل من ذلك الوقت آهلة بالعلماء والصلحاء، وهي أول بلاد درس العلم بها في المغرب.

ونستطيع أن نتعرف من خلال تراجم العلماء المشهورين في هذا العصر على الثقافة الإسلامية ومكانتها، فمنهم أبو جيدة اليزغيني إمام المذهب ومؤلف وثائق الشافعية، المتوفى سنة 360، وجاء في جذوة الاقتباس (ص 121) وفي نيل الابتهاج وفي الغرباء أن أبا ميمونة دَرَّاس (نسبة لكثرة الدرس) من علماء مدينة فاس، أخذ عن أبي بكر اللباد، ورحل إلى المشرق وحج ولقى على بن أبي مطر بالإسكندرية ورجع إلى مسقط رأسه فاساً حيث توفي سنة سبعة وخمسين وثلاثمائة (357) وقد شد إليه الرحلة أبو زيد صاحب الرسالة الملقب بمالك الصغير وأخذ عنه، ودراس هو الذي أدخل فقه مالك إلى المغرب الذي كان الغالب على أهله مذهب الأوزاعي، وأعتقد أن دراس إنما دعم المذهب المالكي في المغرب، وإلا فقد نشره قبله من أعلام الفقه المغربي يحيى الليثي وسحنون في إفريقيا وزيادة بن عبد الرحمن في الأندلس.

وفي سلوة الأنفاس، (الجزء الثاني ص 176) في ترجمة دراس بن إسماعيل الفاسي من أهل مدينة فاس وممن أدخل مذهب مالك، رضي اللَّه عنه، بلاد المغرب وكان الغالب عليها في القديم مذهب الكوفيين، وسمي دراساً لكثرة دراسته للعلم وهو ممن تقدم عصره وشهر فضله، سمع من شيوخ بلده فاساً ورحل إلى المشرق فحج وجال في الأندلس وإفريقية ولقى جماعة من العلماء... روى الحديث وقرأ الفقه وسمع بإفريقيا عن أبي زيد وأبي الحسن القابسي وغيرهما، ودخل أيضاً الأندلس مجاهداً وطالباً وتردد بها في الثغر فسمع منه أبو الفرج عبدوس بن خلف بن أبي جعفر، وغير واحد. وقال عياض في (المدارك) أراه دخل بلدنا فقد حدث عنه أقوام من كبارهم وكان رحمه اللَّه على مذهب مالك وأصحابه. ولما وصل إلى القيروان شهد له حفاظ المغرب وأهل الفضل والدين بالإمامة، واطَّلَع الناس من حفظه على أمر عظيم حتى كان يقال : ليس في وقته أحفظ منه، وكان نزوله بها عند تفوقه على ابن أبي زيد وظهور علماء القيروان وشفوفه على كثير منهم. وقد قال أبو بكر المالكي : كان أبو ميمونة من الحفاظ المعدودين والأئمة المبرزين من أهل الفضل والدين. كما ترجم ابن الفرضي السجلماسي وترجم القاضـي عيــاض فــي المــدارك لأحمـد بـن خلـف المسيلـي المتوفـى بقرطبة سنة 393، وترجم في الديباج المذهب ص (92) لإبراهيم بن عثمان أبي القاسم الوزاني المتوفى سنة 346... ويذكر ابن الفرضي (150) ترجمة لأحمد بن الفتح الميلي المعروف بابن الحراز وإبراهيم بن عثمان أبو القاسم الوزان م 362. كما أن من علماء المغرب في هذه الحقبة أبو عمران الفاسي المتوفى سنة 430 هجرية، ومن أعلامها أيضاً عبد اللَّه بن محمد بن إبراهيم الأصيلي المنسوب إلى (أصيلا) وهو أحد أفراد أسرة علمية مشهورة، مالكي المذهب، له كتاب في اختلاف الأئمة (أي مالك والشافعي وأبي حنيفة) سماه "الدلائل على أمهات المسائل" توفي سنة 392 كما ذكر ابن الفرضي في تاريخ علماء الأندلس (ج الأول ص 208)، وفي الغرباء ونقلها ياقوت الحموي في معجم البلدان (ص 278) الجزء الأول.

كما أدخل المذهب المالكي إلى المغرب أبو عبد اللَّه محمد بن محمود الهواري قاضي فاس، المعلق على المدونة، المتوفى سنة 401 هـ.

الشخصية العلمية في القرويين

ولقد كانت الشخصية العلمية المغربية بارزة في القرويين في العصر الإدريسي، كما كان العلماء الذين يدرسون بالمغرب يرحلون إلى المشرق ليعطوا وليأخذوا، كما كان المذهب الفقهي وهو المذهب الاجتماعي في البلاد، وقد تبلور فيما كتبه أعلامه الذين احتفظوا بالأعراف والعوائد المكونة لشخصية البلاد فـي كتـب النوازل والأحكـام، وفـي كتـاب القاضـي عيـاض "أزهار الرياض" ما يدل على أن مدرسة فاس الفقهية كان لها أسلوب خاص في تحليل المدونة على طريقة خاصة تعتمد على المناقشات اللفظية وضبط الروايات وتصحيحها. وشاهد العصر الإدريسي ازدهاراً أدبياً كبيراً، وكان إدريس الثاني من شعراء عصره، ويذكر ابن الأبار آثاراً أدبية للقاسم بن إدريس، كما يذكر البكري قصائد لشعراء برابرة طوعوا اللغة العربية لتعابيرهم الشعرية. وفي كتاب "المسالك والممالك" قصائد للنكوري وسعيد بن هشام المصمودي وبكر بن حماد وغيرهم.

والواقع أن المذهب المالكي انتشر في المغرب كله، وفي حوض البحر المتوسط ووسط إفريقيا، نظراً لأن الفقهاء من الحجاج حملوه إلى المغرب عن طريق زيارتهم للحجاز، وكان الإمام يحيى الليثي من تلامذة الإمام مالك. وساعدت دواعي السياسة على انتشار مذهب مالك، وأهمها موقف الإمام مالك من بيعة العلويين، ومنها تردد المغاربة على مكة والمدينة معقل المذهب المالكي، وأيضاً لمرونة المذهب الأصولية المقرة للمصالح المرسلة، ولصلابته في الأحوال الشخصية... وقد ركز الأدارسة هذا المذهب وعززوه في المغرب بتوليتهم لتلميذ مالك وسفيان الثوري، محمد بن سعيد القيسي المالكي، كما ركزه في الأندلس يحيى الليثي حين ولي القضاء بها.

واستمر عصر الأدارسة نحو قرنين تقريباً، ولم تستقر البلاد أثناءه لعدم تمركز الحكومة مع اتساع رقعتها، مما أحدث تضعضعاً اقتصادياً... وكانت حدود الدولة تمتد حيناً إلى بلاد السنغال، وتتقلص أحياناً في قلعة حجر النسر ونواحي البصرة وطنجة... علاوة على الفتن المتوالية التي يوقدها أعداء الدولة من البرغواطيين والعبيديين والخوارج والأمويين والأندلسيين. ولهذا عانت دولة المولى إدريس الثاني أزمات مالية، ومع ذلك لم ترهق السكان بنفقات غير شرعية، واكتفت بالنصيب الشرعي، وعمل اليهود على إضعاف الخزينة بأساليبهم لأنهم كانوا يؤيدون الخلافة في بغداد ويعملون على تشويه سمعة الأدارسة... وقد طبع المولى إدريس عملة شرعية ضربت في مدينة فاس، تحتفظ باريس بقطعة منها في قسم المسكوكات بمعهد الآثار.

فاس مدينة القرويين

يذكر بعض المؤرخين العرب أن فاساً أصلها ساف مقلوبة، ويستأنس له بمجاورتها للأنهار، كما يستأنس له بوجود مدينة أخرى تسمى أسفي، فاللفظة من حيث مادة حروفها متقاربة ودالة على أصلها البربري القديم. ويرى بعض اللغويين أن اللغة البربرية تغير في الجمع شكل الكلمة، وتزيد النون في الآخر في جمع المذكر وجمع التكبير معاً، ويمثلون بذلك فأفوس الذي يجمع أفاسن، كما أن بعض المؤرخين العرب يرون أن للكلمة أصلاً إسلامياً ويروون في ذلك حديثاً لا مصدر لصحته.

وأصبحت فاس كما وصفها المراكشي > حاضرة المغرب وموقع العلم منه، اجتمع فيها علم القيروان وعلم قرطبة... وحل من هذه وهذه من فيهما من العلماء من كل طبقة فراراً من الفتنة، فنزل أكثرهم بفاس فهي اليوم على غاية الحضارة وأهلها في غاية الكيس والظرف ولغتهم أفصح اللغات في ذلك الإقليم. ومازلت أسمع المشائخ يدعونها بغداد المغرب... وعرفت فاس في عصورها الأولى مئات المساجد والمدارس والسقايات العمومية والحمامات ودور الوضوء... كما في زهرة الآس (ص 33).

وذكر گوستاف لوبون أن مدينة فاس كانت تزاحم بغداد في القرن العاشر الميلادي، فكان بها نصف مليون نسمة و 800 مسجد وخزانة حافلة بالمخطوطات اليونانية واللاتينية. ويذكر "هولوجي روسو" أنه اشترى من فاس مخطوطة نادرة من عشاريات (تتليف) حول التاريخ الروماني. وقد ذكر "دلفان" (ص 81) أن هذه الخزانة كانت تحتوي على 30.000 مجلد، وذكر "گودار" (المغرب 2 ص 376) أن يعقوب المريني استرجع من المسيحيين عدداً من المصنفات العربية وأهداها إلى القرويين، وذكر "ميلي" (الموحدين، ص 101) أن يعقوب الموحدي كانت له خزانة تضاهي مكتبة الخليفة الأموي الحكم الثاني، وفي عهد المولى زيدان السعدي اختلس قنصل فرنسي أربعة آلاف مخطوط عربي وباعها لإسبانيا، فكانت من نواة الإسكوريال.

ووصف "غابريال شارم" مدينة فاس بأنها أول مدينة مقدسة بعد مكة وأنها كانت مركز القوة العربية في عنفوان ازدهارها، والعاصمة الفكرية والروحية للمغرب الإسلامي، بفضل معاهدها الخالدة ومساجدها الماجدة، وذكر "مارسي" أن إفريقية نفسها، وهي الوطن العتيق لعلماء الإسلام، أصبحت تتتلمذ لبرابرة المغرب، وشبه علي باي العباسي هذه المدينة بأثينا لوفرة علمائها، ومعاهدها.

بناء القرويين

شرع في بناء القرويين (فاتح رمضان 245 هـ/ 30 نونبر 859 م) وعثر أخيراً على لوحة نحت عليها داود بن إدريس كمؤسس للقرويين، بينما تذكر المصادر التاريخية أن فاطمة الفهرية أو فاطمة الهوارية هي التي أسستها. وتألف المسجد أول الأمر من أربعة بلاطات ابتداء من القبلة، ولكل بلاط 12 قوسـاً مـن الشـرق إلـى الغـرب، ثـم فـي عهـد الأمير أحمد بن أبي بكر الزناتي، وبإعانة مالية من الخليفة الأموي عبد الرحمن الثالث، زيد في بناء القرويين فبلغت ثلاثة عشر اسكوباً وثمانية عشر بلاطاً، ونقلت الخطبة إليها. وفي عهد يوسف المرابطي أضاف القاضي عبد الحق بن معيشة زيادات أخرى فأصبحت القرويين تتألف من 16 اسكوباً و11 بلاطاً. ومنذ بنائها وهي مركز دراسي، يشرف على التعليم فيها قاضي العاصمة كما يشرف المفتي على القضايا الإحسانية والشرعية، وبنيت بجانب القرويين مدارس لإيواء الطلبة، من أقدمها في عهد المرابطين مدرسة الحلفاويين ومدرسة الصهريج، ثم مدرسة العطارين ومدرسة الوادي ومدرسة الخصة والمدرسة البوعنانية (المرينية)، كما بنيت بها خزائن علمية. وقد شابهت القرويين في بنائها مسجد قرطبة، لذلك كانت القبلة على السمت، ثم ظهر بعد تقدم علم الفلك ضبط السمت، ميل القبلة، فرسمت القبلة الصغيرة تشير إلى الانحراف، ووسع الزناتيون للقرويين فزادوا بها، ونقلوا الخطبة إليها وهدموا الصومعة الأولى وبنوا مكانها أخرى، ذات مائة درجة، وغشوا بابها الكبير بصفائح النحاس الأصفر سنة 345 هـ وجعلوا في أعلى الباب قبة صغيرة وضع في ذروتها تفافيح مموهة بالذهب في زج من حديد أثبت فيه سيف المولى إدريس، وتحت هذه قبة أخرى أكبر منها للمؤذنين. وفي المنارة بيت للمؤقت ورخامة شمسية وساعات رملية، وفي سنة 388 هـ صنع المظفر بن المنصور منبراً للقرويين من عود الأبنوس والعناب.

وعلـى غـــرار جامــع القرويــين بنــي جامـــع الأندلسيــين، وكـان فيـه 6 بلاطات وصحن صغيرة، وزاد فيه عامل الناصر الأموي الصومعة سنة 354 هـ ثم زيدت فيه إضافات أخرى... وما يزال البناء القديم في القرويين يحتفظ بالطابع القيرواني، وما تزال الصومعة القروية التي بنيت في عهد الزناتيين سنة 340 هـ تحتفظ بالشكل القيرواني أيضاً.

وقد استمد الأدارسة التصميمات الهندسية من الفن الأندلسي الذي يرجع للتأثير البيزنطي والقيرواني المتأثر بالقرطاجي، فكانت المدن تحاط بأسوار، وكانت المواد الأساسية في البناء هي الآجر والجبص والطوب والمرمر. ويوجد بتونس سور جراوى بالطوب يرجع لسنة 257 هـ كما أن رقادة المبنية سنة 294 هـ بنيت كذلك بالطوب. أما جامع القيروان فزين بالجبص والمرمر والآجر سنة 252 هـ.

وبعد قيام الفتنة بين أعقاب الأدارسة وبين الأندلسيين والفاطميين ازداد عدد الأبراج والأسوار المحيطة بالمدينة.

تطور الفن في بناء القرويين

كشف حديثاً عن الفن الأندلسي الذي كان يزين القرويين من جص مقربص ونقش بورقة الذهب، واللازورد، والأصبغة المتعددة من أزرق وأحمر، ومغرة صفراء من مح البيض الذهبي، وأشكال الزجاج المبلط بدهان كامد للتخفيف من حدة انعكاسات الإشعاع، كما كانت أشكال الزجاج في الشماسات التي بجوانب القبلة، ويذكر ابن أبي زرع ( ص 88 ج 1) أن الفقهاء والأشياخ خشوا أن ينتقد الموحدون هذا الفن فيحطموه، فنصب الحمامون على النقش والتذهيب الذي فوق المحراب وحوله بالكاغد، ثم لبسول عليه بالجص وطلى بالبياض.

وجهز المسجد (بمستودعات) لأموال الجامع وأمانات الناس، وحصنت بخشب الأرز، وصفحت بصفائح حديدية وبجانب القرويين دار للوضوء، بها خمسة عشر بيتاً مع طاق في سقف كل بيت للإنارة، وأنبوب نحاسي لصب الماء في نقير محفور من حجر، وأصغر منها دار الوضوء للنساء.

وفي الوسط صحن القرويين عامل سجلماسي بيلة حمراء ذات ثقوب نحاسية مموهة بالذهب.

وأقيمت العنزة سنة 688 هـ وهي محراب خشبي في الصحن تجلت فيها آيات الفن من دقة الخرط والنقش، كما صنعت السقاية المنمقة بالجص والحجر المنجور وأنواع الصبغة، وبجانب المحراب مقصورة بابها من خشب الأرز.

وبمسجد القرويين 300 سارية، عشرة منها من المرمر وهي متقاطعة متوازية في أساكيب، ووسطها الثريا التي كانت ناقوساً كبيراً غنمه المسلمون في إحدى غزواتهم، ونصبت بدقة بحيث ينظر منها جميع أبواب الجامع، وبه 21 بلاطاً و130 ثريا مختلفة الألوان والصناعات والمصادر.

وهكذا زخرت القرويين بروائع الفن المزدوج الأندلسي والمغربي الذي بلغ ذروته في القرن الخامس الهجري، فيه رقة ورشاقة الفن الأندلسي وهيبة ورزانة الحرف المغربية.

المدارس التابعة للقرويين

عندما ازدهرت الدراسة المركزية بفاس ومراكش ومكناس، بنيت عدة مدارس ملحقة بالمساجد لإيواء الطلبة، تحتوى على مرافق للسكنى والدراسة والمطالعة والصلاة مع تشجيع الدارسين على طلب العلم بالعطايا، وبذل المرتبات في كل شهر للعلماء.

ولم يكن ابن مرزوق مصيباً حين زعم أن أبا يوسف يعقوب المريني أول من أسس مدرسة الحلفاويين سنة 670، إذ الواقع أن بناء المدارس كان معروفاً قبل ذلك الوقت بكثير. ويظهر أنه اعتمد على ما ذكره بعض المؤرخين من أن المفضل العذري صاحب الشرطة والحبسة هو أول من سن بناء المدارس، وعلى يديه بنى يعقوب المريني المدرسة المذكورة. وذكر مؤلف القرطاس أن أول مدرسة عرفت بفاس هي مدرسة المرابطين، بناها واجاج بن زلو اللمطي.

وقد أدى هذا التشجيع للحركة العلمية أن توفرت البلاد على عدد كبير من المدارس، وتقدمت حركة التأليف والتدريس تقدماً مدهشاً رفع المغاربة إلى مصاف قادة الفكر في العالم الإسلامي، وبرز ذكاؤهم وتفننهم في سائر الفنون والمعارف من فلسفة وطب وعلوم لسانية ودينية.

وكان يوسف بن تاشفين المرابطي أسس بفاس مدرسة "الصابرين" التي سميت فيما بعد بمدرسة بومدين، وكان تأسيسها في أوائل القرن الخامس الذي شاهد انتصارات يوسف بن تاشفين المرابطي في الأندلس.

ومن أبرز مدارس المغرب في عهد المرابطين، كلية القرويين بفاس، ومدارس سبتة، ويذكر ابن الأبار عدة مدارس أخرى كانت بطنجة وأغمات وسجلماسة وتلمسان ومراكش. كانت هذه المدارس تأوي علم القيروان وثقافة الأندلس المشهورة، حيث نبغ فيها أعلام كبار، وتمتنت الصلات العلمية بين القرويين والأندلس فاستفادت الأندلس منها كثيراً إذ آوت قرطبة عدداً من الكتاب والأدباء، ترجم لمعظمهم الفتح ابن خاقان في كتابه : "قلائد العقيان"، وكان جلهم يحذقون لغات النصارى المجاورين لهم، ويترجمون عنهم، فتم النقل والترجمة من الحضارة المسيحية واللاتينية إلى اللغة العربية.

كما اشتهر في ميدان الشعر العربي فحول القريض، كإبراهيم بن خفاجة الذي تغنى بأمجاد المرابطين في قصائده، وظهر في ميدان الشعر العامي، المعبر عنه بالزجل، ابن قزمان المشهور بأغانيه الزجلية، كما ذاع في فن التواشيح اسم الشاعر الأعمى التطيلي، وأبو بكر بن الأبيض.

وتألق في عالم الفلسفة نجم مالك بن وهيب وزير علي بن يوسف، ونجم الفيلسوف أبي بكر بن باجة (ابن الصائغ) الذي مزج مذهب الشك اليوناني بالفلسفة الإسلامية، والفيلسوف ابن طفيل وفلاسفة مدرسته كالبطرورحي.

أما الطب، فقد اشتهر من بين رجاله أسرة أبناء زهر، والزهراوي عبد الملك...

وإذا كان جل هؤلاء الأعلام ممن درس بالأندلس ووفدوا على المغرب، فإن عبقريتهم عبقت في ربوعه، وتفتحت الهاماتهم تحت سمائه. بل أن كثيراً من علماء المغرب وأدبائه استوطن الأندلس في عصر المرابطين والموحدين من بعد، كزاوي بن مناد بن عطية الصنهاجي، وخلوف بن خلف اللَّه الصنهاجي قاضي غرناطة، وموسى بن حماد، وعبد الملك اللمتوني وغيرهم كثير من أعلام هذا العصر. ومنهم أبو بكر خلف المواق قاضي فاس مؤلف كتاب المكاييل والأوزان، توفي سنة 599، ومنهم أبو حسن علي الكتاني، محدث وحافظ وتلميذ للغزالي، ولد سنة 476 وتوفي سنة 569. ومنهم أبو خرز الأوربي، حافظ وفقيه ومدرس، توفي سنة 572، ومنهم ابن الرمانة محمد بن علي القلعي قاضي فاس، كان يميل إلى المذهب الشيعي، ولد سنة 478 وتوفي سنة 567، ومنهم الفيلسوف ابن الصائغ الذي شبهه أبو حيان بابن سينا، توفي سنة 533. ومنهم يوسف بن عبد الصمد بن يوسف بن علي، كان مؤرخاً وأصولياً يُدَرِّسُ بالقرويين سنة 613 بفاس، كما في الجذوة (والذخيرة السنية ص 83).

وهكذا شاهدت فاس في القرن الرابع الهجري نشاطاً ثقافياً وعلمياً وكانت، زيادة على الدراسة الإسلامية، مشهورة بدراسة العلوم البحتة، فقد جاء في كتاب طب الإنسان بالمغرب، لجورج ألو، أن في القرن الرابع الهجري كانت بفاس مدرسة طبية زاهرة.

الدراسة في القرويين

التعليم الأولي : ترك لنا القابسي المتوفى سنة 403 هـ، دراسة مهمة هي رسالته المفصلة لأحوال المعلمين والمتعلمين، والتي تعتبر وثيقة فريدة من نوعها، توضح لنا المناهج والأساليب التعليمية في إفريقيا، وقد أخرجها الدكتور الأهواني (سنة 1955) في كتابه عن (التربية في الإسلام) ومنها نعرف حالة الثقافة الإسلامية ومدى ازدهارها في عهد القابسي، أول من اعتنى جدياً بدراسة موضوع تربوي في الإسلام،إن مسكوية والغزالي وابن العربي وابن خلدون، الذين يعتبرون من رواد البيداغوجية العربية الإسلامية متأخرون عن القابسي، ولم يسبقه إلا محمد بن سحنون المتوفى سنة 256 برسالته الصغيرة عن آداب المعلمين التي اعتمدها القابسي ونقل فصولها في كتابه. ونستنتج من هذه الرسالة أن الطفل كان يذهب إلى الكتاب في السابعة من عمره غالباً بعد أن يكون قد تعلم عن أبيه في المنزل. ويرى الدكتور الأهواني أن السن لم تكن معينة بدقة بدليل قول ابن العربي في أحكام القرآن : >وللقوم في التعليم سيرة بديعة، وهي أن الصغير منهم إذا عقل بعثوه إلى الكتاب< وتنتهي حياة الطفل في الكتاب إذا بلغ سن الاحتلام في الغالب، ثم تبتدئ في حلقات المسجد، كما ذكر أحمد أمين في "ضحى الإسلام" أو إلى مدارس منظمة. وجاء في كتاب التربية عند العرب، لخليل طوطوح، أن التعليم عند العرب كان يمر في المراحل الآتية : المكتب، والجامع، ومجلس العلم والأدب، والمدرسة أو الكلية...

ولخص الدكتور الأهواني رسالة القابسي التي تصور حالة التعليم الأولي في القرن الرابع الهجري، حيث كان الصبي يبعث إلى الكتاب إذا عقل، وكانت هذه الكتاتيب منتشرة في أنحاء المدن والقرى، وقد تكون بجوار المساجد حيث يقوم عليها معلم يستأجر مكاناً للتعليم، وقد يشترك معلم أو أكثر في تعليم الكتاب حيث يعلمون الصبيان مقابل أجر زهيد أسبوعياً أو شهرياً أو سنوياً. وكانت هذه الكتاتيب لا تخضع لأية سلطة إدارية أو تفتيشية.

ويذهب الصبي مبكراً إلى الكتاب فيبدأ بحفظ القرآن ثم يتعلم الكتابة ثم يعود إلى المنزل، ثم يرجع بعد الظهر ويظل به إلى آخر النهار. ويختلف الأطفال إلى الكتاب طيلة أيام الأسبوع إلا يوم الخميس ظهراً، وسحابة يوم الجمعة، وربما قرأوا يوم الجمعة مساء في بعض المدن ليطوفوا مع الفقيه على المساجد لقراءة القرآن.

ويتعلم الصبي أثناء الدراسة قراءة القرآن والكتابة والنحو والعربية، وقد يتعلم الحساب والشعر وأخبار العرب إذا تطوع المعلم بذلك، على أن أهم ما يدرس هو حفظ القرآن على الطريقة الفردية أو الجماعية. ولكل صبي لوح يكتب فيه ما يحفظه، ويعاقب الصبيان الكسالى أو المتلاعبون بالتوبيخ والتهديد والضرب. وتنتهي مرحلة الحفظ بالختمة (الحدقة في بعض المدن) وعندئذ، إما أن ينقطع عن التعليم ويتجه إلى الصناعة، أو أن ينصرف إلى المسجد والمدرسة للتبحر في التعلم.

والقابسي إنما يصف حالة التعليم في عصره فيقر المستحسن منها على أساس شرعي، وينهى عن العوائد المذمومة ويبين مدى عدم جدواها، والجديد في رأي القابسي هو دعوته إلى التلعيم الإلزامي حسب التوجيه الإسلامي حيث أوجب تعليم الصبي من مال أبيه أو وصيه أو أحد أقاربه أو من مال المحبسين.

ولعل الصورة التي قدمها القابسي عن التعليم في القرن الرابع لم تختلف كثيراً عما بعدها من القرون، اللَّهم إلا في مظاهر شكلية حيث تم تطويرها نسبياً، وأصبح للمحتسب سلطان عليها ووافقت الأوقاف على بعضها.

وهذه الصورة التي يعرضها القابسي هي المتبعة في شمال إفريقيا، مع تغيير محلي تحدث عنه ابن خلدون بإسهاب. وكان هناك من رجال التربية من لا يرى ذلك، وينقل مؤلف الديباج في ترجمة القاضي أبي الوليد الباجي عن ابن العربي قوله في وصف التعليم بالأندلس :

> فكان الصبي عندهم إذا عقل، فإن سلكوا به أمثل طريقة لهم علموه كتاب اللَّه، فإذا حذقه نقلوه إلى الأدب، فإذا نهض منه حفظوه الموطأ، فإذا أتقنه نقله إلى المدونة، وفي كتاب الأحكام يصف حالة التعليم في الشرق فيرى رأي المشارقة في الأخذ بعدم حفظ القرآن حيث أنهم، أي المشارقة >يؤخرون حفظه ويبدأون باللغة والحديث، فربما كان الرجل إماماً وهو لا يحفظه وذلك لتعلموا أن المقصود حدوده لا حروفه <.

على أن ابن العربي كان منتقداً لطرق التعليم في عصره، كابن التوام الذي نادى بتعليم الحساب قبل الكتاب. والواقع أن المشارقة كالمغاربة كانوا يبدأون تعليمهم بحفظ القرآن كما ذكر ابن حزم في الملل والنحل، ونقل ذلك الدكتور الأهواني في كتابه عن القابسي.

وكان التعليم الأولي منتشراً في أنحاء المغرب كله، وكاد أن يكون إلزاميا عملاً بوصية الرسول : >خيركم من تعلم القرآن وعلمه<، وكما كان الكتاب يأوي الأطفال الذكور، كان يأوي أيضاً الإناث مادمن صغيرات. وقال سحنون : >أكره للمعلم أن يعلم الجواري ويخلطهن مع الغلمان لأن ذلك فساد لهن<، وكان من المعلمين من يعلم النساء على حدة. وجاء في ترتيب المدارك للقاضي عياض أن : >من سيرة عيسى بن مسكين في غير مدة قضائه أنه كان إذا أصبح قرأ حزباً من القرآن ثم جلس للطلبة إلى العصر<. واهتم رجال التربية الإسلامية بالمعلم كثيراً، فاشترطوا فيه شروطاً كثيرة، من حفظ للقرآن وسلوك مستقيم حتى يكون نموذجاً خلقياً لتربية جيل مهذب.

من أعلام الفكر في عهد المرابطين المؤسسين لجامعة القرويين

من أعلام المفكرين في هذا العصر عبد اللَّه بن محمد بن حماد بن محمد بن زغبوش المكناسي، كان يأخذ العلم بفاس لما هاجمها الموحدون في أواخر العهد المرابطي، وممن رحل لفاس ـ آنذاك من تلمسان ـ حسن بن إبراهيم بن عبد اللَّه بن أبي سهل التلمساني، المعروف بابن زكون، والمتوفى عام 1158 هـ/553 م، وكتب بها عن عيسى بن يوسف الملجوم الفاسي المتوفى عام 543.

ومنهم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن صقر الأنصاري البلنسي ثم المري، المتوفى بمراكش عام 523 هـ/1128م ومنهم عبد اللَّه بن يوسف بن غالب الأنصاري البلنسي، ومنهم إبراهيم بن يوسف بن محمد بن دهاق الأوسي المالقي ،المتوفى عام 611 هـ/1214م روى بفاس عن أبي الحسن بن جبير وأبي الحسن علي بن إسماعيل بن حرزهم الفاسي، المتوفى عام 559 هـ/1163م.

الجامع الجامعة

وأصبح جامع القرويين جامعة علمية تشد الرحلة إليه، ويدل على ذلك ما جاء في ترجمة ابن حرزهم الفاسي الآنف الذكر، أنه كان يقصد من البلدان للقراءة عليه. ودليل آخر على مركز فاس العلمي بالمغرب حينئذ (في صدر المائة الخامسة) ما ذكره أحد علماء الأندلس الواردين على المغرب وهو أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن إبراهيم بن عيسى بن هشام بن جامع الأنصاري الخزرجي الجياني، المعروف بالبغدادي لطول سكناه بها، (والذي وصفه في الذيل والتكملة بأنه كان فقيهاً، حافظاً، مشاوراً عارفاً بأصول الفقه) من أنه لما قفل من المشرق في حدود سنة 515 هـ نزل أول قدومه مدينة فاس وقعد بغربي جامع القرويين منها يدرس الفقه مدة، ثم تحول إلى بلده جيان وبقي فيها إلى عام 539 هـ، ثم خرج من بلده وقصد مدينة فاس ونزلها عام 544 هـ وأقام بها يدرس الفقه وأصوله ومسائل الخلاف، ولم يزل بها مقبلاً على نشر العلم وإفادته إلى أن توفي يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة عام 546 هـ.

المساجد العلمية

أما المساجد المعروفة بالدراسة العلمية في هذا العصر فهي : المسجد المنسوب لابن حنين، وكان يقرئ به أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي بكر الكتاني القرطبي المعروف بابن حنين، ومسجد زقاق الماء بعدوة القرويين، وقد كان يُدَرِّسُ فيه أبو بكر بن عثمان بن مالك، من شيوخ أبي الحسن بن حرزهم، ومسجد الحوراء الذي تصدر للتدريس به أبو بكر محمد بن محمد بن عبد اللَّه بن مغاور اللخمي الإشبيلي المتوفى سنة 503 هـ/ 1109م، ومسجد طريانة، الذي نزل به المهدي بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية مدة إقامته بفاس في السنين الأولى لدعوته، وجامع فاس الذي كان يلقي فيه العلم الشيخ أبو مدين، وقد ورد ذكر هذا المركز الدراسي في "التشوف" و"أنس الفقير" كما جاء في عبارة التشوف في الحكاية عن أبي مدين : >فقيل لي إن رأيت أن تتفرغ لدينك فعليك بمدينة فاس، فتوجهت إليها، ولزمت جامعها وتعلمت الوضوء والصلاة، وكنت أجلس إلى حلق الفقهاء والمذكرين، فلا أثبت على شيء من كلامهم، إلى أن جلست إلى شيخ ثبت كلامه في قلبي، فسألت من هو ؟ فقيل لي : أبو الحسن ابن حرزهم.

ولا يمكن أن نغفل في هذا العصر ما أسداه المغاربة والأندلسيون إلى اللغة العربية، حيث عملوا على تطوير النحو، وبرزت تآليف في هذا الفن وآراء مستقلة. وكان من أشهر المؤلفين في هذا الميدان أبو الحجاج يوسف بن عيسى، المتوفى سنة 475 والذي شرح كتاب سبويه، وعبد اللَّه بن محمد البطليوسي المتوفى سنة 521 والذي شرح جمل الزجاجي في كتاب "الحلل في شرح أبيات الجمل، وإصلاح الخلل الواقع في الجمل" والمسائل المنشورة في النحو وقواعده. كما ألف ابن سيده الضرير، المتوفى سنة 458، "كتاب العالم والمتعلم" في النحو، وشرح كتاب "الأخضر" في النحو أيضاً، وألف ابن هشام كتاباً في الرد على الزبيدي وابن المكي فيما زعماه من لحن العامة، واقتفى أثره ابن هانئ الذي ألف "إرشاد الضوال" في لحن العامة.

التعليم في عصر الموحدين

أسس الموحدون معاهد التعليم بمراكش، كما وردت تفاصيل ذلك في "الحلل الموشية"، حيث كان عبد المؤمن يربي في مدرسته صغار الطلبة تربية خاصة، فكانوا يحفظون الموطأ الذي ألفه المهدي، إلى آخر ما ورد في كتاب الحلل الموشية. وألزموا الناس بتعليم العقائد إلزاماً، لم يفرقوا في ذلك بين الرجال والنساء والصبيان والفتيان والأحرار والعبيد، واشتهرت قراءة الناس يقرأون المرشدة في التوحيد، كما كان بجانب ذلك تعليم عام وشعبي في كلية القرويين وجامع أبي يوسف بمراكش وجامع سبتة.

ويلاحظ أن التعليم كان يبتدئ في سن مبكرة، لذلك كان نوابغ هذا العصر وعلماؤه من الشباب أمثال المراكشي، والمزدغي، وابن عطية، وابن رشد، وابن زهر، وابن غالب البلنسي... وتعدد اختصاص المدارس، فكانت هناك مدرسة للملاحة في سلا وقرب فاس لحاجة الموحدين إلى أسطول عظيم، وتأسست مدرسة "أكلو" بضواحي تيزنيت في أول القرن الخامس، وهي أول مدرسة معروفة هناك، على أنه لا يبعد أن تكون هناك مدرسة أقدم منها ترجع لوجاج، المتوفى سنة 445 هـ، والذي تخرج من القيروان وتتلمذ لأبي عمران الفاسي.

واتسع التفكير الموحدي لكل أنواع المعارف، مكنراً موقف الفقهاء المرابطين من بعض العلوم العقلية، وجاء في شرح الحلل أن ابن تومرت كان ينكر كتب الرأي والتقليد كما شجع الموحدون الحركة الفلسفية والترجمة عن اليونانية وأصبح علماء أوربا يفزعون إلى إلى المغرب لحل المشاكل الفلسفية كما فعل ابن سبعين في الأجوبة الصقلية، وسهلت الكتابة العربية في المغرب لإشاعة الثقافة فوضعت بعلامات ظاهرة، فمثلاً ينقط القاف من فوق وينقط حرف الفاء من تحت، وتعطف الياء بياء الألف كالمصطفى وتختصر الحركات، فالشدة المضمومة تنقل بصورة رقم (8) فوق الحرف المشدد المضموم وتمثل بصورة رقم (7) من تحت في الحرف المشدد المفتوح وتمثل بصورة رقم (8) تحت الكسرة المشددة.

واشتهر في هذا العصر كثير من العلماء منهم : محمد بن إبراهيم ابن عيســـى المتوفـــى سنــــة 546، والعلامـــة الصوفـــي ابـــن حرزهـــم المتـوفـــى سنة 550، وأحمد بن عبد الصمد القرطبي المتوفى سنة 582، ويوسف بن عبد الصمد بن يوسف المتوفى سنة 613، والمفسر المحدث ابن القصري المتوفى سنة 615، والملاحظ أن هؤلاء العلماء أنهم كانوا يعلمون ويدرسون عدة كتب، كما أنهم كانوا يؤلفون كتباً للدراسة ويشرحون كتباً كغيرهم ويعلقون على مؤلفات متعددة.

أما تآليفهم في علوم الدين فقد كان طابعها ما وصفه أبو العباس المقري في روضة الإخوان (من كتابه أزهار الرياض في ترجمة القاضي عياض) من أن في تدريس المدونة اصطلاحين : اصطلاحاً عراقياً واصطلاحاً قروياً، فأهل العراق جعلوا في مصطلحهم مسائل المدونة كالأساس، وبنوا عليها فصول المذاهب بالأدلة والقياس، ولم يعرجوا على الكتاب بتصحيح الروايات ومناقشة الألفاظ ودأبهم القصد إلى إفراد المسائل وتحرير الدلائل على رسم الجدليين وأهل النظر من الأصوليين، وأما الاصطلاح القروي فهو البحث عن ألفاظ الكتاب مع التحقيق في بواطن الابواب وتصحيح الروايات وبيان فصول الاحتمالات، والتنبيه على ما في الكلام من اضطراب الجواب واختلاف المقالات، وما انصاف إلى ذلك من تتبع سياق الآثار وترتيب أساليب الاختيار وضبط الحروف على حساب ما وقع في السماع ووافق عوامل الإعراب أو خالفها (أنظر أزهار الرياض).

ويزيد المقري في التدليل على ذلك بقوله : ويحقق ما قلناه تصرف التونسي في تعاليقه اللطيفة المنزع واللخمي في تبصرته البارعة الختام والمطلع، إلى غير ذلك من تأليف القرويين (نسبة إلى القيروان) وتعليق المحققين من شيوخ الإفريقيين، وقد سلك القاضي عياض في تنبيهاته طريقة جمع فيها بين الطريقتين والمذهبين، وذلك لقوة عارضته، وذكر المقري في نفس الكتاب في موضع المقارنة بين التأليف الشرقي والتأليف المغربي بعدما لاحظ أن أغلب تآليف المشارقة متصفة بالإيجاز لتمكن ملكتهم من التصرف، مثل كتاب ابن الحاجب في فروعه وأصوله، كما لاحظ أن الغالب على جل أئمة المشارقة الإطناب مثل الغزالي والإمام الفخر وغيرهما. أما أهل الأندلس فغالب عليهم فيهقة الألفاظ في حسن وصف الكلام وانتقائه مثل عبارة القاضي عياض في تآليفه التي لا تسمح القرائح بالإتيان بمثلها والنسج على منوالها، وانتهت صناعة التآليف في علماء المغرب على صناعة أهل المشرق لشيخ شيوخ العلماء في وقته ابن البناء الازدي المراكشي في جميع تصانيفه ويقصد المقري بابن البناء الذي خصه بابا السوداني في نيل الابتهاج بترجمة مطولة، والمولود سنة (654).

وتتجلى خصائص التعليم المغربي في التكوين الأولي، وما يسمى بالتعليم الابتدائي، والاهتمام بإصلاح مناهج التعليم وأساليبه وقد اشتغل بذلك مفكرو المغرب والأندلس، وقلما تخلو كتب رجال الفكر المغربي والأندلسي من ملاحظات في ميدان التعليم والتربية.

ولعل من أهم ما ظهر من آراء تعليمية في هذا العصر نظرية ابن العربي المولود سنة 468 والمتوفى سنة 541، وفي كلامه عن نفسه يبين لنا نظام التعليم في عصره فقد ذكر أنه حذق القرآن وهو ابن تسع سنين، ثم قضى ثلاث سنوات لضبط القرآن والعربية والحساب، ولما بلغ إلى سن العاشرة كان قد قرأ من الأحرف (أي القرآن) نحوا من العشرة بما يتبعها من إظهار وإدغام ونحوه، وتمرين في الغريب والشعر واللغة (أنظر ترجمة حياته في مقدمة كتابه، العواصم من القواصم) وفي كتابه (قانون التأويل) الذي ينقل عنه ابن غازي في التكميل والرهوني في شرحه على خليل، والمقري في أزهار الرياض... ونستفيد أن ابن العربي كان وهو فتى يافعاً يمارس الكتابة ينقد الشعر مع بداهة القول كما أحذق اللعب بالشطرنج في صغره، ويحلل ابن خلدون مذهب ابن العربي في مقدمته، فابن العربي يرى أن المذاهب المعروفة في التعليم الابتدائي لا تكفي، بل هي عقيمة بالنظر إلى شيوع العجمة، ويرى أن يقتصر المتعلم في التعليم الأول على البلاغة والنحو وعلوم العربية كلها، ويقدم إليه من نصوص الأدب البليغ ما يقوم به إدراك الطالب ويربي ملكته، فإذا أخذت ثقافته الأدبية تقوى وتتأصل ينقل إلى الحساب والرياضيات، فإذا تمت الملكة الرياضية فيه وتمكنت الدراسة من فكره فيكون قادراً على إدراك معاني القرآن والتخلق بهديه، وينعى ابن العربي على قومه تلقيهم القرآن في أول الأمر قائلاً : > يا غفلة أهل بلدنا في أن يؤخذ الصبي بكتاب اللَّه من أول أمره يقرأ ما لا يفهم وينصب فيما غيره أهم... ولعل ابن العربي تأثر بالمذهب الشرقي فأراد أن ينقله إلى بلاده ولكن (العوائد لا تساعد عليه وهي أملك بالأحوال) حسب تعبير ابن خلدون، وربما كان الكتاب في القرن السادس يلقن الرسالة وفنوناً من الأدب والمعرفة كما يستفاد من ترجمة الشيخ ابن عبد اللَّه الفخار السبتي التطواني.

ونعرف كذلك برنامج التعليم الابتدائي في عصر الموحدين من خلال انتقاد ابن خلدون لحالته، وقد كتب (جورج مارسي) بحثاً قيماً حول رأي ابن خلدون في التعليم، وعرب بمجلة رسالة المغرب، (العدد الأول من السنة الأولى) جاء فيه : أن تلقين العلوم لا يكون مفيداً في رأي ابن خلدون إلا إذا كان بالتدريج، ولذلك يجب أن يقسم برنامج التعليم إلى ثلاثة مراحل : (الأولى) تلقين أصول الفن مع مراعاة عقل التلميذ واستعداده لإدراك هذه المسائل، فالطريق المثلى في نظر ابن خلدون أن نقيم وزناً لعقل التلميذ وقدرته على استساغة المبادئ التعليمية التي يراد تلقينها وبعد حصول الملكة الجزئية يصل إلى (الدور الثاني) حيث يستأنف النظر في الفن نفسه ويحسن أن يخرج بالتلميذ من الإجمال إلى التفصيل مع عرض بعض المسائل الخلافية، وبعد هذه المرحلة ينتقل إلى (الدور الثالث) حيث يعود إلى الفن نفسه فلا يترك عويصاً ولا مبهماً ولا مغلقاً إلا وضحه، وعندئذ لا يخلص التلميذ من الفنون إلا وقد استولى على ملكته، ويلاحظ ابن خلدون عدم ضرورة التنقل بين الأدوار الثلاثة وكذلك لا ينبغي للأستاذ أن يغفل قيمة مواهب الطفل فلا يميز بين ما يجب أن يكون غاية وما يجب أن يكون مبدأ، فالتدريج أساس لا يستقيم التعليم إلا به، ويجب ألا يفرض على التلميذ استظهار جميع الشروح والحواشي والتنبيهات والمقدمات لتتسنى الإحاطة بالمادة، كما لا يحتاج إلى التمييز بين الطرق الفقهية كالطريقة القيروانية والقرطبية والبغدادية والمصرية ليستحق منصب الفتيا.

وينتقد ابن خلدون دراسة فنون مختلفة في وقت واحد، ويرى أن من الواجب أن يلقن فناً واحداً ولا ينتقل إلى غيره إلا بعد أن يأنس منه الحصول على الملكة التامة في الفن الأول. كما يرى ابن خلدون أن تكون معارف الطفل واضحة في فكره فيتلقاها من الأساتذة الكثيرين بدل استيفائها من الكتب والتصانيف لأن الطلبة أسرع ما يكونون إلى الوعي والحفظ وأبطأ ما يكونون من الإدراك العميق.

والمتعلم الذي يتلقى أصول الفن من أساتذة متعددين يطلع على مصطلحات كل معلم وأساليبه في التبيين ولا يلبث أن يجرد العلم عن الاصطلاحات ويعلم أنه (طريق توصيل).

وابن خلدون يريد أن يجعل من فكر الأساتذة أداة مرنة يتصرف فيها فلا فائدة في معرفة النحو إذا كانت معرفته لا تقي من اللحن والخطأ، كما يرى أن العلم النظري لا تتم منه الفائدة إلا إذا كان صاحبه جامعاً بينه وبين الخبرة العلمية، والغاية هي تكوين رجال عالمين بأحوال الحياة، وقلة المبالاة بالجانب العملي هي التي تجعل العلماء أبعد الناس عن السياسة، إذ المناهج التي يستعملها معلموهم لا تؤهلهم لتدبير البلاد.

أما وسائل التعليم فلا تكون بالعنف والقهر، لأن الإرهاق في التأديب يحمل المتعلم على الخبث والكذب ويعلم المكر والخديعة ويذهب بنشاط النفس، ويختصر (جورج مارسي) رأي ابن خلدون في أن المثل الأعلى الذي يجب أن يسعى إليه كل معلم هو تهذيب الفكر والإرادة، ولا يمكن هذا لكل معلم، إلا إذا كانت ؟

ويعطينا ابن خلدون عرضاً موجزاً في مقدمته عن مذاهب التعليم العربي فيما قبل عصره بصفة عامة. وفي عصره بصفة خاصة، فيقسمها إلى مذهب أندلسي ومذهب تونسي، ومذهب شرقي ولا شك أن الشرق كان متعدد المذاهب ولكن ابن خلدون يتحدث عن وسطه ومذاهب بلاده، أما المذهب الأول وهو الأندلسي، فهو منهج يقوم على ثقافة أدبية تعتبر القرآن نفسه أداة للبلاغة وترسيخ ملكتها ويعنون بالشعر العربي، وروائع النثر مع عناية بتحسين الخط ولذلك كان مظهر الثقافة الأندلسية حسب تعبير ابن خلدون يبدو (في التفنن في التعليم وكثرة رواية الشعر والترسل ومدارسه العربية من أول العمر).

أما المذهب المغربي فهو يفرض على المتعلم في أول اتقان القرآن ورسمه واختلاف القراءات ثم التدرج في مبادئ العلوم، ويلاحظ ابن خلدون أن المغاربة تفوقوا في حفظ القرآن تفوقاً تاماً، ولكن كان حفظ الطلاب جموداً في العبارات وقصر التصرف في الكلام، والمتخرجون عن هذه الطريقة تجدهم سكوتاً لا ينطقون ولا يفاوضون، وعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة فلا يحصلون على طائل، وتطول مدة الدراسة عندهم حتى تصل إلى ستة عشرة سنة بينما لا يتجاوز في تونس خمسة سنوات.

أما المذهب التونسي فكان وسطاً بين هذين المذهبين (الأندلسي والمغربي) وهو يعتبر القرآن وحدة مستقلة في التعليم وحفظه وتجويده غاية في نفسها، والحفظ وسيلة لا غاية، ويعلل، المقري ذلك بأن الناس يقرأون العلم لا للأجر والمال ولذلك يلاحظ أن الاهتمام بتقويم ثقافة الطفل على أسس دراسته الأدبية غير منتقاة في جملتها فيكون أن تتخرج طبقة من الطلاب تعوزها ملكه في اللسان العربي وجمود في العبارات وقلة التصرف في الكلام، أما المذهب الشرقي فيدرس القرآن كغاية مع عناية بالحديث والفقه والنحو والخط.

وبعد المرحلة الابتدائية يتعرض ابن خلدون للتعليم الثانوي والعالي فينتقد بشدة طريقة التعليم بفاس، ويرى أن الهمم مقصورة على تحصيل القرآن ودرس التهذيب مع الأخذ بنصيب من مبادئ العربية التي تعلموها عن السبتيين حتى لم يتصدر منهم أحد ليقرئ كتاب سبويه، ويؤيد المقري في أزهار الرياض انتقاد ابن خلدون، فيروي قصة أبي عنان والشيخ الصرصري حيث تصدى هذا في المتوكلية لتدريس التهذيب ثم انقطع انقطاعاً فاحشاً بعد أن ناقشه العلماء بتحقيق ما أورده من المسائل على ظهر قاب حتى انصرف عن درسه، وآنسه أبو عنان بعد ذلك منبها إياه ألا يتكل على حفظه (إلى آخر ما ورد في تاريخ القيسي ولخصه المقري). على أن المقري لم يشايع ابن خلدون في انتقاداته الصارمة، بل يلاحظ أن علماء فاس كانوا أهل صلاح وورع في طلب الفقه وتفننوا في مروياته لأن (باب الفتيا) في الفقه هو باب احتياط، فلابد للمفتي من مباشرة الكتب المروية والأمهات الأصلية ولا يجوز له الاقتصار على الوساطة في الكتب، ويرى المقري أيضاً أن العجز عن التأليف لا يقدح في علم العلماء بل إن علماء فاس شغلهم تحري الحلال عن تتبع موارد التحقيق الذي أدى إلى فقد الملكة النظرية عندهم، ولقد اعترف علماء تونس بغزارة علم الشيخ ابن عبد السلام، واعترف الفقيه القباب لأهل تونس بالملكة والتصرف وانتقد طريقة المغاربة في المدارس ولم يكن لهم في عصره جرايات وإنما يتعيشون مما يتصدق عليهم به أهل البلد وأهل نواحيها.

وكانوا من قبل يقيمون سبعة أعوام سكنى وأكلا وكسوة ولكن حروب أبي سعيد عثمان أبي العباس آخر ملوك بني مرين قبل ولده عبد الحق أتت على مداخل المدارس بينما كان الطلبة في عهد أبي عنان من أعز الناس وأكثرهم عدداً ورزقاً كما ذكر صاحب نيل الابتهاج.

وينتقد المقري في أزهار الرياض التأليف المكتوبة بعاصمة المغرب (فاس) بهذا العصر بأنها ضئيلة سواء في التلخيصات أو الارتجال، وإنما تظهر تآليف فاس في النسخ فقط وبقى التأليف على ما هو عليه كما في مدونة ابن الحسن الزرويلي الصغير المتوفى سنة (719) وكما في الديباج، ثم جاء طلبة الجزولي الذي نسبت إليه تقاييد في الفقه وإن كانت في الواقع من تقاييد تلامذته، على أن المقري يتأثر بآراء ابن خلدون في كون صناعة التعليم أو ما يسمى اليوم بالبيداغوجية لم تبلغ إلى فاس، وإنما رسخت أقدامها في تونس، ويذكر بعد ذلك السلسلة العلمية الفقهية المبتدئة من الإمام المازري، أما العلوم النظرية فلا حظ للتونسيين ولا للمغاربة فيها على السواء إلى أواخر القرن السابع حيث رحل ابن زيتون وحملها إلى تلمسان.

ويروي لسان الدين أن الصبيان كانوا يدربون على حمل السلاح كما يحفظون القرآن، وهذا يدخل في الوعي الوطني بهذا العصر وكذلك شاعت المحاضرات في العصر المريني، فقد سافر عبد القادر بن سوار المحاربي إلى غرناطة سنة 757 وألقى بها عدة محاضرات.

المغرب، ومنهم ابن الخطيب وابن خلدون وغيرهما من فطاحل الفكر في المغرب العربي الذين سعوا إلى تحصين الثقافة في مدن مغربية في يد العدو ومنها سبتة التي استولى عليها البرتغال سنة (1415 ميلادية) لاذ علماؤها بالقرويين فأصبحت هي مركز الاشعاع الثقافي في العالم الإسلامي، وتعددت بها كراسي العلوم خصوصاً التي تعنى بالدراسة الدينية حفظاً وفهماً مع الإيثار للحفظ، وتعددت المدارس حيث زاد المرينيون على ما بقي منها في عهد المرابطين والموحدين، وكان لكل مدرسة استاذان يراجعان مع التلاميذ، كما تعددت الخزائن الكتبية بها ولذلك ازدهرت القرويين في عصر بني مرين ازدهاراً كبيراً، ويقول ليفي بروفنصال : أن بفضل ملوك بني مرين لم تكن عاصمة فاس في القرن الرابع عشر لتحسد العواصم الإسلامية الأخرى.

مدارس الطلبة

بل ان (باديا ليلبيش) المعروف بعلي العباسي اعتبر فاسا بمثابة أثينا إفريقية، وذكر مثل قوله الدكتور رينو في كتابه "الطب القديم بالمغرب" : حيث أصبحت القرويين ملتقى الأجانب من مختلف الجنسيات والديار كما قال دوكمبو. وذكر كابريال شارمس في كتاب >سفارة المغرب< أن مدارس فاس كانت طوال مدة مديدة أولى مدارس العالم، ومنها انبثق ما يسمى بالحضارة العربية التي شع نورها في إسبانيا فأضاء جوانب أوربا، وشجعت الحركة التعليمية تشجيعاً منقطع النظير، وكان الأساتذة يتقاضون علاوات وكل ما يحتاجون إليه طوال السنة ويتمتعون بحق السكنى مجاناً كما ورد ذلك عن الحرشاوي أحد علماء الجزائر الذين درسوا بفاس في القرن التاسع عشر م، فقد روى عنه دلفار زيادة على ما ذكر أن الأساتذة كانوا ملزمين بالمكث في فاس، وبنى أبو يوسف المدارس والمعاهد ورتب لها وأجرى المرتبات على العلماء، والطلبة في كل شهر كما بنى المدارس والمعاهد ورتب لها الأوقاف وأجرى المرتبات على العلماء، والطلبة في كل شهر كما
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mathematiquecher.forumactif.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر عدد المساهمات : 34923
نقاط : 159319
السٌّمعَة : 1074
تاريخ التسجيل : 14/05/2009
الموقع : http://www.autoformer.net/

جامعة القرويين Empty
مُساهمةموضوع: تابع   جامعة القرويين Dc3srhibiyuaw8ppyxj6الجمعة فبراير 12 2010, 01:17

ويرى ابن حزم "في التقريب" لحد المنطق أن علم النحو يرجع إلى مقدمات محفوظة عن العرب الذين يريدون معرفة تفهمهم للمعاني، بلغتهم، والعلل فيه فاسدة جداً، ويريد ابن حزم بذلك عدم فائدة (القياس)...

ويعتبر ابن مضاء من أكبر نحاة الأندلس تأثراً بالحزمية لصياغة نحو جديد ولذلك اقترح حذف العوامل ومعلقات المجرورات والتنازع والاشتغال والقياس.

الدراسات الفقهية

ولا شك أن اشتغالهم بالفروع الفقهية كان سائداً على باقي الفنون، وأهم ما كان شائعاً كتاب ابن يونس ونوادر ابن أبي زيد وكتاب التهذيب للبرادعي وكتاب ابن حبيب، كما كانت مدونة سحنون من أهم الكتب التي جعلوها محوراً لأبحاثهم قبل أن يظهر مختصر الشيخ خليل، حيث تفننوا في شرحه فيما بعد.

ويدل اشتغالهم بالفروع والجدل الفقهي ما جاء في كتاب المعجب للمراكشي بالرواية عن أبي يعقوب بن الجد الذي يقول : دخلت على أمير المؤمنين أبي يعقوب أول ما دخلت عليه ووجدت كتاب ابن يوسف فقال لي : يا أبا بكر، أنا أنظر في هذه الآراء المتشبعة التي أحدثت في دين اللَّه، أرأيت يا أبا بكر المسألة فيها أربعة أقوال أو خمسة أقوال أو أكثر من هذا، في أي هذه الأقوال هو الحق ؟ وأيها يجب أن يؤخذ به المقلد ؟ فأخذت أبين له ما أشكل عليه من ذلك، فقال لي وقطع كلامي، أبا بكر ليس إلا هذا وأشار إلى كتاب السنن لأبي داود وكان على يمينه، أو السيف، وجاء في القرطاس والاستقصاء (ج 1 ص 150) أن عبد المؤمن الموحدي أمر سنة 555 بحرق كتب الفروع ورد الناس إلى قراءة الحديث وكتب أمره بذلك إلى طلبة المغرب والأندلس والعدوة.

على أن يعقوب المنصور انقطع في عهده علم الفروع وخلاف الفقهاء بعد أن أمر بإحراق كتب الفقه وبعد أن حذف ما فيها من حديث رسول اللَّه والقرآن، فأحرق مدونة سحنون وكتاب ابن يونس ونوادر أبي زيد وكتاب التهذيب للبرادعي وموضحة ابن حبيب وما جانس ذلك، وذكر المراكشي أنه شاهد بفاس أحمالا من هذه الكتب توضع وتطلق فيها النار.

وقد نجح الموحدون في حركتهم التحررية من المذهبية وظهر أعلام مجتهدون، نذكر منهم من ترجم له صاحب التكملة والجذوة والذخيرة السنية، وهو أبو الحسن علي بن محمد بن خيار الأندلسي الأصل الفاسي السكنى المتوفى سنة 605، وما ذكره صاحب الجذوة وهو أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن هارون المرادي الفاسي المعروف بابن الكماد المتوفى سنة 633، كما في ابن خلكان وابن القطان نقيب الطلبة بمراكش وصاحب كتاب بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام. ولكن ذلك لم يمنع حركة الفروع من الاستمرار طيلة عهد الموحدين، ثم الانتصار لها فيما بعد حيث أصبحت القرويين مركز الدراسة الفروعية الجدلية، ومن أعلام الفروع ما ذكره ابن قنفد في الوفيات من أن محمداً يشكر بن موسى الجوزاء الفاسي المتوفى سنة 598 ألف حواشي على المدونة، وإسحاق بن إبراهيم الغماري قاضي فاس وسبتة وشلب المتوفى سنة 609، وفي الابتهاج والجذوة قائم على المدونة ويستظهرها، وذكر ابن خلدون في مقدمته أن القيرواني عكف في دراسة الفقه على مدونة سحنون وأهل الأندلس على الواضحة والعتبية ثم اختصر ابن أبي زيد المدونة ولخصها البرادعي القيرواني وكتب أهل إفريقيا كثيراً على المدونة كما كتب الأندلسيون كثيراً على العتيبة، ثم جمع ابن أبي زيد أمهات المسائل والأقوال في كتابه النوادر، وبعد انقراض دولة قرطبة والقيروان تمسك أهل المغرب بكل ذلك إلى أن جاء ابن الحاجب الذي لخص طرق المذهب في كل باب، ووضع للمذهب برنامجاً ولم تكن المدونة منتشرة في أمهات المدن فقط بل كانت منتشرة انتشاراً كبيراً في سائر الأصقاع المغربية، وبالأخص في بلاد سوس، وقد نقل مؤلف (سوس العالمة ص 18) عن كتاب مخطوط (الجرسيفيون) أنه كان شائعاً في السوس مدافن لكذا من البنات يحفظن المدونة فضلاً عن الرجال، وروى أيضاً أن سيدي وشاي وأبناء الركراكي هم من أوائل من زاولوا شرح المدونة في سوس، أما خليل فقد انتشر في سوس بعد انتشاره في فاس وترجم شارحه الدردير إلى (الشلحة) للحاجة الماسة لكي يتعرف الجميع على الشريعة وأحكام الدين.

وشاهدت سوس نهضة فقهية في عهد محمد وجاج الذي وصفه أبو عمران الفاسي بالفقيه الحاذق والجزولي شارح الرسالة والمختصر الحاجبي وكعبد الواحد الرجراجي شارح المدونة وداود التملي (سوس العالمة ص 45).

ويذكر مؤلف الكتاب أيضاً ص 44 عدة مؤلفات وأساتذة لعلم الكلام في بلاد سوس، وأشهرهم عبد الرحمن الكرامي من القرن التاسع صاحب الشرح على البرهانية للسلالجي، ومنهم سعيد بن النعمان سنة 650، والجزولي صاحب الشروح على الرسالة المتوفى سنة 741 وغيرهم كثير.

اللغة والآداب

أما علوم الآلة من لغة ونحو وبيان، فقد كانت ذا مكان بارز في هذا العصر وبرز لغويون كبار أشهرهم أبو القاسم علي بن حمزة البصري المتوفى سنة 586، وفي نيل الابتهاج ترجمة لابن المناصف المتوفى سنة 620، مؤلف الارجوزة اللغوية.

وأشهر علماء النحو في المغرب أبو موسى عيسى بن عبد العزيز الجزولي المراكشي المتوفى سنة 607 مؤلف المقدمة الجزولية الذائعة الصيت كما في ابن خلكان، وأبو القاسم المتوفى سنة 619 المترجم له في بغية الوعاة، ومن مشاهير علماء العربية أبو ذر الخشني الجياني المتوفى سنة 604 كما في التكملة، والذي استوطن فاسا وعلم بها، واعتنى السوسيون باللغة والنحو اعتناءاً كبيراً، وقد ترك أبو فارس الرسموكي حاشية على الصحاح للجوهري، وتوجد شروح للقصائد الأدبية دالة على تمكنهم من ناصية هذا الفن كشرح المقصورة المكودية للتازلتي التملي، وشرح مقصورة ابن دريد للهشتوكي وشرح الشمقمقية لابن فارس الادوزي وشرح العبدونية لموسى الودريمي إلى غير ذلك من الشروح.

ونذكر من أعلام النحو المتأخرين (استكمالاً للموضوع) أبى زكري شارح الفريدة والشيخ الطيب بن كيران المحشي على التوضيح والمكودي شارح الألفية والطرنباطي شارحها أيضاً وعمر الفاسي شارح المغني، ولا شك أن كتاب الأجرومية المغربية كان أعظم كتاب بيداغوجي ظهر في العالم العربي حيث شغل المعلمين وأفاد التلاميذ المبتدئين، كما أن كتاب الألفية كان كتاب التعليم الثانوي الذي اهتم به الشراح والمعلقون فأفادوا كثيراً وجمعوا على نظمه الشارد من القواعد والأمثلة، ويذكر (مؤلف سوس العالمة ص 38) أن للسوسيين طريقة معبدة منظمة في تعلم اللغة والنحو والتصريف، وقد اتقنوا هذه الفنون الثلاثة إتقاناً تاماً لشدة حرصهم عليها ولأنها كل شيء في الميدان العلمي، وأثنى الحسن اليوسي على الطريقة التي يسلكونها في التصريف في فهرسته عندما ذكر شيخه أبا فارس الرسموكي (وهم يقرؤون الألفية في الصفوف العليا بالأشموني والصبان والموضح بحواشيه تتبعاً وتكون الشواهد على السنة الأساتذة بدون مراجعة).

الرياضيات

وفي القرن السادس ظهرت الأرقام العربية المسماة بالغباري التي لها شكلان كما يقول ابن الياسمين، أحدهما الرقم العربي والثاني المسمى بالهندي المستعمل بالشرق.

وعرفت مدينة فاس (بالقلم الفاسي) التي يعتمده علماء الفرائض في التركات.

وقد اهتم المغاربة بعلم الحساب لأنه كما قال ابن خلدون في المقدمة براهين منتظمة ينشأ عنها في الغالب عقل مضيء وكانوا يعلمونه في البداية، لهذا كانت كتبه تقريباً ابتدائية ككتاب " الحصار الصغير " الذي يحدثنا ابن خلدون أنه كان منتشراً في المغرب وتلخيص ابن البناء المراكشي، وكذلك برع المغاربة في الجبر حسب شهادة ابن خلدون، وكان من أعلام الحساب بفاس أبو الحسن علي بن فرحون الذي كان يعلّم هذا الفن بفاس والمتوفى سنة 601، وهو مؤلف اللباب في مسائل الحساب وأبو عبد اللَّه محمد العابد الأنصاري الفاسي المتوفى سنة 662 كما في الجذوة، وابن الياسمين الفاسي المتوفى سنة 601 صاحب منظومة الجبر والمقابلة سنة 587، وابن القطان المتوفى سنة 628، ثم القلصادي بشروحه فيما بعد، وشاع عند الموثقين استعمال القلم الفاسي، وهو عبارة عن أرقام حسابية استعملها الموثقون بفاس في تقييد التركات والفرضيون كذلك في تقدير النفقات، وهي من أصل روماني انتقلت من وليلي إلى فاس ثم نسبت إليها. ومن علماء الرياضيات في المغرب يوسف بن سمعون وهو قرين موسى بن ميمون وصاحبه في مصر، وزميله محمد بن أفلح الأندلسي وهو من سكان فاس قرأ بها كما ذكر ذلك ابن القفطي، واشتهر بالهندسة في فاس أبو عمران بن شامة المشار إليه في القرطاس علاوة على المهندس الشهير حسان القضاعي المتوفى سنة 598 المنسوب إليه جامع حسان والمدفون بالرباط، والمهندس الأحوص صانع مقصورة المنصورة الموحدي، واشتهر من الفلكيين الشريف الإدريسي بسبتة سنة 494، وأبو علي الحسن المراكشي المتوفى سنة 660 المنسوب إليه وضع اللوغاريتم، وابن السكاك الفاسي المتوفى سنة 500 كما في الجذوة وغيرهم كثير في فاس ومراكش ورد ذكرهم في السلوة والإعلام والقرطاس، وفي الجذوة أن من أشهر المؤلفين في الكيمياء ابن التقرات الذي درس بفاس والمولود سنة 515 مؤلف "جذور الذهب في الإكسير" وكان خطيباً بجامع القرويين، ومن مؤلفات المتأخرين في هذه العلوم روضة الأزهار للقادري المتوفى سنة 818، ورجز عبد الرحمن الفاسي في الإسطرلاب وأرجوزة ابن زاكور، وألف الوزير الغساني "حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار"، كان حياً سنة 994 وتوفي عام 1019(1) كما في مبادئ شرح التحفة، وعلق أدراق على نزهة الشيخ داود، ومنهم العالم الرياضي المتفنن ابن أبي الربيع اللجائي المتوفى سنة 721، وأبو القاسم الغول مؤلف حافظ المزاج المتوفى سنة 1059، وابن حميدة المطرفي صاحب المقرب في الهيئة المتوفى سنة 1061، والروداني المشهور المتوفى سنة 1095، وفي علوم العقليات يذكر من أعلام المنطق أبو جعفر الخزرجي القرطبي المتوفى سنة 582 بفاس، واشتغل المتأخرون المهتمون بهذا الفن كالعادة بالشرح والتعليق، ولم يتعمقوا في فروع الجدل وغيره من أساليب المنطق، وأشهر الكتب التي وصلتنا شرح السلم لبناني وحاشية قصارة عليه وشرح محمد بن حمدون لخريدة والده كما نبغ في علم الرياضيات أبو الحسن المراكشي فكان راصداً بصيراً جاب في أوائل القرن الثالث عشر المسيحي جنوب إسبانيا وقسماً كبيراً من إفريقيا الشمالية فأبان ارتفاع القطب في إحدى وأربعين مدينة واقعة بين إفران على المحيط الاطلنتيكي وعاصمة مصر، أي ما تعادل مساحته تسعمائة من الشرق إلى الغرب، كما ألف أبو الحسن كتاب المبادئ والغايات ونشر (مانويل سديو) ترجمته سنة 1834 ونال بنشرها إحدى الجوائز الكبرى، كما تكلم سديو على ازدهار العلوم الرياضية في هذا العصر وذكر في تاريخه ما مؤداه : > لم تبق إفريقيا الغربية كسلى في ذلك الدور الذي انتهى بانتهاء القرون الوسطى، فقد نافست سبتة وطنجة وفاس ومراكش فيه قرطبة وإشبيلية وغرناطة، فمن مدارسها ظهر أساتذة بارعون تشهد مؤلفاتهم الكثيرة في مختلف فروع العلوم بعلو كعبهم ونعرف البطروجي وأبا الحسن وحدهما بمؤلفاتهما فأما البطروجي، فرصد في ذلك الحين ميل سمت الشمس وقرأ البطروجي كتاب "بطليمس" فثار على التعقيد الذي في نظرية دوران المدار البعيد عن المركز والدائرة التي وسطها على محيط دائرة أكبر منها حول مركز صفرة متحركة بذاتها فعرض طريقة جديدة سدل عليها ستار من النسيان العميق تنطوي على ميل مبارك إلى التحرر من نظريات الأقدمين المختلفة.

الطب

وكان الطب المغربي وهو جزء من الطب الأندلسي يعتمد زيادة على الدراسة العربية في الطب على الدراسة الإفريقية الطبية، كما كان أغلب الأطباء يتقنون اللغة اللاتينية كأبي عبد اللَّه الصقلي الذي كان يتكلم الإغريقية وغيره، وتوصلوا إلى معرفة جميع الأدوية المفردة المذكورة في ديوس فورديس، وقد نبغ أطباء مغاربة علموا المشرق ودبروا المستشفيات كما جاء في نفح الطيب للمقري (ج 1 ص 244)، كما عرفوا أوربا بالطب وقد اشتهر قسنطين التونسي في القرن الرابع كطبيب ترجم عشرات الكتب إلى اللاتينية.

ويذكر الكانوني في كتابه " شهيرات النساء" نقلاً عن كتاب "فن الأسنان في المغرب الأقصى " أنه كان بفاس في القرن الرابع الهجري مدرسة طبية، ويذكر (الدكتور رينو) في بحث نشره (معهد الدروس العليا ص 42)، أنه لا يمكن الفصل بين دراسة الطب في المغرب ودراسة حياة العلماء الذين أنجبتهم الأندلس أو تكونوا في مدارسها ثم صاروا في أعقاب ملوك المغرب من إشبيلية أو قرطبة أو فاس أو مراكش أو أغمات، فللمغرب الحق إذا تبنى ابن باجة وابن طفيل وابن رشد.

ولعل أشهر طبيب مغربي هو أبو العلاء بن زهر المتوفى سنة 503 ذلك العبقري الكبير الذي ألف كتباً مهمة في الطب واكتشف عدة علاجات لكثير من الأمراض، ومن أشهرهم أيضاً أبو جعفر الذهبي نقيب الطلبة الأطباء في عهد الموحدين وأبو بكر بن بقي السلامي، وأبو الحجاج يوسف بن فتوح القرشي المتوفى سنة 561 كما في الصلة، ومعاصره أبو العباس أحمد القيسي الإشبيلي، وتطور علم الطب في المغرب سواء في الجراحات أو في التمريض والمستشفيات أو في الصيدلة، وكان هناك اختصاصيون في المستشفيات سواء في الجراحة أو في الجبر أو في التمريض، كما كانت تقسم يمين (بقراط) يحلفها الأطباء ويلتزمون بالإخلاص للمهنة وحفظ أسرارها.

وكان علم الطب مشاعاً بين طبقة من الفقهاء والمحدثين والأدباء وذكر مؤلف نيل الابتهاج ص 353 أن الإمام السنوسي شارح البخاري له شرح على رجز ابن سينا في الطب، وله شرح كبير على الكوفية في الفرائض والحساب وكتب الطفيل أرجوزة طويلة في الطب توجد نسخة منها خطية بخزانة القرويين بفاس.

ومن خلال هذه الأرجوزة نتعرف على مدى سعة ابن طفيل بعلم الطب وعلى معرفته بلغة الإغريق، وذكر (رينو) في كتابه "الطب القديم بالمغرب" أن علم الطب كان يدرس في جامعة القرويين بواسطة كتب أبقراط وجالينوس ولم يكن يدرس الطب رسمياً إلا دروس يلقيها بعض الأطباء في جوامع العاصمة، وفي بعض مدن المغرب كسلا التي كانت بها مدرسة يدرس يها الطب.

علم الكلام

أما علم الكلام فلم يكن دأب المغاربة الاشتغال بالجدليات إلا أن الفواطم هم أول من مزج العقائد بالفلسفة فاشتغل المغاربة في عهدهم بذلك، ولما نقلوا حاضرة ملكهم إلى القاهرة نسخ مذهب الشيعة من المغرب، ثم لما جاء الموحدون أذاعوا مذهب الأشعري لأن ابن تومرت كان يغترف من معينة ويسلم أكثره وترك ابن تومرت (المرشدة) المشهورة ككتاب دراسي، وكان من أعلام هذا الفن أبو الحسن علي بن أحمد خليد الأندلسي الإشبيلي المتوفى سنة 567، جاء في الصلة أنه علم الأصول والكلام بفاس، كما أن من مشاهير هذا العلم أبو عثمان السلالجي الذي يلقب بمنقذ أهل فاس من التجسيم كما في الجذوة، ومن أعلام علم الكلام أبو الحسن علي بن محمد الخزرجي الفاسي المعروف بابن الحصار المتوفى سنة 611 مؤلف البيان في تنقيح البرهان المترجم في التكلمة، ومنهم أبو الحجاج يوسف عبد الصمد الفاسي المعروف بابن غني المتوفى سنة 614، ودرسوا هذا الفن من بعد كتاب شعب الإيمان للقصري كما في التكملة، وقد تابع علماء فاس دراسة التوحيد والعقائد على المذهب الأشعري فنظموا وشرحوا كثيراً في هذا الميدان.

مراكز الثقافة المغربية

كانت الدراسة مركزة بجامع القرويين في العصر الموحدي(1) بدليل ما ورد في ترجمة أحمد بن عبد الصمد بن أبي عبيدة الأنصاري الخزرجي القرطبي ثم الفاسي مستوطنها المتوفى سنة 582 قال في الديباج : > ولما قدم مدينة فاس أُلزم إسماع الحديث والتكلم على معانيه بجامع القرويين واستمر على ذلك صابراً محتسباً ونفع اللَّه به خلقاً كثيراً < أما النص الثاني فتقرأه عن أبي الحجاج يوسف بن عبد الصمد بن يوسف الفاسي الذي جاء في أثناء ترجمته من الجذوة (ثم عاد إلى بلده عام ثلاثة عشر وقعد للإقراء بعد عوده في شرقي جامع القرويين إلى أن توفي في الثاني من شهر رجب عام أربعة عشر وستمائة).

ومن مظاهر جامعية فاس الموحدية ارتفاع عدد الرحالين إليها لأخذ العلم بها عما كان عليه الحال في العهد المرابطي. ففي ترجمة عبد اللَّه بن محمد بن علي الحجري المري المتوفى سنة 589 : أنه خرج من المرية بعد تغلب الروم عليها وأجاز البحر إلى مدينة فاس وأقام بها مدة، وبَعُدَ صيته وعلا ذكره فكان الناس يرحلون للسماع عليه وفي ترجمة عبد الرحمن بن يوسف بن الحسن الفاسي المتوفى عام 612 كانت تشد إليه الرحال لأخذ مذهب مالك.

ومن الأندلسيين الراحلين للدراسة بفاس الموحدية : عبد الحق بن خليل ابن اسماعيل السكوني، أخذ النحو بها عن أبي بكر بن طاهر وعلم الكلام وأصول الفقه عن أبي عمر وعثمان بن عبد اللَّه السلالجي ثم عاد إلى الأندلس وعبد الرحمن بن القاسم بن عفير الأموي الإشبيلي المتوفى سنة 580 هـ سمع بها "كتاب الشهاب" على أبي الحسن بن حنين سنة 568 هـ.

وعبد اللَّـه بن باديس بن عبد اللَّه اليحصبي الشقري المتوفى سنة 522 هـ لقي بها أبي الحاج من أهل علم الكلام وأصول الفقه فأخذ عنه.

وأحمد بن عمر بن إبراهيم من عمر الأنصاري القرطبي المتوفى عام 626 هـ لقى بها أبا القاسم عبد الرحمن بن عيسى بن الملجوم الازدي وسمع الحديث.

ومحمد بن علي بن يوسف الأنصاري الغرناطي المعروف بالطراز المتوفى عام 645 هـ، سمي في الجذوة ستة من بينهم اثنان انتفع بهم في الكلام وأصول الفقه.

وذكر في المعجم أنه انقطع إلى أمير المؤمنين يوسف من الجزيرة من أهل كل علم فحوله حتى اشتبهت حضرته حضرة بني العباس في صدر دولتهم واجتمع له ولابنه من أعيان الكتاب وفرسان البلاغة ما لم يتفق اجتماعه في عصر من الاعصار، وذكر في أيام ابنه على أنه لم يزل أول إمارته يستدعي أعيان الكتاب من جزيرة الأندلس وصرف عنايته إلى ذلك حتى اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك كأبي القاسم بن الجد أحد رجال البلاغة وأبي بكر محمد بن المعروف بابن القبطرنة وأبي عبد اللَّه محمد بن أبي الخصال وأخيه مروان وأبي محمد بن عبد المجيد بن عبدون وغيرهم كثير.

إلا أن الحظوة عنده كانت لعلم الفروع حتى نسى النظر في كتاب اللَّه وسنة رسوله ودان أهل ذلك الزمان بنقد من ظهر منه الخوض في علم الكلام، ولعل هذا هو السبب في إهمال العلوم النظرية، كما أنه من الأسباب في عدم تأثر أهل المغرب بالثقافة الأندلسية كما يجب، حتى أن المهدي لما قدم إلى المغرب وجده خالياً من العلم النظرية ولم يقدر علماء فاس ولا علماء مراكش على مناظرته، ولم يكن فيهم من يعرف ما يقول إلا مالك بن وهيب الفاسي كما ذكر في المعجب، ولكنه لما استقرت أقدام الدولة الموحدية شجع ملوكها العلوم وكان على باب عبد المومن طائفة من الشعراء المجيدين فيهم محمد بن حبوس الفاسي، وكان هو نفسه من المجيدين وقد أورد له في المعجب أبياتاً قيمة في استنفار المجاهدين وكان ولده يوسف من الطامحين إلى دراسة الفلسفة وجمع كتبها، واتصل بأبي بكر بن طفيل وابن رشد كما هو معروف وكان ابنه يعقوب يحمل الناس على الاجتهاد المطلق والاستقلال بالنظر في الكتاب والسنة ويأمر بإحراق كتب الفروع، وكان ابنه المأمون علامة أدبياً بليغاً إلى آخر ما هو معلوم في شأنهم.

القرويين في عهد المرينيين

لقد جمد أسلوب التعليم في أول العصر المريني وأصبح كما عبّر عنه ابن خلدون بقوله : > وقد انقطع لهذا العهد تخريج شيء من الأحاديث واستدراكها على المتقدمين، وإنما تصرف العناية لهذا العهد إلى تصحيح الأمهات المكتوبة وضبطها بالرواية عن مصنفيها.

وخمدت الحركة الفكرية والحرة التي بثها الموحدون ولم تبق منها إلا بقايا ضئيلة محفوظة عند بعض العلماء المبثوثين في عدة مدن من الذين تسلسل فيهم النبوغ المغربي كالحضرمي وابن خلدون وابن الخطيب وغيرهم، على أنهم بلغوا القمة في الشروح والحواشي الفقهية، وكان من نبغاء علماء الإسلام في هذا العصر العبدوسي وابن الصباغ الذي أملى في حديث أبي عمير أربعمائة فائدة، وصرف العلماء في هذا العصر همتهم إلى (التلخيصات والاختصارات) وقد وفقوا في بعضها ولم يوفقوا في بعضها الآخر، ولعل من أهم المحاولات ما كتبه ابن آجروم في ذلك المختصر الصغير لدراسة النحو العربي، وكتابه يعتبر تجربة للتبسيط والاختصار والأخذ بمختلف المذاهب النحوية، فلم يتقيد بمدرسة البصرة أو الكوفة فهو يرى الإعراب معنوياً على عادة الكوفيين وقسمه إلى أربعة أقسام منها الجزم على طريقة البصريين.

على أن أهم علم نبغ فيه المغاربة هو علم القراءات فقد اشتغلوا به وأتقنوه، ويقول عنه الدكتور العزيز الأهواني، بل هذا هو الميدان الوحيد الذي سيطر عليه المغاربة سيطرة تامة.

ولعل عناية العلماء المغاربة بالفقه فاقت العناية بأي علم وأصبح مختصر خليل هو المدونة الجديدة التي يعذب الكلام في حلِّ رموزه، وقد أدخل مختصر خليل ابن اسحاق المالكي المتوفى سنة 767 هـ. إلى فاس الفقيه محمد الفتوح التلمساني المتوفى سنة 818 بمكناس، وكتبت عليه عشرات الشروح والحواشي والتعليقات واستنبطت منه الفتاوى والأحكام، كما يبدو في تأليف المفتين بهذا العصر، وأصبح كتاب (العمل الفاسي) للزقاق الفقه الرسمي في افريقيا الشمالية كلها، واخذ القرشي نفس الطريقة عن الزقاق، ورغم أن الثقافة المغربية الإسلامية اجتازت عدة قرون فلا نجد محاولات في تغيير الأساليب والمناهج إلا ما يلاحظ من شدة الإقبال على العلم ونشاط بعض فروع المعرفة، ولدينا وثيقة مهمة جداً عن سير الدراسة وبرامج التعليم ومناهجه في القرويين على عهد الوطاسيين وهي (الرسالة المجازة في معرفة الإجازة) التي ألفها الصوفي المغربي الكبير أبو الحسن علي بن ميمون المولود سنة (854 هـ) الذي درس بفاس سنة (887 هـ)، ويذكر المؤلف أنه أقام بفاس أيام الوطاسيين ذاكراً أنه أقام بفاس بقصد الدراسة في القرويين طيلة أربعة عشرة سنة، حيث أقام في بعض مدارسها ثم خرج قاصداً الحجاز وجال في الشام واستوطن في الأخير مدينة بورصة بتركيا، وكان صوفياً سنياً واشتهر بهذه السيرة وهذا المذهب وتصدى للرد على خصومه في عصره، ثم رجع إلى الشام حيث توفي بها سنة (917 هـ) وترك مؤلفات أهمها "الرسالة المجازة" وكتاب "بيان غربة الإسلام" وهي في الرد على مفتقرة أهل مصر والشام.

ويظهر من هذه الرسالة أن العلوم الشائعة في هذا العهد بالقرويين هي الفقه المالكي والحديث والتفسير والنحو والفرائض والحساب والتوقيت والتعديل والتوحيد والمنطق والبيان والطب وباقي العلوم العقلية، وأن الدراسة كانت تعتمد على حفظ النصوص، ولا يقدرون من الطلبة والأساتذة من لا يحفظ النصوص، وكان شعارهم (من لم يحفظ النص فهو لص)، ويروي مؤلف السلوة عن هذه الرسالة التي اقتطف شذرات منها بأن مؤلفها ابن ميمون جال في تلمسان وبجاية وتونس والحجاز ومصر فلم ير في علماء هذه المدن وأشياخها من يصل إلى درجة علماء (مدينة فاس)، ويستفاد من هذه الرسالة بأن التلميذ قبل الدخول إلى القرويين كان لابد أن يكون حافظاً للقرآن والرسم والتجويد حافظاً المصنفات والمنظومات وهي ذلك منظومة في الفرائض والحساب ورسالة أبي زيد القيرواني.

وكان الشروع في الدراسة يبتدئ من الفجر إلى ما بعد العشاء، ويذكر ابن ميمون أنه كان يشرع في وقت مبكر ولا يستطيع العودة إلى المدرسة لتناول الغذاء، بل لا يتناول إلا وجبة العشاء فقط، وكان الأسلوب المتبع في درس الحديث هو النقل الغزير ودراسة رواية العلماء وانسابهم مع ضبط المتن لغوياً ونحوياً وفقهياً واشتهر كتاب الجزولي على الرسالة في الفقه أما المدونة فكانت تدرس بالنقل الكثير من كلام مشايخ المدونة من أولهم إلى آخرهم، وكان التجويد بالمدخل للإمام الجرومي المصمودي والفقيه ابن مالك.

وقبل وقت العصر كان الطلاب ينصرفون عادة إلى خزانة الكتب(1) حيث يطالعون الكتب التي يوزعها عليهم الوكيل، ويذكر المؤلف أن الخزائن بفاس لدى عهد كانت ثلاثة تشتمل على كتب كثيرة لا تكاد تحصى.

أما الحساب والفرائض فكانا يعلمان يوم الخميس والجمعة، وهكذا يقضي الطلبة أيامهم الدراسية إلى أن يحصلوا على العلم الوافر ويصبحوا في عداد الأساتذة(2).

ويتكلم الوزان الفاسي المعروف بليون الإفريقي الذي كان حياً سنة (964 هـ) في كتابه وصف إفريقيا عن كيفية التعليم بفاس ذاكراً أنه توجد بفاس (في عصره) مائتا مدرسة لتعليم الأطفال وهي عبارة عن قاعات واسعة داخلها محاط بالدكاكين لجلوس التلاميذ، والمعلم يعلم القراءة والكتابة على ألواح واسعة يكتب التلاميذ فيها جزءاً من القرآن في كل يوم ويسيرون على ذلك فيختمون القرآن في سنتين أو ثلاثة ويعيدون ختمه مرات عديدة حتى يحفظونه عن ظهر قلب وأقصى ما يقضون في ذلك سبع سنين ويتعلمون مع ذلك مبادئ قواعد الرسم، ويدرسون هذا الفن بسائر المدارس العلمية مع النحو وله نظامه وأجرة المعلم طفيفة وإذا ختمه أقام الأب حفلة لابنه حيث يأتي راكباً على جواد رفيع (يعيره من عامل المدينة) بسلاحه الثمين (إلى آخر ما وصفه من حفلات الكتاب كحفلة عيد المولد مثلا)، والتعليم الثانوي يكون في المسجد ويمكث الطلبة الآفاقيون.

عصر السعديين

كان الأطفال في الكتاتيب يحفظون القرآن والمتون، ويتعلمون الصناعات اليدوية بالنسبة لبعض الأقاليم، وكان من عادة سكان تطوان وبقي ذلك إلى وقت متأخر، أن يعفى الطفل بعد حفظ القرآن من مزاولة الدرس ليتعلم حرفة من الحرف، ويرجع ذلك لأسباب اجتماعية أشار إليها مؤرخ تطوان محمد داود في كتابه (تاريخ تطوان) أما التعليم العام المهتم بالدراسة الدينية فكان يلقى بالمساجد في حلقات تجمع الطلبة والعمال والصناع ليرفعوا عن أنفسهم عار الجهالة بأمور الدنيا والدين، وكان بالقرويين كرسي خاص بذلك ويعتبر ولاية كبرى، زيادة على الحلقات المتعددة لتعليم مختلف العلوم وكان من أصحاب هذا الكرسي الونشريسي قاضي فاس ومفتيها وصاحب التدريس بالقرويين المتوفى سنة 955 هـ ، كما كان من هؤلاء محمد بن إدريس العراقي الذي انتصب أيضاً لتدريس كتاب سيبويه على الكرسي الخاص بمن يدرس النحو (توفي سنة 1142) وقد ألف رسائل كثيرة في النحو. واعتمد المربون في تعليمهم على الذاكرة، فكان التعليم يرتكز على الحفظ، ولذلك اشتهر العلماء بقوة الحافظة ومن هؤلاء محمد الرقادي بن أحمد المدعو القيوم بن عمر الكنتي الذي كان يحفظ ألف مجلد، وكان الجزولي يحفظ فرعي ابن الحاجب والمدونة، وقد رحل في القرن العاشر علي بن ميمون لتلمسان وبجاية وتونس والشام والحجاز وقال مقارناً بين علماء القرويين وعلماء غيرها :

> ما رأيت في سائر المغرب لا في مدينة تلمسان ولا بجاية، ولا تونس ولا إقليم الشام بأسره، ولا بلاد الحجاز، فإني (رأيت ذلك كله بالمشاهدة) ولا بمصر على ما تقرر عندي من العلم اليقين بمشاهدة أناس من أهلها، وبرؤيتي لبعض كتب أرباب الوقت، ما رأيت مثل فاس، ومثل علمائها في حفظ ظاهر الشرع العزيز بالقول والفعل، وهذا الحفظ لنصوص إمامهم الإمام مالك وحفظ سائر العلوم الظاهرة، من الفقه والحديث والتفسير وحفظ نصوص كل علم مثل النحو والفرائض والحساب والتوقيت، والتعديل والتوحيد والمنطق، والبيان والطب، وسائر العلوم العقلية، ثم لابد فيه عندهم من حفظ نص ذلك الفن، ومن لم يستحضر النص عن مسألة ما في علم العلوم لا يلتفت إلى كلامه، ولا يعبأ به، ولا يحسبونه من طلبة العلم ويحدثنا (اكيسار) وهو بلجيكي زار فاس سنة 1540م، (في عهد السلطان أحمد الأعرج السعدي الذي حكم سنة 548 هـ)، وكتب مذكرات عن وصف فاس، والقرويين التي أمها، وقرأ بها، وتعرف على حياة طلابها ومدرسيها، وعلى أساليبهم التربوية وطرائقهم التعليمية وعن العلوم المتدارسة بها فيذكر منها : التفسير، الحديث، الأصول، الحساب، التنجيم، الكلام، التصوف، اللغة، التصريف، التوحيد، التاريخ والجغرافيا، الطب، القضاء، الأدب.

ويعتمد المؤرخون لتاريخ الحركة الفكرية في هذا العصر على عدة مصادر، منها كتب الفقه كالمعيار للونشريسي، ومعيار الوزاني، وكتب التاريخ كدرة الحجال لابن القاضي، ومناهل الصفا، للقشتالي، والنزهة لليفرني، وكتب الرحلات كمحاضرة اليوسي، ورحلة العياشي، وكتب التراجم، كمرآة المحاسن للفاسي، والدرر المرصعة، ونشر المثاني، والدر الثمين لميارة، وفهارس العلوم كالقانون لليوسي والأقنوم لعبد الرحمن الفاسي.

وتقاسم الدلائيون والناصريون النفوذ العلمي في عدة أقاليم مغربية وفي البادية بصفة خاصة، وظهر الدرقاويون في الأطلس، بغزارة علم الشيخ ابن عبد السلام الذي أبدى ضلاعة في الفقه، سلم له بها زعيم فقهاء المغرب أبو عبد اللَّه السطي، وقد اعترف الفقيه القباب لاهل تونس بالملكة والتصرف، وانتقد طريقة المغاربة الفاسيين التي قوامها حفظ النصوص، وإبقاؤها على ما هي عليه.

والذي يهمنا من خلال هذا العرض هو معرفة المنهج والأسلوب المنتقد وهو منهج يقوم على الحفظ وعدم تكوين الملكة بل إن ابن خلدون يذكر في الفصل الثاني من الباب السادس المعنون بأن (تعليم العلم من جملة الصنائع) فيذكر بأن الحذق في العلم والتفنن فيه إنما بحصول ملكة في الإحاطة بمادته وقواعده والوقوف على مسائله واستنباط فروعه من أصوله، وأن سند تعليم العلم (في عهد ابن خلدون) كاد أن ينقطع عن أهل المغرب لأن أيسر طرق تكوين المكلة هي فتق اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلمية، أما أهل المغرب (في عهده) فعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة فلا يحصلون على طائل وتنقصهم ملكة التصرف في العلم والتعليم.

كما يلاحظ أن المدة المعينة لسكنى طلبة العلم بالمدارس في المغرب ست عشرة سنة وهي في تونس خمس سنين وإنما طال أمدها في المغرب بسبب عدم الجودة في التعليم خاصة لا ما سوى ذلك، ويعرض ابن خلدون أثناء ملاحظاته لأساتذة البيداغوجيا في تاريخ المغرب، فيذكر أبا القاسم ابن زيتون في أواسط المائة السابعة الذي نقل أسلوب التعليم في الشرق إلى تونس وبعده أبو عبد اللَّه بن شعيب الدكالي الذي نقل الأسلوب الشرقي إلى تونس كما ذكر أبو علي ناصر الدين المشدالي الزواوي من رجالات المغرب في أواخر المائة السابعة الذي حمل إلى المغرب الدراسات الفقهية.

عصر العلويين

حاول السلطان محمد بن عبد اللَّه (1171-1134 هـ) أن يصلح المناهج الدراسية، وينتقي الكتب التعليمية على أساس دعوته الإسلامية إلى العودة إلى الكتاب والسنة، وأصدر مرسوماً بذلك جاءت تفاصيله في كتاب "مفاخر الدولة العلوية" للمؤرخ عبد الرحمن بن زيدان وتنحصر دعوته الإصلاحية في الرجوع إلى الكتاب والسنة، ومناقشة النصوص وضبط الغريب وبيان للشكل، والابتعاد عن الخوض في علم الكلام والمنطق والفلسفة، وكتب غلاة الصوفية وكتب القصص (لأنه لا يتعاطى ذلك إلا الذين لا يدرون أنهم لا يدرون) وعدم العناية بالأصول لأنه علم فرع منه، وقد دون الفقهاء المدونات، ولم يبق اجتهاد، وألف هذا الملك المعلم كتاباً في الحديث : "الفتوحات الإلهية" وكان الهدف من تكوين لجنة إصلاح البرامج والكتب، تطوير التعليم من الحرفية والحفظ إلى تكوين (الملكة)، واختيار الكتب الصالحة، وتأليف كتب لمختلف المواد وشرح كتب أخرى، وكان هدفه إصلاح التعليم المغربي، وإخراج الأسلوب الدراسي من الجمود والحرفية إلى تربية الملكة والقدرة على التصرف في المعلومات، ويعتبر مرسومه أقدم وثيقة في إصلاح التعليم في هذا العصر، وكانت له مجالس خاصة، وندوات للمذكرات والتأليف، وحسب ما ذكره (الزياني) في تاريخه، فقد كانت هذه المجالس تضم نخبة المفكرين في عصره كالغربي وابن المسير وأبو خريص وابن عمرو والمنجرة، وابن عثمان وذكر (اكنسوس) أن هذه الندوات كانت يناقش فيها الحديث، والسير، والأخبار وضروب من الفنون الأدبية، ولخص المؤرخ ابن زيدان عن الفقيه التاودي ابن سودة مرسوم إصلاح القرويين في هذا العصر، مفصلاً العلوم المقترح دراستها، والكتب المنتقاة وطريقة الدراسة، ولم يكن يجرى امتحان على الطلبة بل كان العلماء يجيزون طلابهم، وكان المولى عبد الرحمن ينظم حفلاً بحضور الأساتذة والطلاب... ويسأل الممتحنين فإذا توفق عين في الطبقة الرابعة من العلماء. وكان المولى إسماعيل لاحظ جهل بعض رجال القضاء بالدين فأمر بعضهم ممن امتحنوا وظهر جهلهم كما في الدرر الفاخرة لابن زيدان ص 127.

وحافظ المولى سليمان من بعده على الإصلاحات التي جاء بها والده مركزاً (السلفية) ومشجعاً حركة التأليف المغربي، ثم تابــع عملــه بعده المولى عبد الرحمن.

وبدأت منذ عصر المولى عبد الرحمن بن هشام حركة التعليم والدعوة للدراسة العلمية، ودراسة العلوم والرياضيات والفيزياء، التي ازدهرت في أوربا بعد عصر النهضة الصناعية، فقد شعر المغرب بأن تطور أوربا الصناعية تواكبه نهضة علمية يحسن به أن يقتبس منها، فاشتغل (وهو من علماء عهد المولى عبد الرحمن ابن هشام) (بالترجمة والفلك)، وألزم المولى عبد الرحمن بعض علماء عصره بإقراء علوم التنجيم التي كادت معالمها أن تدرس، كما ألزم بدراسة الرياضات والفلك وأنشأ مدرسة المهندسين بفاس سنة 1844 كما في المجلة الأسبوعية (المجلد 10)، واختار من مكناس طلبة من خلف جيش البخاري ليتعلموا الحساب، ووجه جيش البخاري لدراسة الهندسة.

وكان السلطان محمد الرابع أكثر إحساساً بخطر أوربا، وضرورة مقاومتها بسلاح العلوم الحديثة التقنية، فشجع دراسة الحساب والعلوم والهندسة والتنجيم والجغرافيا والفنون العسكرية، كما جلب المجاهر والساعات الفلكية إلى المغرب، وقد ترجم (محمد الرابع) كتاب "نيوتن" في الفلك بمساعدة ترجمان إنجليزي مسلم، وترجم كتاب "لالاند" في علم الفك، ووجه بعثة من طلاب الجيش بالصويرة لدراسة الرياضيات والهندسة بأوربا، كما وجه بعثاث إلى مصر أيام (سعيد باشا) و(إسماعيل باشا).

على أن السلطان الحسن الأول كان يرى أن الخطر الاستعماري الذي أحدق بالمغرب لا يمكن استئصاله إلا بتكوين قوة علمية لمواجهة التهديد الاستعماري، وبطريقة ذكية وجه بعثات إلى مختلف الدول الأوربية لتستفيد من التقدم العلمي المزدهر بها، وقد أنشأ مدرسة (دولية بطنجة) تستمر الدراسة بها خمس سنين للمواد الآتية : الحساب والهندسة والجغرافية والتنجيم واللغة الأجنبية (كما ذكر ابن زيدان في الإتحاف) وبعدها يتوجه الطلاب إلى أوربا لاستكمال دراستهم، ونظراً للرغبة الملحة في تكوين مستعجل لطلاب يقاومون الغزو الاستعماري، فقد اهتم الحسن الأول بدراسة المدفعية والهندسة، ووجه بعثاث كبرى إلى مصر وأخرى إلى إنجلترا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبروسيا وبلجيكا. وجاءت تفاصيل عن الدراسة التمهيدية لهؤلاء بطنجة، وطريقة إرسالهم على يد القناصل والمترجمين، والمنح المخصصة لهم وتقارير عن سير تعلم الدراسة، فيما كتبه ابن زيدان (وجان كايبي) مجلة اسبريس (1964 مجلد 31) ومذكرات الحسن الزعري (أحد طلاب البعثة الحسنية بإيطاليا) ورفيق الملك فؤاد في المدرسة الملكية الدولية الإيطالية.

وفيما يخص إصلاح التعليم نظمت بعثاث إلى خارج المغرب لمختلف الدولة الأوربية كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وإنجلترا، في عهد السلطان المولى الحسن والسلطان المولى عبد العزيز، وقد تخرج من المعاهد الغربية كثير من الطلاب نذكر منهم : الجباص والأودبي، وشهبون الجغرافيان، والعلمي الطبيب، ولكن معظم طلاب هذه البعثة لم تساعدهم الظروف على نشر معارفهم وإفادة أمتهم.

القرويين في عهد الحماية الفرنسية

اعتبر الفرنسيون القرويين مركزاً للمقاومة الاستعمارية وقال عنها ليوطي (إنها البيت المظلم) وقد يكون في تصورهم أن ظلامها يحجب عن المغاربة أهدافهم الاستعمارية، ولهذا أنشأوا مدارس للتعليم العصري وهي في الواقع لتكريس أغراضهم وأهدافهم فيما ظلوا يقاومون الإصلاح التربوي والتعليمي بالقرويين.

وهكذا انتظم التعليم في عهد الحماية الفرنسية في ثلاثة أقسام :

(الأول) الفرنسي الذي أقام التعليم على التقنية والارتباط بالحضارة الفرنسية في الجنوب والحضارة الإسبانية في الشمال، وتفتيت الشخصية المغربية المحافظة على الإسلام وعروبة اللغة.

(الثاني) التعليم الوطني الذي نشر في مدارس التعليم الحر المعرب لمقاومة الفرنسية، وتقوية الشخصية المغربية المحافظة على الإسلام وعروبة اللغة.

(الثالث) التعليم الديني تركز في جامعة القرويين العتيقة، فصدر ظهير لإصلاح برامجها ومناهجها وتقرير مصير المتخرجين منها في عهد السلطان المولى يوسف في 22 ربيع الثاني 1333 موافق 9 مارس 1915م.

ولقد وقعت إصلاحات وتحسينات في جامعة القرويين منذ تأسسها، وفي مختلف العصور، وبمجرد اعتلاء المولى يوسف بن الحسن توجه لإصلاح الحالة العلمية بالكلية القروية، والنظر في سد الخلل الذي كان تسرب إليها، والفحص بتدقيق في المراتب العلمية وتنقيحها.

ولم تكن الدراسات الإسلامية في هذه المرحلة التاريخية من المعاناة في مستوى قوتها وقدراتها على العطاء بقدر ما كانت مصلا واقياً دون أن تكون دواء ناجعاً، فقد كانت دراسات للمتون والشروح والتعليق والحواشي، ولم تكن دراسة لحياة الفكر وإبداعاته وملاحظة قضايا العصر ومشكلاته.

كانت دراسة العلوم الشرعية تعتمد في التعليم الابتدائي على (المرشد المعين) وهو كتاب ألفه أحد فقهاء فاس أحمد بن عاشر، يتضمن العقائد على الطريقة الأشعرية والعبادات على الفقه المالكي والتصوف بطريقة الجنيد، فكانوا يحفظونه ويتداولونه في المدارس الأولية، يشرح ميارة وغيره ثم يدرسون الفقه برسالة أبي زيد القيرواني التونسي، وهو كتاب فقهي متسع الدراسة الشرعية، وبالأخص في باب المعاملات، وقد شرح عدة شروح، وبعد الرسالة يدرس في التعليم العالي مختصر الشيخ خليل بشروحه المعروفة الدسوقي والخرشي، والزرقاتي، ويدرس الفقه التطبيقي في علم الفرائض والمواريث وعلم الوثائق، وبالأخص كتاب الزقاق والوثائق الفرعونية، وقد شاعت هذه الكتب في مختلف البلاد الإفريقية التي توحَّدت مذهباً مالكياً وعقيدة أشعرية وتصوفاً جنيدياً.

وإذا كان المغرب اعتاد أن يستفيد من حركة التاريخ، فقد اقتبس إبان فترة الحماية كل ما يناسب التطور عن الحضارة الفرنسية، فتعلم المغاربة اللغة الفرنسية بإتقان، ودخلوا الجامعات الفرنسية والإسبانية، فتخصصوا في عدة ميادين وبالأخص في الطب والهندسة والمحاماة والرياضيات.

لقد استفاد المغربي من التعليم الفرنسي والإسباني، بالرغم من أن الحماية في المغرب الشمالي والجنوبي فرضت على المغاربة تعليماً ضعيفاً لا يعتني باللغة الوطنية ولا بالحضارة المغربية، فقد تعددت المدارس وتنوعت حسب المصالح الأجنبية وكانت كما يلي :

ــ المدارس الفرنسية العربية لأبناء المسلمين.

ــ المدارس الفرنسية العربية لبنات المسلمين.

ــ المدارس التابعة للاتحاد الإسرائيلي لليهود المغاربة.

ــ المدارس الفرنسية البربرية.

ــ المدارس الفرنسية لأبناء الفرنسيين.

ــ المدارس الفرنسية لبنات المسلمين.

ــ المدارس القروية.

ــ المدارس الحضرية.

ــ المدارس الأصلية للبنين المسلمين.

ــ المدارس الأصلية للبنات المسلمات.

وهكذا تنوع التعليم، وتنوعت لغته،وفتتت الثقافة المغربية وتكونت عقلية غير منسجمة، وبزغ فجر الاستقلال فأجمعت الأمة المغربية على مبادئ أربعة للتعليم، وهي التعميم ـ التوحيد ـ التعريب ـ والمغربة.

أما بالنسبة للقرويين فقد خاض المغرب تجربة جديدة تختلف عن نظام الأزهر الشريف في مصر، وعن نظام جامع الزيتونة، وعن نظام النجف... فإذا كان الأزهر الشريف احتفظ بشخصيته ولم يندمج في التعليم العام، وإذا كانت الزيتونة اندمجت (في هذه المرحلة) في التعلم العام فإن (القرويين) ظلت محتفظة بأسلوبها التعليمي وانتظمت تحت الإشراف الإداري لوزارة التربية الوطنية.

وإشاعة لوظيفتها التربوية فقد أنشئت كليات ثلاث تابعة لها، كلية الشريعة بفاس وكلية أصول الدين بتطوان وكلية اللغة العربية بمراكش، وكلية الشريعة بأگادير، أما التعلم الثانوي والابتدائي فقد انتشر في أهم مدن المغرب وسمي بالتعليم الأصلي في أول الأمر ثم بالتعليم الأصيل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mathematiquecher.forumactif.com
عثمان
عضو جديد
عضو جديد
عثمان


عدد المساهمات : 8
نقاط : 52628
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 04/02/2010

جامعة القرويين Empty
مُساهمةموضوع: رد: جامعة القرويين   جامعة القرويين Dc3srhibiyuaw8ppyxj6الجمعة فبراير 12 2010, 13:45

شكرا جزيلا لك يا admin لقد اعجبني الموضوع الدي ارسلته الي عن جامعة القرويين جدا جدا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
جامعة القرويين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشرقاوي وافق :: المكتبة الشاملة للمنتدى :: مكتبة الكتب المتنوعة و الرائعة-
انتقل الى: