جامعة القرويين
إن استعمال كلمة جامعة للمؤسسة الدراسية الكبرى، هو إطلاق معاصر لم يعهد في القديم إذ كانت هذه المؤسسات تسمى "المسجد الجامع" أي الذي يجمع أهل المدينة أو "مسجد الجامع".
وهكذا أطلق اسم المسجد الكبير الذي يجمع المؤمنين والمعلمين على أكبر مؤسسة علمية، فقالوا جامع بغداد، وجامع دمشق وجامع الأزهر وجامع الزيتونة وجامع القرويين، أما المسجد فهو مكان الصلاة في الغالب، وقد تلقى فيه بعض الدروس الأولية أو الخاصة، كما قد يلقي فيه الأستاذ محاضراته إذا كان بجوار منزله.
والمسجد الجامع، تقام به صلاة الجمعة، وقد كان محفلاً لإعلان البيعة ولإخبار المؤمنين بأمر من الأمور لتشاع في الرأي العام، ولِيُبَلِّغ الشاهد الغائب.
وقد أُثير جدل أدبي في الثلاثينيات بين بعض المستشرقين المدرسين بمعهد الدراسة العليا بالرباط وبعض علماء الشباب حول كلمة كلية القرويين أو جامعة القرويين، وهو النعت الذي أصبح يطلق على القرويين. وكانت حجة المستشرقين أن القرويين لم تصبح مركزاً دراسياً مستقطباً للدراسات إلا في عهد بني مرين، وهو رأي لا تؤيده وظيفة الجامع في الإسلام، حيث كان مكاناً للصلاة وللتعليم معاً.
وقد خصّ المغاربة الجامع ببناءات إضافية بجانبه، كالمدرسة لإيواء الطلبة، والمرصد الفلكي، وخزانة الكتب والمسيد لتعليم الأطفال، ومقصورة القاضي.
ويطلق اليوم على جامع القرويين (جامعة القرويين) نظراً لوجود كليات تابعة لها على غرار الجامعات العصرية.
فجامعة القرويين تضم كلية أصول الدين بتطوان، وكلية اللغة العربية بمراكش، وكلية الشريعة بفاس وأگادير، وبذلك هيمنت على كلية ابن يوسف العتيقة بمراكش، وليتها ظلت كلية للفلسفة الإسلامية في بلد ابن طفيل وابن رشد وأبناء زهر.
ما قبل القرويين
الدراسة العلمية في المغرب قبل القرويين
كانت سجلماسة حاضرة علم قبل فاس بكثير، وفي الجزء الأول من كتاب الدرر البهية والجواهر النبوية ص 63 لأبي العلاء العلوي عن القاضي عياض في مداركه > أن أعلام سجلماسة من أخذ عن الإمام مالك بالمدينة ورجع إليها ودرس العلوم بها وبقيت مأوى الصالحين والعلماء والأمراء < ويقول بعد هذا النقل أن سجلماسة قاعدة بلاد المغرب قبل فاس، ودار الملك منذ عمرت قبل حلول الأدارسة الحسنيين بهذا القطر المغربي بقريب من أربعين سنة، وذلك عام أربعين ومائة (140) ولم يتقدم لأهلها كفر، ولم تزل من ذلك الوقت آهلة بالعلماء والصلحاء، وهي أول بلاد درس العلم بها في المغرب.
ونستطيع أن نتعرف من خلال تراجم العلماء المشهورين في هذا العصر على الثقافة الإسلامية ومكانتها، فمنهم أبو جيدة اليزغيني إمام المذهب ومؤلف وثائق الشافعية، المتوفى سنة 360، وجاء في جذوة الاقتباس (ص 121) وفي نيل الابتهاج وفي الغرباء أن أبا ميمونة دَرَّاس (نسبة لكثرة الدرس) من علماء مدينة فاس، أخذ عن أبي بكر اللباد، ورحل إلى المشرق وحج ولقى على بن أبي مطر بالإسكندرية ورجع إلى مسقط رأسه فاساً حيث توفي سنة سبعة وخمسين وثلاثمائة (357) وقد شد إليه الرحلة أبو زيد صاحب الرسالة الملقب بمالك الصغير وأخذ عنه، ودراس هو الذي أدخل فقه مالك إلى المغرب الذي كان الغالب على أهله مذهب الأوزاعي، وأعتقد أن دراس إنما دعم المذهب المالكي في المغرب، وإلا فقد نشره قبله من أعلام الفقه المغربي يحيى الليثي وسحنون في إفريقيا وزيادة بن عبد الرحمن في الأندلس.
وفي سلوة الأنفاس، (الجزء الثاني ص 176) في ترجمة دراس بن إسماعيل الفاسي من أهل مدينة فاس وممن أدخل مذهب مالك، رضي اللَّه عنه، بلاد المغرب وكان الغالب عليها في القديم مذهب الكوفيين، وسمي دراساً لكثرة دراسته للعلم وهو ممن تقدم عصره وشهر فضله، سمع من شيوخ بلده فاساً ورحل إلى المشرق فحج وجال في الأندلس وإفريقية ولقى جماعة من العلماء... روى الحديث وقرأ الفقه وسمع بإفريقيا عن أبي زيد وأبي الحسن القابسي وغيرهما، ودخل أيضاً الأندلس مجاهداً وطالباً وتردد بها في الثغر فسمع منه أبو الفرج عبدوس بن خلف بن أبي جعفر، وغير واحد. وقال عياض في (المدارك) أراه دخل بلدنا فقد حدث عنه أقوام من كبارهم وكان رحمه اللَّه على مذهب مالك وأصحابه. ولما وصل إلى القيروان شهد له حفاظ المغرب وأهل الفضل والدين بالإمامة، واطَّلَع الناس من حفظه على أمر عظيم حتى كان يقال : ليس في وقته أحفظ منه، وكان نزوله بها عند تفوقه على ابن أبي زيد وظهور علماء القيروان وشفوفه على كثير منهم. وقد قال أبو بكر المالكي : كان أبو ميمونة من الحفاظ المعدودين والأئمة المبرزين من أهل الفضل والدين. كما ترجم ابن الفرضي السجلماسي وترجم القاضـي عيــاض فــي المــدارك لأحمـد بـن خلـف المسيلـي المتوفـى بقرطبة سنة 393، وترجم في الديباج المذهب ص (92) لإبراهيم بن عثمان أبي القاسم الوزاني المتوفى سنة 346... ويذكر ابن الفرضي (150) ترجمة لأحمد بن الفتح الميلي المعروف بابن الحراز وإبراهيم بن عثمان أبو القاسم الوزان م 362. كما أن من علماء المغرب في هذه الحقبة أبو عمران الفاسي المتوفى سنة 430 هجرية، ومن أعلامها أيضاً عبد اللَّه بن محمد بن إبراهيم الأصيلي المنسوب إلى (أصيلا) وهو أحد أفراد أسرة علمية مشهورة، مالكي المذهب، له كتاب في اختلاف الأئمة (أي مالك والشافعي وأبي حنيفة) سماه "الدلائل على أمهات المسائل" توفي سنة 392 كما ذكر ابن الفرضي في تاريخ علماء الأندلس (ج الأول ص 208)، وفي الغرباء ونقلها ياقوت الحموي في معجم البلدان (ص 278) الجزء الأول.
كما أدخل المذهب المالكي إلى المغرب أبو عبد اللَّه محمد بن محمود الهواري قاضي فاس، المعلق على المدونة، المتوفى سنة 401 هـ.
الشخصية العلمية في القرويين
ولقد كانت الشخصية العلمية المغربية بارزة في القرويين في العصر الإدريسي، كما كان العلماء الذين يدرسون بالمغرب يرحلون إلى المشرق ليعطوا وليأخذوا، كما كان المذهب الفقهي وهو المذهب الاجتماعي في البلاد، وقد تبلور فيما كتبه أعلامه الذين احتفظوا بالأعراف والعوائد المكونة لشخصية البلاد فـي كتـب النوازل والأحكـام، وفـي كتـاب القاضـي عيـاض "أزهار الرياض" ما يدل على أن مدرسة فاس الفقهية كان لها أسلوب خاص في تحليل المدونة على طريقة خاصة تعتمد على المناقشات اللفظية وضبط الروايات وتصحيحها. وشاهد العصر الإدريسي ازدهاراً أدبياً كبيراً، وكان إدريس الثاني من شعراء عصره، ويذكر ابن الأبار آثاراً أدبية للقاسم بن إدريس، كما يذكر البكري قصائد لشعراء برابرة طوعوا اللغة العربية لتعابيرهم الشعرية. وفي كتاب "المسالك والممالك" قصائد للنكوري وسعيد بن هشام المصمودي وبكر بن حماد وغيرهم.
والواقع أن المذهب المالكي انتشر في المغرب كله، وفي حوض البحر المتوسط ووسط إفريقيا، نظراً لأن الفقهاء من الحجاج حملوه إلى المغرب عن طريق زيارتهم للحجاز، وكان الإمام يحيى الليثي من تلامذة الإمام مالك. وساعدت دواعي السياسة على انتشار مذهب مالك، وأهمها موقف الإمام مالك من بيعة العلويين، ومنها تردد المغاربة على مكة والمدينة معقل المذهب المالكي، وأيضاً لمرونة المذهب الأصولية المقرة للمصالح المرسلة، ولصلابته في الأحوال الشخصية... وقد ركز الأدارسة هذا المذهب وعززوه في المغرب بتوليتهم لتلميذ مالك وسفيان الثوري، محمد بن سعيد القيسي المالكي، كما ركزه في الأندلس يحيى الليثي حين ولي القضاء بها.
واستمر عصر الأدارسة نحو قرنين تقريباً، ولم تستقر البلاد أثناءه لعدم تمركز الحكومة مع اتساع رقعتها، مما أحدث تضعضعاً اقتصادياً... وكانت حدود الدولة تمتد حيناً إلى بلاد السنغال، وتتقلص أحياناً في قلعة حجر النسر ونواحي البصرة وطنجة... علاوة على الفتن المتوالية التي يوقدها أعداء الدولة من البرغواطيين والعبيديين والخوارج والأمويين والأندلسيين. ولهذا عانت دولة المولى إدريس الثاني أزمات مالية، ومع ذلك لم ترهق السكان بنفقات غير شرعية، واكتفت بالنصيب الشرعي، وعمل اليهود على إضعاف الخزينة بأساليبهم لأنهم كانوا يؤيدون الخلافة في بغداد ويعملون على تشويه سمعة الأدارسة... وقد طبع المولى إدريس عملة شرعية ضربت في مدينة فاس، تحتفظ باريس بقطعة منها في قسم المسكوكات بمعهد الآثار.
فاس مدينة القرويين
يذكر بعض المؤرخين العرب أن فاساً أصلها ساف مقلوبة، ويستأنس له بمجاورتها للأنهار، كما يستأنس له بوجود مدينة أخرى تسمى أسفي، فاللفظة من حيث مادة حروفها متقاربة ودالة على أصلها البربري القديم. ويرى بعض اللغويين أن اللغة البربرية تغير في الجمع شكل الكلمة، وتزيد النون في الآخر في جمع المذكر وجمع التكبير معاً، ويمثلون بذلك فأفوس الذي يجمع أفاسن، كما أن بعض المؤرخين العرب يرون أن للكلمة أصلاً إسلامياً ويروون في ذلك حديثاً لا مصدر لصحته.
وأصبحت فاس كما وصفها المراكشي > حاضرة المغرب وموقع العلم منه، اجتمع فيها علم القيروان وعلم قرطبة... وحل من هذه وهذه من فيهما من العلماء من كل طبقة فراراً من الفتنة، فنزل أكثرهم بفاس فهي اليوم على غاية الحضارة وأهلها في غاية الكيس والظرف ولغتهم أفصح اللغات في ذلك الإقليم. ومازلت أسمع المشائخ يدعونها بغداد المغرب... وعرفت فاس في عصورها الأولى مئات المساجد والمدارس والسقايات العمومية والحمامات ودور الوضوء... كما في زهرة الآس (ص 33).
وذكر گوستاف لوبون أن مدينة فاس كانت تزاحم بغداد في القرن العاشر الميلادي، فكان بها نصف مليون نسمة و 800 مسجد وخزانة حافلة بالمخطوطات اليونانية واللاتينية. ويذكر "هولوجي روسو" أنه اشترى من فاس مخطوطة نادرة من عشاريات (تتليف) حول التاريخ الروماني. وقد ذكر "دلفان" (ص 81) أن هذه الخزانة كانت تحتوي على 30.000 مجلد، وذكر "گودار" (المغرب 2 ص 376) أن يعقوب المريني استرجع من المسيحيين عدداً من المصنفات العربية وأهداها إلى القرويين، وذكر "ميلي" (الموحدين، ص 101) أن يعقوب الموحدي كانت له خزانة تضاهي مكتبة الخليفة الأموي الحكم الثاني، وفي عهد المولى زيدان السعدي اختلس قنصل فرنسي أربعة آلاف مخطوط عربي وباعها لإسبانيا، فكانت من نواة الإسكوريال.
ووصف "غابريال شارم" مدينة فاس بأنها أول مدينة مقدسة بعد مكة وأنها كانت مركز القوة العربية في عنفوان ازدهارها، والعاصمة الفكرية والروحية للمغرب الإسلامي، بفضل معاهدها الخالدة ومساجدها الماجدة، وذكر "مارسي" أن إفريقية نفسها، وهي الوطن العتيق لعلماء الإسلام، أصبحت تتتلمذ لبرابرة المغرب، وشبه علي باي العباسي هذه المدينة بأثينا لوفرة علمائها، ومعاهدها.
بناء القرويين
شرع في بناء القرويين (فاتح رمضان 245 هـ/ 30 نونبر 859 م) وعثر أخيراً على لوحة نحت عليها داود بن إدريس كمؤسس للقرويين، بينما تذكر المصادر التاريخية أن فاطمة الفهرية أو فاطمة الهوارية هي التي أسستها. وتألف المسجد أول الأمر من أربعة بلاطات ابتداء من القبلة، ولكل بلاط 12 قوسـاً مـن الشـرق إلـى الغـرب، ثـم فـي عهـد الأمير أحمد بن أبي بكر الزناتي، وبإعانة مالية من الخليفة الأموي عبد الرحمن الثالث، زيد في بناء القرويين فبلغت ثلاثة عشر اسكوباً وثمانية عشر بلاطاً، ونقلت الخطبة إليها. وفي عهد يوسف المرابطي أضاف القاضي عبد الحق بن معيشة زيادات أخرى فأصبحت القرويين تتألف من 16 اسكوباً و11 بلاطاً. ومنذ بنائها وهي مركز دراسي، يشرف على التعليم فيها قاضي العاصمة كما يشرف المفتي على القضايا الإحسانية والشرعية، وبنيت بجانب القرويين مدارس لإيواء الطلبة، من أقدمها في عهد المرابطين مدرسة الحلفاويين ومدرسة الصهريج، ثم مدرسة العطارين ومدرسة الوادي ومدرسة الخصة والمدرسة البوعنانية (المرينية)، كما بنيت بها خزائن علمية. وقد شابهت القرويين في بنائها مسجد قرطبة، لذلك كانت القبلة على السمت، ثم ظهر بعد تقدم علم الفلك ضبط السمت، ميل القبلة، فرسمت القبلة الصغيرة تشير إلى الانحراف، ووسع الزناتيون للقرويين فزادوا بها، ونقلوا الخطبة إليها وهدموا الصومعة الأولى وبنوا مكانها أخرى، ذات مائة درجة، وغشوا بابها الكبير بصفائح النحاس الأصفر سنة 345 هـ وجعلوا في أعلى الباب قبة صغيرة وضع في ذروتها تفافيح مموهة بالذهب في زج من حديد أثبت فيه سيف المولى إدريس، وتحت هذه قبة أخرى أكبر منها للمؤذنين. وفي المنارة بيت للمؤقت ورخامة شمسية وساعات رملية، وفي سنة 388 هـ صنع المظفر بن المنصور منبراً للقرويين من عود الأبنوس والعناب.
وعلـى غـــرار جامــع القرويــين بنــي جامـــع الأندلسيــين، وكـان فيـه 6 بلاطات وصحن صغيرة، وزاد فيه عامل الناصر الأموي الصومعة سنة 354 هـ ثم زيدت فيه إضافات أخرى... وما يزال البناء القديم في القرويين يحتفظ بالطابع القيرواني، وما تزال الصومعة القروية التي بنيت في عهد الزناتيين سنة 340 هـ تحتفظ بالشكل القيرواني أيضاً.
وقد استمد الأدارسة التصميمات الهندسية من الفن الأندلسي الذي يرجع للتأثير البيزنطي والقيرواني المتأثر بالقرطاجي، فكانت المدن تحاط بأسوار، وكانت المواد الأساسية في البناء هي الآجر والجبص والطوب والمرمر. ويوجد بتونس سور جراوى بالطوب يرجع لسنة 257 هـ كما أن رقادة المبنية سنة 294 هـ بنيت كذلك بالطوب. أما جامع القيروان فزين بالجبص والمرمر والآجر سنة 252 هـ.
وبعد قيام الفتنة بين أعقاب الأدارسة وبين الأندلسيين والفاطميين ازداد عدد الأبراج والأسوار المحيطة بالمدينة.
تطور الفن في بناء القرويين
كشف حديثاً عن الفن الأندلسي الذي كان يزين القرويين من جص مقربص ونقش بورقة الذهب، واللازورد، والأصبغة المتعددة من أزرق وأحمر، ومغرة صفراء من مح البيض الذهبي، وأشكال الزجاج المبلط بدهان كامد للتخفيف من حدة انعكاسات الإشعاع، كما كانت أشكال الزجاج في الشماسات التي بجوانب القبلة، ويذكر ابن أبي زرع ( ص 88 ج 1) أن الفقهاء والأشياخ خشوا أن ينتقد الموحدون هذا الفن فيحطموه، فنصب الحمامون على النقش والتذهيب الذي فوق المحراب وحوله بالكاغد، ثم لبسول عليه بالجص وطلى بالبياض.
وجهز المسجد (بمستودعات) لأموال الجامع وأمانات الناس، وحصنت بخشب الأرز، وصفحت بصفائح حديدية وبجانب القرويين دار للوضوء، بها خمسة عشر بيتاً مع طاق في سقف كل بيت للإنارة، وأنبوب نحاسي لصب الماء في نقير محفور من حجر، وأصغر منها دار الوضوء للنساء.
وفي الوسط صحن القرويين عامل سجلماسي بيلة حمراء ذات ثقوب نحاسية مموهة بالذهب.
وأقيمت العنزة سنة 688 هـ وهي محراب خشبي في الصحن تجلت فيها آيات الفن من دقة الخرط والنقش، كما صنعت السقاية المنمقة بالجص والحجر المنجور وأنواع الصبغة، وبجانب المحراب مقصورة بابها من خشب الأرز.
وبمسجد القرويين 300 سارية، عشرة منها من المرمر وهي متقاطعة متوازية في أساكيب، ووسطها الثريا التي كانت ناقوساً كبيراً غنمه المسلمون في إحدى غزواتهم، ونصبت بدقة بحيث ينظر منها جميع أبواب الجامع، وبه 21 بلاطاً و130 ثريا مختلفة الألوان والصناعات والمصادر.
وهكذا زخرت القرويين بروائع الفن المزدوج الأندلسي والمغربي الذي بلغ ذروته في القرن الخامس الهجري، فيه رقة ورشاقة الفن الأندلسي وهيبة ورزانة الحرف المغربية.
المدارس التابعة للقرويين
عندما ازدهرت الدراسة المركزية بفاس ومراكش ومكناس، بنيت عدة مدارس ملحقة بالمساجد لإيواء الطلبة، تحتوى على مرافق للسكنى والدراسة والمطالعة والصلاة مع تشجيع الدارسين على طلب العلم بالعطايا، وبذل المرتبات في كل شهر للعلماء.
ولم يكن ابن مرزوق مصيباً حين زعم أن أبا يوسف يعقوب المريني أول من أسس مدرسة الحلفاويين سنة 670، إذ الواقع أن بناء المدارس كان معروفاً قبل ذلك الوقت بكثير. ويظهر أنه اعتمد على ما ذكره بعض المؤرخين من أن المفضل العذري صاحب الشرطة والحبسة هو أول من سن بناء المدارس، وعلى يديه بنى يعقوب المريني المدرسة المذكورة. وذكر مؤلف القرطاس أن أول مدرسة عرفت بفاس هي مدرسة المرابطين، بناها واجاج بن زلو اللمطي.
وقد أدى هذا التشجيع للحركة العلمية أن توفرت البلاد على عدد كبير من المدارس، وتقدمت حركة التأليف والتدريس تقدماً مدهشاً رفع المغاربة إلى مصاف قادة الفكر في العالم الإسلامي، وبرز ذكاؤهم وتفننهم في سائر الفنون والمعارف من فلسفة وطب وعلوم لسانية ودينية.
وكان يوسف بن تاشفين المرابطي أسس بفاس مدرسة "الصابرين" التي سميت فيما بعد بمدرسة بومدين، وكان تأسيسها في أوائل القرن الخامس الذي شاهد انتصارات يوسف بن تاشفين المرابطي في الأندلس.
ومن أبرز مدارس المغرب في عهد المرابطين، كلية القرويين بفاس، ومدارس سبتة، ويذكر ابن الأبار عدة مدارس أخرى كانت بطنجة وأغمات وسجلماسة وتلمسان ومراكش. كانت هذه المدارس تأوي علم القيروان وثقافة الأندلس المشهورة، حيث نبغ فيها أعلام كبار، وتمتنت الصلات العلمية بين القرويين والأندلس فاستفادت الأندلس منها كثيراً إذ آوت قرطبة عدداً من الكتاب والأدباء، ترجم لمعظمهم الفتح ابن خاقان في كتابه : "قلائد العقيان"، وكان جلهم يحذقون لغات النصارى المجاورين لهم، ويترجمون عنهم، فتم النقل والترجمة من الحضارة المسيحية واللاتينية إلى اللغة العربية.
كما اشتهر في ميدان الشعر العربي فحول القريض، كإبراهيم بن خفاجة الذي تغنى بأمجاد المرابطين في قصائده، وظهر في ميدان الشعر العامي، المعبر عنه بالزجل، ابن قزمان المشهور بأغانيه الزجلية، كما ذاع في فن التواشيح اسم الشاعر الأعمى التطيلي، وأبو بكر بن الأبيض.
وتألق في عالم الفلسفة نجم مالك بن وهيب وزير علي بن يوسف، ونجم الفيلسوف أبي بكر بن باجة (ابن الصائغ) الذي مزج مذهب الشك اليوناني بالفلسفة الإسلامية، والفيلسوف ابن طفيل وفلاسفة مدرسته كالبطرورحي.
أما الطب، فقد اشتهر من بين رجاله أسرة أبناء زهر، والزهراوي عبد الملك...
وإذا كان جل هؤلاء الأعلام ممن درس بالأندلس ووفدوا على المغرب، فإن عبقريتهم عبقت في ربوعه، وتفتحت الهاماتهم تحت سمائه. بل أن كثيراً من علماء المغرب وأدبائه استوطن الأندلس في عصر المرابطين والموحدين من بعد، كزاوي بن مناد بن عطية الصنهاجي، وخلوف بن خلف اللَّه الصنهاجي قاضي غرناطة، وموسى بن حماد، وعبد الملك اللمتوني وغيرهم كثير من أعلام هذا العصر. ومنهم أبو بكر خلف المواق قاضي فاس مؤلف كتاب المكاييل والأوزان، توفي سنة 599، ومنهم أبو حسن علي الكتاني، محدث وحافظ وتلميذ للغزالي، ولد سنة 476 وتوفي سنة 569. ومنهم أبو خرز الأوربي، حافظ وفقيه ومدرس، توفي سنة 572، ومنهم ابن الرمانة محمد بن علي القلعي قاضي فاس، كان يميل إلى المذهب الشيعي، ولد سنة 478 وتوفي سنة 567، ومنهم الفيلسوف ابن الصائغ الذي شبهه أبو حيان بابن سينا، توفي سنة 533. ومنهم يوسف بن عبد الصمد بن يوسف بن علي، كان مؤرخاً وأصولياً يُدَرِّسُ بالقرويين سنة 613 بفاس، كما في الجذوة (والذخيرة السنية ص 83).
وهكذا شاهدت فاس في القرن الرابع الهجري نشاطاً ثقافياً وعلمياً وكانت، زيادة على الدراسة الإسلامية، مشهورة بدراسة العلوم البحتة، فقد جاء في كتاب طب الإنسان بالمغرب، لجورج ألو، أن في القرن الرابع الهجري كانت بفاس مدرسة طبية زاهرة.
الدراسة في القرويين
التعليم الأولي : ترك لنا القابسي المتوفى سنة 403 هـ، دراسة مهمة هي رسالته المفصلة لأحوال المعلمين والمتعلمين، والتي تعتبر وثيقة فريدة من نوعها، توضح لنا المناهج والأساليب التعليمية في إفريقيا، وقد أخرجها الدكتور الأهواني (سنة 1955) في كتابه عن (التربية في الإسلام) ومنها نعرف حالة الثقافة الإسلامية ومدى ازدهارها في عهد القابسي، أول من اعتنى جدياً بدراسة موضوع تربوي في الإسلام،إن مسكوية والغزالي وابن العربي وابن خلدون، الذين يعتبرون من رواد البيداغوجية العربية الإسلامية متأخرون عن القابسي، ولم يسبقه إلا محمد بن سحنون المتوفى سنة 256 برسالته الصغيرة عن آداب المعلمين التي اعتمدها القابسي ونقل فصولها في كتابه. ونستنتج من هذه الرسالة أن الطفل كان يذهب إلى الكتاب في السابعة من عمره غالباً بعد أن يكون قد تعلم عن أبيه في المنزل. ويرى الدكتور الأهواني أن السن لم تكن معينة بدقة بدليل قول ابن العربي في أحكام القرآن : >وللقوم في التعليم سيرة بديعة، وهي أن الصغير منهم إذا عقل بعثوه إلى الكتاب< وتنتهي حياة الطفل في الكتاب إذا بلغ سن الاحتلام في الغالب، ثم تبتدئ في حلقات المسجد، كما ذكر أحمد أمين في "ضحى الإسلام" أو إلى مدارس منظمة. وجاء في كتاب التربية عند العرب، لخليل طوطوح، أن التعليم عند العرب كان يمر في المراحل الآتية : المكتب، والجامع، ومجلس العلم والأدب، والمدرسة أو الكلية...
ولخص الدكتور الأهواني رسالة القابسي التي تصور حالة التعليم الأولي في القرن الرابع الهجري، حيث كان الصبي يبعث إلى الكتاب إذا عقل، وكانت هذه الكتاتيب منتشرة في أنحاء المدن والقرى، وقد تكون بجوار المساجد حيث يقوم عليها معلم يستأجر مكاناً للتعليم، وقد يشترك معلم أو أكثر في تعليم الكتاب حيث يعلمون الصبيان مقابل أجر زهيد أسبوعياً أو شهرياً أو سنوياً. وكانت هذه الكتاتيب لا تخضع لأية سلطة إدارية أو تفتيشية.
ويذهب الصبي مبكراً إلى الكتاب فيبدأ بحفظ القرآن ثم يتعلم الكتابة ثم يعود إلى المنزل، ثم يرجع بعد الظهر ويظل به إلى آخر النهار. ويختلف الأطفال إلى الكتاب طيلة أيام الأسبوع إلا يوم الخميس ظهراً، وسحابة يوم الجمعة، وربما قرأوا يوم الجمعة مساء في بعض المدن ليطوفوا مع الفقيه على المساجد لقراءة القرآن.
ويتعلم الصبي أثناء الدراسة قراءة القرآن والكتابة والنحو والعربية، وقد يتعلم الحساب والشعر وأخبار العرب إذا تطوع المعلم بذلك، على أن أهم ما يدرس هو حفظ القرآن على الطريقة الفردية أو الجماعية. ولكل صبي لوح يكتب فيه ما يحفظه، ويعاقب الصبيان الكسالى أو المتلاعبون بالتوبيخ والتهديد والضرب. وتنتهي مرحلة الحفظ بالختمة (الحدقة في بعض المدن) وعندئذ، إما أن ينقطع عن التعليم ويتجه إلى الصناعة، أو أن ينصرف إلى المسجد والمدرسة للتبحر في التعلم.
والقابسي إنما يصف حالة التعليم في عصره فيقر المستحسن منها على أساس شرعي، وينهى عن العوائد المذمومة ويبين مدى عدم جدواها، والجديد في رأي القابسي هو دعوته إلى التلعيم الإلزامي حسب التوجيه الإسلامي حيث أوجب تعليم الصبي من مال أبيه أو وصيه أو أحد أقاربه أو من مال المحبسين.
ولعل الصورة التي قدمها القابسي عن التعليم في القرن الرابع لم تختلف كثيراً عما بعدها من القرون، اللَّهم إلا في مظاهر شكلية حيث تم تطويرها نسبياً، وأصبح للمحتسب سلطان عليها ووافقت الأوقاف على بعضها.
وهذه الصورة التي يعرضها القابسي هي المتبعة في شمال إفريقيا، مع تغيير محلي تحدث عنه ابن خلدون بإسهاب. وكان هناك من رجال التربية من لا يرى ذلك، وينقل مؤلف الديباج في ترجمة القاضي أبي الوليد الباجي عن ابن العربي قوله في وصف التعليم بالأندلس :
> فكان الصبي عندهم إذا عقل، فإن سلكوا به أمثل طريقة لهم علموه كتاب اللَّه، فإذا حذقه نقلوه إلى الأدب، فإذا نهض منه حفظوه الموطأ، فإذا أتقنه نقله إلى المدونة، وفي كتاب الأحكام يصف حالة التعليم في الشرق فيرى رأي المشارقة في الأخذ بعدم حفظ القرآن حيث أنهم، أي المشارقة >يؤخرون حفظه ويبدأون باللغة والحديث، فربما كان الرجل إماماً وهو لا يحفظه وذلك لتعلموا أن المقصود حدوده لا حروفه <.
على أن ابن العربي كان منتقداً لطرق التعليم في عصره، كابن التوام الذي نادى بتعليم الحساب قبل الكتاب. والواقع أن المشارقة كالمغاربة كانوا يبدأون تعليمهم بحفظ القرآن كما ذكر ابن حزم في الملل والنحل، ونقل ذلك الدكتور الأهواني في كتابه عن القابسي.
وكان التعليم الأولي منتشراً في أنحاء المغرب كله، وكاد أن يكون إلزاميا عملاً بوصية الرسول : >خيركم من تعلم القرآن وعلمه<، وكما كان الكتاب يأوي الأطفال الذكور، كان يأوي أيضاً الإناث مادمن صغيرات. وقال سحنون : >أكره للمعلم أن يعلم الجواري ويخلطهن مع الغلمان لأن ذلك فساد لهن<، وكان من المعلمين من يعلم النساء على حدة. وجاء في ترتيب المدارك للقاضي عياض أن : >من سيرة عيسى بن مسكين في غير مدة قضائه أنه كان إذا أصبح قرأ حزباً من القرآن ثم جلس للطلبة إلى العصر<. واهتم رجال التربية الإسلامية بالمعلم كثيراً، فاشترطوا فيه شروطاً كثيرة، من حفظ للقرآن وسلوك مستقيم حتى يكون نموذجاً خلقياً لتربية جيل مهذب.
من أعلام الفكر في عهد المرابطين المؤسسين لجامعة القرويين
من أعلام المفكرين في هذا العصر عبد اللَّه بن محمد بن حماد بن محمد بن زغبوش المكناسي، كان يأخذ العلم بفاس لما هاجمها الموحدون في أواخر العهد المرابطي، وممن رحل لفاس ـ آنذاك من تلمسان ـ حسن بن إبراهيم بن عبد اللَّه بن أبي سهل التلمساني، المعروف بابن زكون، والمتوفى عام 1158 هـ/553 م، وكتب بها عن عيسى بن يوسف الملجوم الفاسي المتوفى عام 543.
ومنهم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن صقر الأنصاري البلنسي ثم المري، المتوفى بمراكش عام 523 هـ/1128م ومنهم عبد اللَّه بن يوسف بن غالب الأنصاري البلنسي، ومنهم إبراهيم بن يوسف بن محمد بن دهاق الأوسي المالقي ،المتوفى عام 611 هـ/1214م روى بفاس عن أبي الحسن بن جبير وأبي الحسن علي بن إسماعيل بن حرزهم الفاسي، المتوفى عام 559 هـ/1163م.
الجامع الجامعة
وأصبح جامع القرويين جامعة علمية تشد الرحلة إليه، ويدل على ذلك ما جاء في ترجمة ابن حرزهم الفاسي الآنف الذكر، أنه كان يقصد من البلدان للقراءة عليه. ودليل آخر على مركز فاس العلمي بالمغرب حينئذ (في صدر المائة الخامسة) ما ذكره أحد علماء الأندلس الواردين على المغرب وهو أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن إبراهيم بن عيسى بن هشام بن جامع الأنصاري الخزرجي الجياني، المعروف بالبغدادي لطول سكناه بها، (والذي وصفه في الذيل والتكملة بأنه كان فقيهاً، حافظاً، مشاوراً عارفاً بأصول الفقه) من أنه لما قفل من المشرق في حدود سنة 515 هـ نزل أول قدومه مدينة فاس وقعد بغربي جامع القرويين منها يدرس الفقه مدة، ثم تحول إلى بلده جيان وبقي فيها إلى عام 539 هـ، ثم خرج من بلده وقصد مدينة فاس ونزلها عام 544 هـ وأقام بها يدرس الفقه وأصوله ومسائل الخلاف، ولم يزل بها مقبلاً على نشر العلم وإفادته إلى أن توفي يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة عام 546 هـ.
المساجد العلمية
أما المساجد المعروفة بالدراسة العلمية في هذا العصر فهي : المسجد المنسوب لابن حنين، وكان يقرئ به أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي بكر الكتاني القرطبي المعروف بابن حنين، ومسجد زقاق الماء بعدوة القرويين، وقد كان يُدَرِّسُ فيه أبو بكر بن عثمان بن مالك، من شيوخ أبي الحسن بن حرزهم، ومسجد الحوراء الذي تصدر للتدريس به أبو بكر محمد بن محمد بن عبد اللَّه بن مغاور اللخمي الإشبيلي المتوفى سنة 503 هـ/ 1109م، ومسجد طريانة، الذي نزل به المهدي بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية مدة إقامته بفاس في السنين الأولى لدعوته، وجامع فاس الذي كان يلقي فيه العلم الشيخ أبو مدين، وقد ورد ذكر هذا المركز الدراسي في "التشوف" و"أنس الفقير" كما جاء في عبارة التشوف في الحكاية عن أبي مدين : >فقيل لي إن رأيت أن تتفرغ لدينك فعليك بمدينة فاس، فتوجهت إليها، ولزمت جامعها وتعلمت الوضوء والصلاة، وكنت أجلس إلى حلق الفقهاء والمذكرين، فلا أثبت على شيء من كلامهم، إلى أن جلست إلى شيخ ثبت كلامه في قلبي، فسألت من هو ؟ فقيل لي : أبو الحسن ابن حرزهم.
ولا يمكن أن نغفل في هذا العصر ما أسداه المغاربة والأندلسيون إلى اللغة العربية، حيث عملوا على تطوير النحو، وبرزت تآليف في هذا الفن وآراء مستقلة. وكان من أشهر المؤلفين في هذا الميدان أبو الحجاج يوسف بن عيسى، المتوفى سنة 475 والذي شرح كتاب سبويه، وعبد اللَّه بن محمد البطليوسي المتوفى سنة 521 والذي شرح جمل الزجاجي في كتاب "الحلل في شرح أبيات الجمل، وإصلاح الخلل الواقع في الجمل" والمسائل المنشورة في النحو وقواعده. كما ألف ابن سيده الضرير، المتوفى سنة 458، "كتاب العالم والمتعلم" في النحو، وشرح كتاب "الأخضر" في النحو أيضاً، وألف ابن هشام كتاباً في الرد على الزبيدي وابن المكي فيما زعماه من لحن العامة، واقتفى أثره ابن هانئ الذي ألف "إرشاد الضوال" في لحن العامة.
التعليم في عصر الموحدين
أسس الموحدون معاهد التعليم بمراكش، كما وردت تفاصيل ذلك في "الحلل الموشية"، حيث كان عبد المؤمن يربي في مدرسته صغار الطلبة تربية خاصة، فكانوا يحفظون الموطأ الذي ألفه المهدي، إلى آخر ما ورد في كتاب الحلل الموشية. وألزموا الناس بتعليم العقائد إلزاماً، لم يفرقوا في ذلك بين الرجال والنساء والصبيان والفتيان والأحرار والعبيد، واشتهرت قراءة الناس يقرأون المرشدة في التوحيد، كما كان بجانب ذلك تعليم عام وشعبي في كلية القرويين وجامع أبي يوسف بمراكش وجامع سبتة.
ويلاحظ أن التعليم كان يبتدئ في سن مبكرة، لذلك كان نوابغ هذا العصر وعلماؤه من الشباب أمثال المراكشي، والمزدغي، وابن عطية، وابن رشد، وابن زهر، وابن غالب البلنسي... وتعدد اختصاص المدارس، فكانت هناك مدرسة للملاحة في سلا وقرب فاس لحاجة الموحدين إلى أسطول عظيم، وتأسست مدرسة "أكلو" بضواحي تيزنيت في أول القرن الخامس، وهي أول مدرسة معروفة هناك، على أنه لا يبعد أن تكون هناك مدرسة أقدم منها ترجع لوجاج، المتوفى سنة 445 هـ، والذي تخرج من القيروان وتتلمذ لأبي عمران الفاسي.
واتسع التفكير الموحدي لكل أنواع المعارف، مكنراً موقف الفقهاء المرابطين من بعض العلوم العقلية، وجاء في شرح الحلل أن ابن تومرت كان ينكر كتب الرأي والتقليد كما شجع الموحدون الحركة الفلسفية والترجمة عن اليونانية وأصبح علماء أوربا يفزعون إلى إلى المغرب لحل المشاكل الفلسفية كما فعل ابن سبعين في الأجوبة الصقلية، وسهلت الكتابة العربية في المغرب لإشاعة الثقافة فوضعت بعلامات ظاهرة، فمثلاً ينقط القاف من فوق وينقط حرف الفاء من تحت، وتعطف الياء بياء الألف كالمصطفى وتختصر الحركات، فالشدة المضمومة تنقل بصورة رقم (8) فوق الحرف المشدد المضموم وتمثل بصورة رقم (7) من تحت في الحرف المشدد المفتوح وتمثل بصورة رقم (8) تحت الكسرة المشددة.
واشتهر في هذا العصر كثير من العلماء منهم : محمد بن إبراهيم ابن عيســـى المتوفـــى سنــــة 546، والعلامـــة الصوفـــي ابـــن حرزهـــم المتـوفـــى سنة 550، وأحمد بن عبد الصمد القرطبي المتوفى سنة 582، ويوسف بن عبد الصمد بن يوسف المتوفى سنة 613، والمفسر المحدث ابن القصري المتوفى سنة 615، والملاحظ أن هؤلاء العلماء أنهم كانوا يعلمون ويدرسون عدة كتب، كما أنهم كانوا يؤلفون كتباً للدراسة ويشرحون كتباً كغيرهم ويعلقون على مؤلفات متعددة.
أما تآليفهم في علوم الدين فقد كان طابعها ما وصفه أبو العباس المقري في روضة الإخوان (من كتابه أزهار الرياض في ترجمة القاضي عياض) من أن في تدريس المدونة اصطلاحين : اصطلاحاً عراقياً واصطلاحاً قروياً، فأهل العراق جعلوا في مصطلحهم مسائل المدونة كالأساس، وبنوا عليها فصول المذاهب بالأدلة والقياس، ولم يعرجوا على الكتاب بتصحيح الروايات ومناقشة الألفاظ ودأبهم القصد إلى إفراد المسائل وتحرير الدلائل على رسم الجدليين وأهل النظر من الأصوليين، وأما الاصطلاح القروي فهو البحث عن ألفاظ الكتاب مع التحقيق في بواطن الابواب وتصحيح الروايات وبيان فصول الاحتمالات، والتنبيه على ما في الكلام من اضطراب الجواب واختلاف المقالات، وما انصاف إلى ذلك من تتبع سياق الآثار وترتيب أساليب الاختيار وضبط الحروف على حساب ما وقع في السماع ووافق عوامل الإعراب أو خالفها (أنظر أزهار الرياض).
ويزيد المقري في التدليل على ذلك بقوله : ويحقق ما قلناه تصرف التونسي في تعاليقه اللطيفة المنزع واللخمي في تبصرته البارعة الختام والمطلع، إلى غير ذلك من تأليف القرويين (نسبة إلى القيروان) وتعليق المحققين من شيوخ الإفريقيين، وقد سلك القاضي عياض في تنبيهاته طريقة جمع فيها بين الطريقتين والمذهبين، وذلك لقوة عارضته، وذكر المقري في نفس الكتاب في موضع المقارنة بين التأليف الشرقي والتأليف المغربي بعدما لاحظ أن أغلب تآليف المشارقة متصفة بالإيجاز لتمكن ملكتهم من التصرف، مثل كتاب ابن الحاجب في فروعه وأصوله، كما لاحظ أن الغالب على جل أئمة المشارقة الإطناب مثل الغزالي والإمام الفخر وغيرهما. أما أهل الأندلس فغالب عليهم فيهقة الألفاظ في حسن وصف الكلام وانتقائه مثل عبارة القاضي عياض في تآليفه التي لا تسمح القرائح بالإتيان بمثلها والنسج على منوالها، وانتهت صناعة التآليف في علماء المغرب على صناعة أهل المشرق لشيخ شيوخ العلماء في وقته ابن البناء الازدي المراكشي في جميع تصانيفه ويقصد المقري بابن البناء الذي خصه بابا السوداني في نيل الابتهاج بترجمة مطولة، والمولود سنة (654).
وتتجلى خصائص التعليم المغربي في التكوين الأولي، وما يسمى بالتعليم الابتدائي، والاهتمام بإصلاح مناهج التعليم وأساليبه وقد اشتغل بذلك مفكرو المغرب والأندلس، وقلما تخلو كتب رجال الفكر المغربي والأندلسي من ملاحظات في ميدان التعليم والتربية.
ولعل من أهم ما ظهر من آراء تعليمية في هذا العصر نظرية ابن العربي المولود سنة 468 والمتوفى سنة 541، وفي كلامه عن نفسه يبين لنا نظام التعليم في عصره فقد ذكر أنه حذق القرآن وهو ابن تسع سنين، ثم قضى ثلاث سنوات لضبط القرآن والعربية والحساب، ولما بلغ إلى سن العاشرة كان قد قرأ من الأحرف (أي القرآن) نحوا من العشرة بما يتبعها من إظهار وإدغام ونحوه، وتمرين في الغريب والشعر واللغة (أنظر ترجمة حياته في مقدمة كتابه، العواصم من القواصم) وفي كتابه (قانون التأويل) الذي ينقل عنه ابن غازي في التكميل والرهوني في شرحه على خليل، والمقري في أزهار الرياض... ونستفيد أن ابن العربي كان وهو فتى يافعاً يمارس الكتابة ينقد الشعر مع بداهة القول كما أحذق اللعب بالشطرنج في صغره، ويحلل ابن خلدون مذهب ابن العربي في مقدمته، فابن العربي يرى أن المذاهب المعروفة في التعليم الابتدائي لا تكفي، بل هي عقيمة بالنظر إلى شيوع العجمة، ويرى أن يقتصر المتعلم في التعليم الأول على البلاغة والنحو وعلوم العربية كلها، ويقدم إليه من نصوص الأدب البليغ ما يقوم به إدراك الطالب ويربي ملكته، فإذا أخذت ثقافته الأدبية تقوى وتتأصل ينقل إلى الحساب والرياضيات، فإذا تمت الملكة الرياضية فيه وتمكنت الدراسة من فكره فيكون قادراً على إدراك معاني القرآن والتخلق بهديه، وينعى ابن العربي على قومه تلقيهم القرآن في أول الأمر قائلاً : > يا غفلة أهل بلدنا في أن يؤخذ الصبي بكتاب اللَّه من أول أمره يقرأ ما لا يفهم وينصب فيما غيره أهم... ولعل ابن العربي تأثر بالمذهب الشرقي فأراد أن ينقله إلى بلاده ولكن (العوائد لا تساعد عليه وهي أملك بالأحوال) حسب تعبير ابن خلدون، وربما كان الكتاب في القرن السادس يلقن الرسالة وفنوناً من الأدب والمعرفة كما يستفاد من ترجمة الشيخ ابن عبد اللَّه الفخار السبتي التطواني.
ونعرف كذلك برنامج التعليم الابتدائي في عصر الموحدين من خلال انتقاد ابن خلدون لحالته، وقد كتب (جورج مارسي) بحثاً قيماً حول رأي ابن خلدون في التعليم، وعرب بمجلة رسالة المغرب، (العدد الأول من السنة الأولى) جاء فيه : أن تلقين العلوم لا يكون مفيداً في رأي ابن خلدون إلا إذا كان بالتدريج، ولذلك يجب أن يقسم برنامج التعليم إلى ثلاثة مراحل : (الأولى) تلقين أصول الفن مع مراعاة عقل التلميذ واستعداده لإدراك هذه المسائل، فالطريق المثلى في نظر ابن خلدون أن نقيم وزناً لعقل التلميذ وقدرته على استساغة المبادئ التعليمية التي يراد تلقينها وبعد حصول الملكة الجزئية يصل إلى (الدور الثاني) حيث يستأنف النظر في الفن نفسه ويحسن أن يخرج بالتلميذ من الإجمال إلى التفصيل مع عرض بعض المسائل الخلافية، وبعد هذه المرحلة ينتقل إلى (الدور الثالث) حيث يعود إلى الفن نفسه فلا يترك عويصاً ولا مبهماً ولا مغلقاً إلا وضحه، وعندئذ لا يخلص التلميذ من الفنون إلا وقد استولى على ملكته، ويلاحظ ابن خلدون عدم ضرورة التنقل بين الأدوار الثلاثة وكذلك لا ينبغي للأستاذ أن يغفل قيمة مواهب الطفل فلا يميز بين ما يجب أن يكون غاية وما يجب أن يكون مبدأ، فالتدريج أساس لا يستقيم التعليم إلا به، ويجب ألا يفرض على التلميذ استظهار جميع الشروح والحواشي والتنبيهات والمقدمات لتتسنى الإحاطة بالمادة، كما لا يحتاج إلى التمييز بين الطرق الفقهية كالطريقة القيروانية والقرطبية والبغدادية والمصرية ليستحق منصب الفتيا.
وينتقد ابن خلدون دراسة فنون مختلفة في وقت واحد، ويرى أن من الواجب أن يلقن فناً واحداً ولا ينتقل إلى غيره إلا بعد أن يأنس منه الحصول على الملكة التامة في الفن الأول. كما يرى ابن خلدون أن تكون معارف الطفل واضحة في فكره فيتلقاها من الأساتذة الكثيرين بدل استيفائها من الكتب والتصانيف لأن الطلبة أسرع ما يكونون إلى الوعي والحفظ وأبطأ ما يكونون من الإدراك العميق.
والمتعلم الذي يتلقى أصول الفن من أساتذة متعددين يطلع على مصطلحات كل معلم وأساليبه في التبيين ولا يلبث أن يجرد العلم عن الاصطلاحات ويعلم أنه (طريق توصيل).
وابن خلدون يريد أن يجعل من فكر الأساتذة أداة مرنة يتصرف فيها فلا فائدة في معرفة النحو إذا كانت معرفته لا تقي من اللحن والخطأ، كما يرى أن العلم النظري لا تتم منه الفائدة إلا إذا كان صاحبه جامعاً بينه وبين الخبرة العلمية، والغاية هي تكوين رجال عالمين بأحوال الحياة، وقلة المبالاة بالجانب العملي هي التي تجعل العلماء أبعد الناس عن السياسة، إذ المناهج التي يستعملها معلموهم لا تؤهلهم لتدبير البلاد.
أما وسائل التعليم فلا تكون بالعنف والقهر، لأن الإرهاق في التأديب يحمل المتعلم على الخبث والكذب ويعلم المكر والخديعة ويذهب بنشاط النفس، ويختصر (جورج مارسي) رأي ابن خلدون في أن المثل الأعلى الذي يجب أن يسعى إليه كل معلم هو تهذيب الفكر والإرادة، ولا يمكن هذا لكل معلم، إلا إذا كانت ؟
ويعطينا ابن خلدون عرضاً موجزاً في مقدمته عن مذاهب التعليم العربي فيما قبل عصره بصفة عامة. وفي عصره بصفة خاصة، فيقسمها إلى مذهب أندلسي ومذهب تونسي، ومذهب شرقي ولا شك أن الشرق كان متعدد المذاهب ولكن ابن خلدون يتحدث عن وسطه ومذاهب بلاده، أما المذهب الأول وهو الأندلسي، فهو منهج يقوم على ثقافة أدبية تعتبر القرآن نفسه أداة للبلاغة وترسيخ ملكتها ويعنون بالشعر العربي، وروائع النثر مع عناية بتحسين الخط ولذلك كان مظهر الثقافة الأندلسية حسب تعبير ابن خلدون يبدو (في التفنن في التعليم وكثرة رواية الشعر والترسل ومدارسه العربية من أول العمر).
أما المذهب المغربي فهو يفرض على المتعلم في أول اتقان القرآن ورسمه واختلاف القراءات ثم التدرج في مبادئ العلوم، ويلاحظ ابن خلدون أن المغاربة تفوقوا في حفظ القرآن تفوقاً تاماً، ولكن كان حفظ الطلاب جموداً في العبارات وقصر التصرف في الكلام، والمتخرجون عن هذه الطريقة تجدهم سكوتاً لا ينطقون ولا يفاوضون، وعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة فلا يحصلون على طائل، وتطول مدة الدراسة عندهم حتى تصل إلى ستة عشرة سنة بينما لا يتجاوز في تونس خمسة سنوات.
أما المذهب التونسي فكان وسطاً بين هذين المذهبين (الأندلسي والمغربي) وهو يعتبر القرآن وحدة مستقلة في التعليم وحفظه وتجويده غاية في نفسها، والحفظ وسيلة لا غاية، ويعلل، المقري ذلك بأن الناس يقرأون العلم لا للأجر والمال ولذلك يلاحظ أن الاهتمام بتقويم ثقافة الطفل على أسس دراسته الأدبية غير منتقاة في جملتها فيكون أن تتخرج طبقة من الطلاب تعوزها ملكه في اللسان العربي وجمود في العبارات وقلة التصرف في الكلام، أما المذهب الشرقي فيدرس القرآن كغاية مع عناية بالحديث والفقه والنحو والخط.
وبعد المرحلة الابتدائية يتعرض ابن خلدون للتعليم الثانوي والعالي فينتقد بشدة طريقة التعليم بفاس، ويرى أن الهمم مقصورة على تحصيل القرآن ودرس التهذيب مع الأخذ بنصيب من مبادئ العربية التي تعلموها عن السبتيين حتى لم يتصدر منهم أحد ليقرئ كتاب سبويه، ويؤيد المقري في أزهار الرياض انتقاد ابن خلدون، فيروي قصة أبي عنان والشيخ الصرصري حيث تصدى هذا في المتوكلية لتدريس التهذيب ثم انقطع انقطاعاً فاحشاً بعد أن ناقشه العلماء بتحقيق ما أورده من المسائل على ظهر قاب حتى انصرف عن درسه، وآنسه أبو عنان بعد ذلك منبها إياه ألا يتكل على حفظه (إلى آخر ما ورد في تاريخ القيسي ولخصه المقري). على أن المقري لم يشايع ابن خلدون في انتقاداته الصارمة، بل يلاحظ أن علماء فاس كانوا أهل صلاح وورع في طلب الفقه وتفننوا في مروياته لأن (باب الفتيا) في الفقه هو باب احتياط، فلابد للمفتي من مباشرة الكتب المروية والأمهات الأصلية ولا يجوز له الاقتصار على الوساطة في الكتب، ويرى المقري أيضاً أن العجز عن التأليف لا يقدح في علم العلماء بل إن علماء فاس شغلهم تحري الحلال عن تتبع موارد التحقيق الذي أدى إلى فقد الملكة النظرية عندهم، ولقد اعترف علماء تونس بغزارة علم الشيخ ابن عبد السلام، واعترف الفقيه القباب لأهل تونس بالملكة والتصرف وانتقد طريقة المغاربة في المدارس ولم يكن لهم في عصره جرايات وإنما يتعيشون مما يتصدق عليهم به أهل البلد وأهل نواحيها.
وكانوا من قبل يقيمون سبعة أعوام سكنى وأكلا وكسوة ولكن حروب أبي سعيد عثمان أبي العباس آخر ملوك بني مرين قبل ولده عبد الحق أتت على مداخل المدارس بينما كان الطلبة في عهد أبي عنان من أعز الناس وأكثرهم عدداً ورزقاً كما ذكر صاحب نيل الابتهاج.
وينتقد المقري في أزهار الرياض التأليف المكتوبة بعاصمة المغرب (فاس) بهذا العصر بأنها ضئيلة سواء في التلخيصات أو الارتجال، وإنما تظهر تآليف فاس في النسخ فقط وبقى التأليف على ما هو عليه كما في مدونة ابن الحسن الزرويلي الصغير المتوفى سنة (719) وكما في الديباج، ثم جاء طلبة الجزولي الذي نسبت إليه تقاييد في الفقه وإن كانت في الواقع من تقاييد تلامذته، على أن المقري يتأثر بآراء ابن خلدون في كون صناعة التعليم أو ما يسمى اليوم بالبيداغوجية لم تبلغ إلى فاس، وإنما رسخت أقدامها في تونس، ويذكر بعد ذلك السلسلة العلمية الفقهية المبتدئة من الإمام المازري، أما العلوم النظرية فلا حظ للتونسيين ولا للمغاربة فيها على السواء إلى أواخر القرن السابع حيث رحل ابن زيتون وحملها إلى تلمسان.
ويروي لسان الدين أن الصبيان كانوا يدربون على حمل السلاح كما يحفظون القرآن، وهذا يدخل في الوعي الوطني بهذا العصر وكذلك شاعت المحاضرات في العصر المريني، فقد سافر عبد القادر بن سوار المحاربي إلى غرناطة سنة 757 وألقى بها عدة محاضرات.
المغرب، ومنهم ابن الخطيب وابن خلدون وغيرهما من فطاحل الفكر في المغرب العربي الذين سعوا إلى تحصين الثقافة في مدن مغربية في يد العدو ومنها سبتة التي استولى عليها البرتغال سنة (1415 ميلادية) لاذ علماؤها بالقرويين فأصبحت هي مركز الاشعاع الثقافي في العالم الإسلامي، وتعددت بها كراسي العلوم خصوصاً التي تعنى بالدراسة الدينية حفظاً وفهماً مع الإيثار للحفظ، وتعددت المدارس حيث زاد المرينيون على ما بقي منها في عهد المرابطين والموحدين، وكان لكل مدرسة استاذان يراجعان مع التلاميذ، كما تعددت الخزائن الكتبية بها ولذلك ازدهرت القرويين في عصر بني مرين ازدهاراً كبيراً، ويقول ليفي بروفنصال : أن بفضل ملوك بني مرين لم تكن عاصمة فاس في القرن الرابع عشر لتحسد العواصم الإسلامية الأخرى.
مدارس الطلبة
بل ان (باديا ليلبيش) المعروف بعلي العباسي اعتبر فاسا بمثابة أثينا إفريقية، وذكر مثل قوله الدكتور رينو في كتابه "الطب القديم بالمغرب" : حيث أصبحت القرويين ملتقى الأجانب من مختلف الجنسيات والديار كما قال دوكمبو. وذكر كابريال شارمس في كتاب >سفارة المغرب< أن مدارس فاس كانت طوال مدة مديدة أولى مدارس العالم، ومنها انبثق ما يسمى بالحضارة العربية التي شع نورها في إسبانيا فأضاء جوانب أوربا، وشجعت الحركة التعليمية تشجيعاً منقطع النظير، وكان الأساتذة يتقاضون علاوات وكل ما يحتاجون إليه طوال السنة ويتمتعون بحق السكنى مجاناً كما ورد ذلك عن الحرشاوي أحد علماء الجزائر الذين درسوا بفاس في القرن التاسع عشر م، فقد روى عنه دلفار زيادة على ما ذكر أن الأساتذة كانوا ملزمين بالمكث في فاس، وبنى أبو يوسف المدارس والمعاهد ورتب لها وأجرى المرتبات على العلماء، والطلبة في كل شهر كما بنى المدارس والمعاهد ورتب لها الأوقاف وأجرى المرتبات على العلماء، والطلبة في كل شهر كما