يتبين لنا من خلال هذا الجدول أنه من المستحسن تقسيم تلاميذ الفصل إلى جماعات منسجمة متماسكة من أجل استثمار قدرات التلاميذ وتفتيق مهاراتهم واكتشاف مواهبهم وتحسين أجواء القسم والقضاء على الصراعات السيكولوجية الدفينة والحد من التوترات والأحقاد المشحونة عن طريق إدماج التلاميذ داخل أنساق جماعية من أجل خلق صداقات حميمية والعمل في إطار فريق؛ لأن العمل في إطار فريق هي أداة ناجعة من أجل تطوير البحث العلمي وتقدم الأمة في الدول الغربية كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. فمن خلال العمل داخل فريق يمكن حل المشكلات بسهولة وإنجاز الأعمال بشكل فعال وعلاج الكثير من الآفات النفسية الفردية الشعورية واللاشعورية كالأنانية والنبذ والكراهية والنفور واستبدالها بمشاعر أكثر نبلا كالانسجام والتوافق والتشارك والتعاون والابتكار الجماعي والإبداع الهادف.
ويعني هذا أن تطبيق ديناميكية الجماعات داخل الفصل الدراسي تقنية علاجية وأداة بيداغوجية وديداكتيكية ناجحة. ومن ثم، فعلى المدرس أن يحدد رقم الجماعة واسمها أو لقبها ويختار لها قائدا أو زعيما ديمقراطيا يحبه الجميع، ويقدم لكل جماعة نشاطا أو عملا لإنجازه أو حل مشاكله من خلال أهداف وكفايات محددة.
وتستوجب هذه الأنشطة كما هو معلوم مجموعة من الوسائل والموارد المادية والمالية والمعنوية لتنفيذها مع ضرورة انتقاء أمكنة الإنجاز المناسبة واختيار أزمنتها بدقة مطلوبة. وبعد الإنجاز ينتقل المدرس إلى مرحلة التقويم أو التقييم للتأكد من عمليات تنفيذ العمل المطلوب ومدى نجاح التلاميذ في حل الوضعيات أو الإجابة عن المشكلات المطروحة. وإذا كان هناك فشل ملحوظ أو إخفاق مرصود لابد أن يستعمل المدرس تقنية الفيدباك لتصحيح التعثرات والأخطاء.
وهناك تقنيات عديدة يمكن الاستعانة بها في مجال التنشيط التربوي وتفعيل التلاميذ وتحريكهم داخل الفصل الدراسي مثل: العرض، والنقاش الجماعي العام، وتمثيل الأدوار، والاستعراض، والمحاضرات، والندوات، والاستجواب الحواري، والمناقشة، واعتماد مجموعة التشخيص GROUPE T- لمعرفة مضامين التعلم ومحتوياته وكيفية التعلم من خلال إشراك عدد محدود من التلاميذ ، وتطبيق طريقة جماعة البوز التي تنبني على تنشيط نقاش من 13 إلى 15 دقيقة لتفادي الملل ورتابة العرض لكي يشارك الجميع في إبداء آرائهم حول الموضوع المقترح، وتقنية فليبس 6/6 التي وضعها الأمريكي دونالد فليبس سنة1948م، وقد طورها كل من الباحثين البيداغوجيين : ديديي وأنزيو في فرنسا. وتعتمد هذه التقنية على تشكيل مجموعات صغرى من6 أفراد من أجل إعطاء مجموعة من الأفكار الموحدة حول موضوع أو دراسة أو حالة أو فكرة ما وذلك في ست دقائق.
وهناك تقنيات أخرى في مجال تنشيط الجماعة كدراسة الحالة، وتقنية الاكتشاف الدوراني التي ينتقل فيها الأفراد من جماعة إلى أخرى لتبادل الآراء والأفكار فضلا عن تقنية الجدل والحجاج والمناظرة وتقنية العصف الذهني BRAINSTORMING التي تقوم على إشراك جميع الأفراد في المناقشة قصد إيجاد الأفكار والحلول الجماعية المناسبة لموقف أو لمجموعة من المواقف والوضعيات.
وتعتبر تقنية التنشيط الجماعي من التقنيات التي تساهم في خلق المنافسة المشروعة بين جماعات الفصل أو جماعات المؤسسة في إطار المسابقات والتصفيات الثقافية والعلمية والرياضية لتطوير القدرات الذاتية للتلاميذ واكتشاف المواهب المهمشة والكفاءات الحقيقية وتجويد التعليم والرفع من مستوى التكوين والتأطير.
وتعتبر طريقة لعب الأدوار أو السيكودراما من أهم التقنيات في مجال تنشيط الجماعة وتفعيلها ، كما تعد من أهم الوسائل العلاجية لإدماج التلاميذ المنطوين على أنفسهم أو المنكمشين أو المعقدين نفسيا داخل جماعات لتحريرهم من العقد المترسبة في لاشعورهم وتطهيرهم ذهنيا ووجدانيا وحركيا وإخراجهم من العزلة والوحدة والاغتراب الذاتي والمكاني إلى عالم مجتمعي أرحب يعتمد على المشاركة والتعاون والأخوة والانسجام وتفتيق المواهب. ومن ثم، فالسيكودراما طريقة مسرحية يعتمد فيها الفرد على القيام بمجموعة من الأدوار المسرحية التي يبرز فيها طاقاته ومواهبه ويعبر عن مكبوتاته وطاقاته الدفينة قصد الانتقال من مرحلة الانكماش إلى المرحلة النفسية السوية و التوازن السيكواجتماعي. وعلى العموم، فالسيكودراما هي " تقنية سيكولوجية وضعها العالم السيكولوجي مورينو تعتمد على التلقائية الدرامية، حيث يطلب من الأشخاص أداء أدوار مسرحية دون ارتباط بكتابة سابقة أو تحديد للنص، قصد تنمية التلقائية لديهم.غير أنه مالبث أن تحولت هذه التقنية إلى أسلوب للتكوين والعلاج النفسي التحليلي الفردي والجماعي؛ وتنمية الابتكار لدى الأطفال في المجال التربوي التعليمي...
تجد طريقة السيكودراما أصولها لدى اليونانيين القدماء، فقد أشار أريسطوفان في القرن الرابع قبل الميلاد إلى أن الشخص يظل سجين أدواره الاجتماعية ويمكن التحرر منها، وفهم دوافعها، عند التعبير عنها على خشبة المسرح. كما أن أرسطو أشار بدوره إلى الأهمية الأساسية التي يلعبها المسرح في التخفيف من المعاناة النفسية، خلال التوحد مع الممثلين في أدوار معينة، مما يساعد على التطهير النفسي."
ويمكن للأستاذ أيضا الاستعانة بالسوسيوميترية لتحليل العلاقات العاطفية غير الشكلية (غيرالرسمية) داخل الجماعات الصغرى وتطبيق السوسيوغرام لمعرفة مجمل التفاعلات الوجدانية والقيمية التي تتحكم في جماعات القسم وتحديد أدوار التلاميذ وأوضاعهم في القسم قصد تحسين مناخ القسم و تهذيب العلاقات التفاعلية الموجودة بين عناصر النسق الدراسي من أجل تحقيق نتائج جيدة كما وكيفا في آخر السنة الدراسية.
ومن هنا لابد للمدرس من إجراء اختبار أولي لمعرفة مكونات الجماعة وسيرورتها العملية من خلال توزيع الاستمارة التفاعلية على تلاميذ الفصل الدراسي ليجيبوا عنها متتبعين التعليمات التالية :
1- عدم نشر الإجابات.
2- ستمكن الإجابات من تكوين جماعات.
3- مع من تريد أن تلعب أو تعمل؟
4- من الذي تعتقد أنه سيختارك؟
5- من الذي لاتحب اللعب والعمل معه؟
6- من تعتقد أنه سيرفضك؟
وبعد دراسة الاستمارة وغربلتها بشكل علمي وموضوعي، يضع المدرس أسماء التلاميذ على خط الدائرة ويقوم بوضع السهم الذي يتجه من شخص إلى آخر في شكل مبيان تمثيلي لمختلف العلاقات التفاعلية، ويسمى هذا المبيان بالسوسيوغرام SOCIOGRAMME.
وبعد مرحلة التمثيل وتشكيل دائرة التفاعلات السيكواجتماعية، يلتجئ المدرس إلى تصنيف التلاميذ حسب منطق التفاعلات النفسية - الوجدانية ، ويرتبهم من الأكثر شعبية وتواصلا إلى الأقل شعبية وإقبالا حتى يعرف العلاقات النفسية الاجتماعية داخل فصله الدراسي. وبالتالي، يبحث عن أسباب الإقبال والنبذ على مستوى التفاعل التواصلي، ويصحح ما يمكن تصحيحه أو يعالج ما يمكن معالجته نفسيا واجتماعيا.
خاتمـــة:
نستنتج، مما سبق، أن ديناميكية الجماعات دراسة علمية تهتم بالبحث في كيفية ظهور الجماعات وبروز بنياتها ووظائفها مع اكتشاف المبادئ الضمنية التي تتحكم في تصرفاتها التفاعلية الإنسانية الداخلية. ويعني هذا أن ديناميكية الجماعات طريقة في تشخيص مختلف القوى الخفية والتفاعلات الظاهرة والضمنية التي تتحكم في تسيير الجماعات البشرية وتنظيمها تنظيما ذاتيا ومؤسساتيا. وتترجم لنا هذه التفاعلات البنيوية الوظيفية العلاقات الموجودة بين أفراد الجماعات والتي قد تكون سلبية قائمة على الصراع والنفور والنبذ والكراهية أو إيجابية قائمة على الانسجام والتفاهم والتعاون والتوافق والتسامح.
ولديناميكية الجماعات كما هو معروف أدوار عدة تتمثل بالخصوص في تطوير الجماعات والعمل على تقدمها بشكل مستمر، وتنمية بنياتها الأساسية، وتوسيع وظائفها البنيوية داخليا وخارجيا، وتحسين مناخ عملها، وتهذيب علاقاتها التفاعلية، وتحقيق التوازن المنشود، والرفع من مستوى إنجازاتها قصد الوصول إلى مرحلة الإبداع والابتكار. كما أن هذه الطريقة وسيلة هامة في مجال التنشيط التربوي ومعالجة التلاميذ المرضى النفسانيين والمعوقين والمنكمشين على أنفسهم. ويمكن توظيف هذه الطريقة في مجالات أخرى كالإدارة والتعليم والرياضة البدنية والخدمة الاجتماعية والمصحات الطبية والعيادات النفسية و دراسة الجماعات العمالية داخل المصانع والمعامل والمقاولات، وتحسين أداء الحكومة ذات الفرق الوزارية...
الهوامش:
- مجموعة من المؤلفين: نصوص في دينامية الجماعات، ترجمة: الحسن اللحية،دار الحرف للنشر والتوزيع، القنيطرة، المغرب، الطبعة الأولى 2007م، ص:64؛
- الدكتور خليل ميخائيل معوض: علم النفس الاجتماعي،دار النشر المغربية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1982م، ص:90؛
- الدكتور خليل ميخائيل معوض: علم النفس الاجتماعي، ص:90؛
- الدكتور خليل ميخائيل معوض: نفس المرجع، ص:91؛
- الدكتور خليل ميخائيل معوض: نفس المرجع، ص:74؛
- مجموعة من المؤلفين: نصوص في دينامية الجماعات، ص:43؛
- الدكتور خليل ميخائيل معوض: نفس المرجع، ص:97-99 ؛
- Jean Maisonneuve : La dynamique des groupe,coll.Que sais –je, 1984, P : 22-24 ;
- الدكتور أحمد أوزي: المعجم الموسوعي لعلوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2006م، ص:167؛