[center]السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تطبيق بيداغوجيا الإدماج بالمدرسة المغربية
تستمد هده الورقة مكوناتها النظرية و الإجرائية من مجموعة من الوثائق التي أصدرها سواء مكتب هندسة التربية و التكوين الذي يترأس أعماله غزافيي روجرز، أو التوجيهات التي أتى بها المخطط الاستعجالي الحالي، بالإضافة إلى المذكرة 112 الصادرة عن الوزارة الوصية على التربية و التكوين حاليا بتاريخ 10 شتنبر 2008 في شأن تجريب بيداغوجية الإدماج؛ و تحيلنا هذه الوثائق الرسمية لمجموعة من التدابير البيداغوجية التي وجب اعتمادها كاستراتيجيات عمل للإقلاع بمنظومة التربية و التكوين، و لإنصاف الأطفال الذين يوجدون في وضعيات صعبة من الناحية التعليمية التعلمية؛ خصوصا في ما يتعلق باكتساب كفايات القراءة و الكتابة و الحساب، التي اعتبرت في تقديرات أعضاء مكتب هندسة التربية و التكوين إحدى المعيقات المأزمية التي تعيشها المدارس الإفريقية من ضمنها المغرب. بحكم الانحصار المعرفي الذي تساهم في استفحاله كلا من الاختيارات البيداغوجية التي تمركز التعلمات حول المحتويات عوض محورتها حول الكفايات الأساسية التي لها ارتباط بالحياة اليومية للفئات المستهدفة في منظومة التربية و التكوين، إلى جانب الطرائق التقليدية ذات الصبغة التلقينية المستعملة بمدارسنا، و التي تقتصر على حشو عقول المتعلمين بمضامين مجردة بعيدة كل البعد عن متطلباتهم النفسية الاجتماعية و بيئتهم الثقافية المحلية...
v بعض من الاحتياطات البيداغوجية التي يجب أخذها بعين الاعتبار لتدبير الأزمة و التخفيف من حدتها مرحليا خصوصا بالنسبة للمدرسة العمومية حسب توجهات مكتب هندسة التربية و التكوين:
إذا كنا نرغب فعلا في تجاوز الأزمة التي تعرفها منظومة التربية و التكوين داخل المدارس العمومية يجب علينا الاشتغال على مجموعة من الواجهات ذات المستوى البيداغوجي و الديداكتيكي:
أولا يجب علينا تحديد مجموعة من الإجراءات الناجعة التي يمكنها أن تعود بالنفع على الساكنة التي تعاني من تدهور معرفي و اقتصادي و ثقافي و ذلك من خلال:
1. تعميم التعليم الأولي:
عن طريق إنشاء أقسام داخل المناطق الأكثر فقرا ، خصوصا من طرف فعاليات تنتمي للمجتمع المدني، مع العمل على توزيع الكتب المدرسية مجانا، و توفير المطاعم المدرسية للناشئة في مختلف الأقاليم المغربية؛ و الاشتغال و بشكل مستمر من اجل دعم البنيات التربوية المناسبة للأمكنة المخصصة للتعليم الأولي، تجنبا للارتجالية ذات الصبغة المناسباتية.
2. التفكير و بشكل عقلاني في عمق لغات التعليم بالشكل الذي يجعلها أكثر استيعابا من طرف الأطفال من الناحية السيكولوجيـــــــــــــــة و اللسنية، فالأمر لا يتعلق بتغيير جدري في جهازها المفاهيمي اعتمادا على قرار سياســي، و إنما القصد هو الاحتكام لنتائج البحث العلمي التربوي، و العمل على تكييفها مع البيئة المحلية للمتعلمين و تبسيطها حتى تتيح للمتعلم استيعاب مضامينها و توظيفها مستقبلا أثناء مواجهة وضعيات مشكل معيشية؛
3. أن تتوجه المدرسة نحو تهيئ المتعلمين للحياة الاجتماعية:
صحيح أن هناك إجراءات أخرى ذات أهمية يمكن استحضارها في هذا الجانب، مثل الإطالة في مدة التعليم الأساسي؛ و لكن هذا الاختيار مشروط أساسا بالاعتناء بجودة التعلمات التي تخول للمتعلمين اكتساب كفايات تعلمية تجنبهم من سوء التعلمات، كما هو مسجل حاليا داخل مدارسنا، بالرغم من قضائهم تسع سنوات في التعليم الإلزامي. إن الرهان الأكبر في هذا الإجراء ليس إرسال المتعلمين للمدرسة لمدة أطول و إنما الدفع بهم إلى القيام بأشياء مهمة تعود عليهم بالنفع مستقبلا.
4. اعتماد المقاربة البيداغوجية للإدماج أو ما يعرف بالكفايات الأساسية.
تقديم:
قبل التفصيل في حيثيات و مقومات هذا الاختيار البيداغوجي من الناحية الإجرائية و دواعي اعتماده كإستراتيجية عمل كما هو منصوص عليه في التوجيهات الرسمية سواء التي أتى بها المخطط الاستعجالي لوزارة الوصية على التعليم ، أو بناء على ما هو وارد في منطوق المذكرة 112 الصادرة بتاريخ 10 شتنبر 2008 بقصد التجريب في بعض الأكاديميات الجهوية بالمملكة المغربية، سنحاول بداية الوقوف على دوافع الانتقال من بيداغوجية الكفايات الممتدة إلى بيداغوجية الكفايات الأساسية التي تسمى أيضا بيداغوجية الإدماج.
v دوافع الانتقال:
و نحن نتابع عن قرب مسار بيداغوجية الكفايات بواقعنا التربوي المغربي، سواء على مستوى الخطاب المنظم و المفسر لأبعادها و أهدافها القريبة المــــــــدى او المتوسطة المدى، أو على مستوى كيفية أجرأتها كإستراتيجية عمل داخل المدارس المغربية بمختلف أسلاكها التعليمية؛ فثمة ملاحظات لا بد لنا من إبدائها في هذه الورقة، استجلاء للوضوح و رغبة منا في إزالة اللبس الحاصل على مستوى تبنيها كاختيار بيداغوجي صالح للرفع من جودة التربيــــــة و التكوين داخل منظومتنا التعليمية.
بداية لا نريد الدخول في سجالات و متاهات أيديولوجية ضيقة الأفق من الناحية المنهجية قد تصطبغ بشكل شعوري أو لاشعوري بمنمطات و أحكام قيمة متسرعة كما هو وراد في مواقف و تمثلات عدد كثير من النقاد؛ و إنما سنحاول إبراز أي نوع من أنواع الكفايات القابلة للتطبيق في مدارسنا المغربية سواء بالوسط الحضري أو القروي، انطلاقا بطبيعة الحال من خصوصية هذه الأخـــــــيرة و أهم المتغيرات المادية و البشرية المتحكمة فيها. و قبل القيام بإبراز مقومـــــات و أهداف بيداغوجية الإدماج كإجراء تطبيقي لبيداغوجية الكفايات حسب منطوق المخطط الاستعجالي و المذكرة 112، سنحاول في هذه الورقة الوقوف على بعض الاصطلاحات من اجل التحديد و ضبط نسجها المفاهيمي من الناحية النظريـــــة و التطبيقية:
1. مفهوم الكفايات وأنواعها:
تحتوي المقاربة بواسطة الكفايات على دلالات متعددة حسب المنظرين لـــــــها؛ و يمكننا في هذه الورقة استجلاء مفهومين مركزين للمقاربة بواسطة الكفايات:
v المفهوم الأول يخص المقاربة المتمركزة حول تطوير الكفايات الممتدة داخل المؤسسة المدرسية؛ و تهم هذه المقاربة المتعلمين الذين لا يعانون من صعوبات تعليمية تعلمية، خصوصا بالنسبة للمكتسبات الأولية الأساسية، مثل كفاية القراءة و الكتابـــــــــــــــة و الحساب. و تنص هذه المقاربة على اعتماد التوجيهات التالية:
1. إعادة توجيه تعلمات المتعلمين حتى يتم تفعيلها بشكل إجرائي داخل الوضعية المشكلة، فعوض الانطلاق من التعلمات الماجيسترالية يجب دفع الفئات المستهدفة في منظومة التعليم إلى توظيف منابعهم المكتسبة من اجل إيجاد حلول لوضعيات المشاكل المعروضة عليهم. و حتى نضمن نجاعة هذه المقاربة على المدرس اعتماد الطرائق الفعالة في التدريس.
2. الأخذ بعين الاعتبار أثناء عرض الوضعيات التعلمية، كفايات الحياة المعيشية للمتعلمين، و كفاية الحياة الخاصة بالقسم كمنطلقات أساسية من أجل إقحامهم في سيرورة الأنشطة و تشجيعهم على أخذ المبادرة في البحث عن الحلول الممكنة التي تطرحها مثل هذه الكفايات كمشـــــــــــــــكلات أو تساؤلات...
3. الانطلاق من إلزامية تداخل الاختصاصات داخل بنية المنهاج الدراسي، احتراما لبعدها الاندماجي و لوضعيات المشكلة المركبة.
إن هذا المفهوم المعطى للكفايات يبدو أكثر غنى و ذا طموح كبير من حيث التطبيق الفعلي لمقتضياته البيداغوجية في بنية المؤسسة المدرسية؛ إلا أن عملية أجرأته و بشكل فعال داخل القسم مشروط بتحضير أطر تعليمية مؤهلة بيداغوجيا و ديداكتيكيا، و لها من التكوين المهني الأساســــــــــــــي و المستمر ما يجعلها في مستوى تنفيذ هذا النوع من المقاربة.
كما أن تبني مثل هذا الاختيار كإستراتيجية عمل– خصوصا بالنسبة للدول المتخلفة أو السائرة في طريق النمو- صعب التطبيق لأنه يشترط وجود بنيات تحتية مناســـبة، و عدة ديداكتيكية متكاملة و داعمة لتوجهاته البعيـــــدة أو القريبة المدى. لماذا هذا التحفظ؟، لأن نجاعة المقاربة المتمركزة حول الكفايات الممتدة تناسب فقط الدول المتقدمة، أو إذا شئتم المدارس المحظوظة اقتصاديـــا و اجتماعــيا و ثقافيا.
2. حدود الكفايات الممتدة كمشروع للتطبيق في واقع مدارسنـــــــــا و رهانات الكفايات الأساسية:
إن حدود إمكانية تطبيق هذا النموذج الديداكتيكي بواقع مدارسنا التربوية التكوينية مرده إلى العوامل التالية:
1. أنها تتطلب درجة عالية من التأهيل المهني بالنسبة للمدرسين المنوط بهم تفعيلها داخل المؤسسة المدرسية؛
2. تتطلب وسطا متميزا ، و شروطا بيداغوجية ملائمة و فعالة؛
3. تحول التقويم إلى عملية صعبة و معقدة مقارنة مع مكتسبات المتعلمين المحدودة معرفيا و مهاريا؛
كما أن انعكاساتها السلبية كمشروع بيداغوجي سيساهم لا محالة في تفاقم ظاهرة العزوف عن التمدرس لدى هؤلاء الأطفال الضعاف، و استمرارية مشكل التسرب من المدرسة ، بدعوى صعوبة مسايرتهم لنظامها التعليمي التعلمــــي، و عجزهم عن تطبيق ما اكتسبوه مدرسيا داخل النسيج السوسيو اقتصادي.
v المفهوم الثاني يتعلق بالمقاربة البيداغوجية المتمحورة حول الكفايات الأساسية، و التي أصبحت تعرف لدى الخبراء البيداغوجيون ببيداغوجية الإدماج؛ و ترمي هذه البيداغوجية في بعدها الاستراتيجي إلى إعطاء المتعلميــــــــن و بشكل ملموس الكفايات الضرورية و الملحة التي تتيح لهم الانصهار و الاندماج في الجسم السوسيو اقتصادي المؤهلين له مستقبلا.
و قبل التفصيل في هذا النوع من البيداغوجيات لا بد أولا من الوقوف على مفهوم الإدماج كما هو وارد في بعض الحقول المعرفية:
1. مفهوم الإدماج:
تحتوي كلمة إدماج على تعاريف متعددة حسب السياق الذي أدرجت فيه:
ففي مجال الرياضيات كلمة إدماج عملية ترمي إلى حساب تكامل الدالة.
و في الإعلاميات تعني مرحلة من المشروع من خلالها نراقب النتائج بواسطة اختبارات إدماجية.
في مجال العلوم الإنسانية: علم النفس ،/ علم الاجتماع، علم النفس الاجتماعي، الأنتروبولوجيا، الإدماج هو التماسك و التفاعل و الانصهار الايجابي في الأوساط السوسيو اقتصادية و الاجتماعية القائمة في صلب المجتمع تحقيقا للهوية النفسية الاجتماعية للفرد الاجتماعي.
أما اصطلاح الإدماج في المجال البيداغوجي فنعني به منطلقا بيداغوجيا عبره يعمل المتعلمون على تحريك منابعهم المعرفية لإيجاد حلول أو لمعالجة وضعيات مشكل مركبة