من المعروف أن الفلاسفة اختلفوا حول الإجابة عن الإشكال المتعلق بمصدر
المعرفة. فمنهم من جعل هذا المصدر في العقل، وهذا هو فريق العقلانيين،
ومنهم من جعله في التجربة، وهذا هو فريق التجريبيين، ومنهم من جعل هذا
المصدر في العقل والتجربة معا، كما هو الحال بالنسبة إلى كانط.
هكذا فقد اعتبر كانط أن العقل وحده غير كاف لإنتاج المعرفة، كما أن
التجربة وحدها غير كافية. وتبعا لذلك فالمعرفة هي نتاج تصافر كل من العقل
والتجربة.
يرى كانط أن العقل غير قادر انطلاقا من مبادئه الذاتية على إنتاج المعرفة،
كما أن التجربة وحدها غير كافية للحصول على المعرفة. وهكذا فالمعرفة عند
كانط هي نتاج تضافر وتكامل بين العقل والتجربة معا: فالحساسية تقوم بتلقي
الانطباعات الحسية التجريبية ثم يعمل الفهم انطلاقا من مقولاته القبلية
بتحويل وتنظيم وتوحيد تلك المعطيات التجريبية لينتج منها معارف كلية
وضرورية. وهكذا فللمعرفة عند كانط مصدران أساسيان هما الحساسية والفهم.
فالمعرفة عنده هي انبناء للواقع وتشكيل له تبعا لمبادئ ومقولات الفكر
القبلية. ويميز كانط بين ما يسميه بالفينومين(Phénomène) أو الظاهر
والنومين(Noumène) أو الشيء في ذاته؛ فالعقل يمكنه أن يدرك الفينومين أما
النومين فلا يستطيع أن ينتج بصدده أية معرفة صحيحة. وإذا حاول العقل تجاوز
عالم الظواهر فإنه سيسقط في المتاهات والتناقض.
الحقيقة إذن عند كانط هي مطابقة الفكر لذاته ومطابقته للواقع المادي،
فالعقل ينتج الحقيقة انطلاقا من إعادة بنائه للواقع بواسطة ما يمتلكه من
صور ومقولات قبلية.
لقد تجاوز كانط الموقفين العقلاني والتجريبي معا وجمع بينهما ضمن مركب
جديد ، يتمثل في قول كانط بأن المعرفة هي نتاج تضافر وتكامل بين العقل
والتجربة. هكذا يميز كانط في عملية المعرفة بين ثلاث ملكات رئيسية: ملكة
الحساسية ووظيفتها هي تلقي الانطباعات الحسية، وملكة الفهم ووظيفتها هي
تحويل وتنظيم المعطيات الحسية عن طريق ما تحتوي عليه من مقولات قبلية، ثم
ملكة العقل الخالص ووظيفتها هي إعادة تنظيم ما سبق للفهم أن نظمه عن طريق
ثلاثة مبادئ متعالية هي: الله، العالم والنفس.
هكذا فمصدرا المعرفة عند كانط هما الحساسية والفهم معا؛ ذلك أن المبادئ
القبلية بدون حدوس حسية جوفاء وفارغة، والحدوس الحسية بدون مبادئ قبلية
عمياء وغامضة. ويميز كانط بين الفينومين والنومين أو بين الظاهر والشيء في
ذاته؛ فالعقل يمكنه أن يدرك الظاهر لكن الشيء في ذاته لايمكنه إدراكه، وإذا
حاول ذلك سيسقط في المتاهات والتناقض. هكذا فالعقل عن كانط محدود بحدود
التجربة الحسية ولا يمكنه أن ينتج معرفة يقينية بصدد الموضوعات
الميتافيزيقية.
المصدر
/chebba.hijaj.net