" محاولة عيش "
قصة للكاتب المغربي محمد زفزاف
ولد سنة 1945 بسوق الأربعاء الغرب، امتهن التدريس بالتعليم الثانوي بالدار البيضاء.
انضم الى اتحاد كتاب المغرب في يوليوز 1968. يتوزع إنتاجه بين الكتابة الروائية، القصصية والشعرية والترجمة.
توفي يوم الجمعة 13 يوليوز سنة 2001.
قراءة في عنوان الرواية "محاولة عيش":
للعناوين أهمية كبرى في تحليل النصوص الأدبية ، باعتبارها عتبة يحسن
قراءتها وتأويلها، فعنوان العمل مرادف لعنوان الشخص، إذ إليه يأوي النص
ويسكن فيه، وهو من جهة أخرى أشبه ما يكون ببطاقة هوية الدالة على الأثر
الأدبي، ولذلك يتربع في موقع الصدارة ، ليشهر هوية العمل ، بكل شفافية
ووضوح.
إن موضوع "محاولة عيش" يصب رأسا في وجود شرط إنساني قاس، يحول دون ممارسة
الإنسان لوجوده في ظروف تحفظ له كرامته وإنسانيته، الأمر الذي يجعل من
أفعاله وتحركاته مجرد محاولة عيش لا حياة، إذ أن هذه الأخيرة لها مواصفتها
التي تفتقر إليها شخوص الحكي . وبتعبير آخر ،فإن إحجام الشخوص عن القيام
بمحاولاتهم ، قد ينتج عنه موتهم وفناؤهم، وفي كلمة واحدة فإن تأمل الأنشطة
التي تزاولها شخصيات الرواية، يؤكد بأنها شخصيات تعيش ولا تحيى، وبأنها على
حافة الموت، وتحت عتبة الفقر.
- مثال : " كان أبوه يأخذه معه الى الغابة لجني البلوط وبيعه بثمن بخس،
لذلك لم يكن يستمر طويلا، موسم البلوط كان ينتهي بسرعة " ص 93.
- "... الأمريكيون يلقون نفايات القاعدة الجوية، فيتسارع إليها كل ساكني
البراريك ليلتقطوا الأجبان المدودة وبقايا المصبرات القذرة " ص، 131.
ملخص أحداث الرواية :
" حميد " الشخصية الرئيسية في الرواية يعيش مع والديه في البراريك ، أبوه
رجل كسول لا يتورع في استغلاله ، يساعده على التقاط البلوط في الغابة، و
يسلبه النقود التي يكسبها طوال النهار من بيع الصحف، أما الأم فلا تتوقف عن
تأنيب الأب والابن للمزيد من العمل والكدح.
ومعاناته أيضا من الابتزاز الذي يتعرض له حينما يتسلل إلى الميناء لبيع
الجرائد داخل السفن الأجنبية، حيث يخرج منها حاملا بعض علب السجائر التي
يسلبها منه الحراس وشرطي الميناء بدعوى أنه دخلها بدون ترخيص .
يتجول حميد ليلا في حانات المدينة التي يرتادها الجنود الأمريكيون ،ويعيثون
فيها فسادا، مستغلين فقر الفتيات القادمات من القرى المجاورة، بحثا عن
عمل. وغيرته على إحدى المومسات " غنُّو" التي خلصها من جندي أمريكي وأحد
المتسكعين، لتصبح خليلته فيما بعد، أعطته مفتاح " البراكة " التي تسكنها،
يدخلها ليلا ليستريح وينتظرها حتى تعود ، فتقرضه بعض النقود حتى لا يعود
إلى أبيه خاوي الوفاض.
ألحت الأم على أبيه أن يبني له براكة في الحوش لأنه أصبح رجلا ، وبعد تردد
الأب في بناء البراكة رضخ لقرار الأم ، ولكنه لم ينج من تسلط " المقدم "
الذي أمره بهدمها لأنه لم يحصل على ترخيص من السلطات ، لكن المقدم غض الطرف
لأنه تسلم خمسة عشر درهما كرشوة.
تقرر امه بعد ذلك أن تزوجه من إحدى بنات البراريك " فيطونة " السمينة التي
كانت تغمز برجلها اليسرى ، رغم تهكم نساء البرايك لأنها لا تجد ما تقتات به
فكيف لها أن تعول امرأة أخرى. لم يعترض " حميد على هذا الزواج رغم تعرفه
على " غنّو " التي كان ينام في بيتها بعض الليالي . ولم ينج من تعليقات
أصحابه وتوقعاتهم لما سيحصل لو علمت خطيبته " فيطونة " بالأمر.
زف "حميد " الى زوجته " فيطونة " تحت زغاريد النساء وهتاف أصدقائه, واستمر
الغناء والرقص الى ما بعد منتصف الليل, ورفعت صينيات الشاي، ووضع الأكل،
وانصرف الجيران بعد ذلك. طاف الأصدقاء بحميد قليلا بين أزقة الأكواخ ثم
أعادوه إلى " براكته " حيث كانت تنتظره " فيطونة " طال دخوله البراكة ،
انتظرته أمه وحماته ، وحين نفذ صبرهما ، طرقت أمه باب الكوخ لتستفسر سبب
هذا التأخر . وقد كان نبأ عدم عذرية " فيطونة " صاعقة بعثرت كل الأوراق
والترتيبات. لم يخاصم حميد أحدا ، خرج من كوخ الزوجية وركب دراجته وتوجه
نحو " غنو ".
مقتطفات تتطرق إلى أهم القضايا التي تعالجها الرواية
فساد المجتمع :
- سيادة الشك والفرقة بين الناس : " كل يوم تبنى فيه برَّاكة جديدة، لكن الأخبار تصل بطريقة أو بأخرى " . ص 85.
- شيوع الرشوة على كل المستويات : " أنت لا تعرفين الميناء ، لا يصلك الدور إلا بالرشوة " ص: 100.
- تسلط رجال السلطة : " كان الرجل بدلته الرسمية الزرقاء ينظر إليه بطريقة عدوانية ن ومسدسه يتدلى عن يساره " ص: 88.
- التفسخ والانحلال الخلقي : " المومسات الوافدات .... رجال السلطة
يعتقلوهن لابتزازهن أو لاغتصابهن..إن الإسلام يمنع الزنا، والزنا، الدولة
لا تعترف به، ص :107.
وضعية المرأة في المجتمع :
* مستوى الوضع الاعتباري :
- " إنها فتاة على كل حال إلى متى سيحتفظ بها ؟ هل سيُمَلِّحُها وينْشُرُها مثل لحم عيد الأضحى ؟ " ص: 162.
- " الله يهديك النساء كثرت هذه الأيام، أصبحن يقبلن حتى على ذوي العاهات".
• مستوى الممارسة الاجتماعية
- " لا بأس إذا غمزت بقدمها، لكنها مع ذلك سمينة، تحلب فمه، وتمتلكه قشعريرة " ص: 142.
- "ما من أحد كره وجود امرأة بجانبه، تطبخ له الشاي، تضع له لبيخة على رأسه عندما يشعر بالألم ، تغسل له ثيابه " ص: 144.
• مستوى المواصفات الذاتية :
- " اجعل المرأة امامك ، ولا تجعلها خلفك، النساء غدارات وحراميات " ص: 158.
• مستوى العلاقة مع الرجل .
- " لقد أصبحت أتركها تنبح كالكلبة... أنا أيضا تعِبتُ من ضرب تلك العرجاء اللعينة." ص: 131.
الطفولة المحرومة :
* مظاهر الحرمان
- خذ هذه الأثواب وغير خرقك البالية الممزقة" ص: 120.
- أمرت الخادمة أن تقدم له صحنا من اللوبيا بقطعة من قوائم البقر، منذ شهور لم يأكل وجبة مثل هذه " ص: 119.
• نمط حياة أطفال الهامش :
- العيش المتشرد " يتغيبون منذ شهر عن عائلاتهم يظلون يعيشون من مزابل المدينة، وينامون في الحدائق العمومية " ص: 100.
• بعض أشكال المعاناة .
- الاستعباد: " كم أتمنى أن يكون ماسح أحذية، لأن حياة هؤلاء حرة" ص: 87.
- الإذلال : " هل تعرف أين نحتجز أمثالك؟ إنك تصلح لأولئك السكارى المهربين" ص: 88.
- الإرهاب : " جره الحارس إلى البراكة، شعر حميد بالخوف من هؤلاء الأجلاف. كم هم قساة " ص: 90.
شخصيات الرواية :
1- شخصية الأب : اسمه الحسن، ذو بنية جسمانية قوية، وأسنان قذرة وسوداء من
كثرة التدخين، يقضي يومه في النوم العميق أو الجلوس أمام دكان البقال.
2- شخصية الأم : لا تحمل اسما في الرواية، وليست لها أوصاف مميزة عدا أن
الشيب قد خط شعر رأسها، تشتغل في حرف كثيرة، قلقة دائما على مصير أسرتها،
دائمة الشجار مع زوجها، غير أنها قوية الشخصية، وتستطيع الوصول للأهداف
التي تخطط لها بعناية.
3- شخصية المومس الصديقة : أسمها " غنُّو" وهي فتاة بدوية مهاجرة من "
العوامرة "، تشتغل في ملهى ليلي، تعلمت في ظرف ثلاثة أشهر كيف ترتدي
البنطلون وتقص شعرها وتضع الأصباغ وتشرب وتدخن، وتعلمت أيضا بعض الكلمات
الأمريكية.
4- شخصية الخطيبة " فيطونة " فتاة سمينة متوردة الوجنتين ذات ردفين كبيرين،
وتغمز بقدمها. اختارتها الأم خطيبة لابنها من بين خمس أو ست بنات لأنها
تحييها كلما راتها.
5- شخصية سي ادريس : رجل سمين يضع نظارتين سميكتين على عينيه. كان شبيها
بيهودي يبيع الفراخ والدجاج. يمتلك مكتبا لتوزيع وبيع الجرائد.
6- شخصية المقدم : لا اسم للمقدم، إنه رمز لرجال السلطة في المدينة، وهو
يختزل كافة صفاتهم، ويكشف أيضا على السلالة الإدارية التي ينحدر منها. فقد
كان مجرد حشاش مقامر، لكن تعاونه مع أجهزة الأمن والشرطة، باعتباره مخبرا
مخلصا، جعله يعمل مع الدولة..
• تحولات وعي "حميد".
مميزات وعي المرحلة الأولى
- انمحاء الذات وذوبانها في المحيط الأسري الضيق
- الصدور عن تربية تقليدية محافظة
- بروز وعي ديني شعبي
- استكانة الذات وخضوعها للقوانين الاجتماعية والمهني
مميزات وعي المرحلة الثانية
- بروز الذات وتشكلها وفق المحيط الاجتماعي الذي تحيا فيه
- التصرف وفق ما تمليه الظروف والشروط الموضوعية.
- التحرر من التصورات التي كانت تعوق تكيف الذات مع واقعها.
- تمرد الذات وثورتها على القوانين الاجتماعية والمهنية بحثا عن الخلاصة
* الزمن في الرواية :
- تحيلنا الرواية الى زمن وجود القاعدة الجوية الأمريكية بمدينة القنيطرة
في بداية الستينات، في إطار المساعدات العسكرية والاقتصادية التي كانت
تقدمها أمريكا للمغرب بُعَيْدَ استقلاله.
- وزمن بداية الاستقلال الذي تؤرخ له الجريدة الوحيدة الناطقة باللغة العربية وهي جريدة " الاستقلال".
* زمن الحكاية : ونعني به المدة التي استغرقتها أحداث القصة وهي ثمان
سنوات، من السن التي لم يتجاوز فيها حميد سنه العاشرة إلى أن تزوج بفيطونة
وهو ابن الثامنة عشرة.
* المكان في الرواية :
من خلال قراءتنا للرواية لا يمكننا تحديد مكان بعينه لأننا لا نعرف اسم
الأمكنة ولا موقعها ولا حدودها وكأننا بمحمد زفزاف يرمي من وراء ذلك إلى
أمرين :
- تعمد عدم تسمية الأمكنة للتعميم الذي يشكل كل مدينة مغربية باعتبارها
فضاء مناسبا لمجريات الأحداث ووقائعها وشخوصها التي تهددهم نفس الظروف ونفس
المصير.
- تعمد عدم تسمية الأحياء والتجمعات السكنية بأسمائها، لأنها أصلا أهملتها
السلطات العمومية، واستشراء الفساد والرشوة والابتزاز وسط رجالات السلطة،
وافتقار الحي الصفيحي لأبسط المرافق الصحية والاجتماعية والثقافية. وهو
يتجاهل أسماء هذهالفضاءات إمعانا في تغريبها.
محمد البغدادي / سطات
مأخوذ من كتاب " دراسة المؤلفات" الثانوي الإعدادي ، بتصرف