تولى السلطان مراد الأول السلطة في الدولة العثمانية سنة 761 هـ وعمره
ستة وثلاثون عاماً ، فكان بذلك ثالث سلاطين الدولة العثمانية ، وكان شجاعاً
مجاهداً ، فتح مدينة أدرنة عام 762 هـ ، وجعلها عاصمة الدولة ليكون على
مقربة من الجهاد في أوروبا ، ومضى في حركة الجهاد والدعوة وفتح الأقاليم .
لقد قامت الدولة السلجوقية التركية في القرن الخامس للهجرة لتشمل خراسان وما وراء النهر وإيران والعراق وبلاد الشام وآسيا الصغرى .
وأسسها طغرل بك السلجوقي الذي استطاع أن يسقط الدولة البويهية التي كانت
مسيطرة على الخلافة العباسية ببغداد عام 447 هـ ، وأن يؤسس دولته السنية ،
ثم توفي سنة 455 هـ وتولى السلطنة من بعده ابن أخيه ألب أرسلان الذي كان
قائدا ًماهراً وشجاعاً كعمه ، فنشر الأمن في سلطنته الواسعة ، ثم التفت نحو
توحيد العالم الإسلامي تحت راية الخلافة العباسية ونفوذ السلاجقة .
وأغضبت فتوحاته هذه ( دومانوس ديوجينس ) إمبراطور الروم ، فصمم على القيام
بمعركة مضادة للدفاع عن إمبراطوريته ، ودخلت قواته في مناوشات ومعارك كان
أهمها ملاذكرت عام 463 هـ ، فماذا جرى في هذه المعركة ؟
قال ابن كثير : ( وفيها أقبل ملك الروم أرمانوس في جحافل أمثال الجبال من
الروم والرخ والفرنج ، وعدد عظيم وعُدد ، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من
البطارقة ، مع كل بطريق مائتا ألف فارس ، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون
ألفاً ، ومن الغزاة الذين يسكنون القسطنطينية خمسة عشر ألفاً ، ومعه مائة
ألف نقّاب وخفار .. ومعه أربعمائة عجلة تحمل النعال والمسامير ، وألفا عجلة
تحمل السلاح والسروج والمناجيق، منها منجنيق عدة ألف ومائتا رجل ، ومن
عزمه قبحه الله أن يبيد الإسلام وأهله ، وقد أقطع بطارقته البلاد حتى بغداد
، واستوصى نائبها بالخليفة خيراً ، فقال له : ارفق بذلك الشيخ فإنه صاحبنا
، ثم إذا استوثقت لهم ممالك العراق وخراسان لهم مالوا على الشام وأهله
ميلة واحدة ..
فالتقاه السلطان ألب أرسلان في جيشه وهم قريب من عشرين ألفاً ، بمكان يقال
له الزهوة ، في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة ، وخاف السلطان من
كثرة جند الروم ، فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن
يكون من وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوال حين يكون الخطباء يدعون
للمجاهدين ، فلما كان ذلك الوقت وتواقف الفريقان وتواجه الفئتان نزل
السلطان عن فرسه وسجد لله عز وجل ، ومرغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره
، فأنزل نصره على المسلمين ، ومنحهم أكتافهم فقتلوا منهم خلقاً كثيراً ،
وأسر ملكهم أرمانوس ، أسره غلام رومي ، فلما أوقف بين يدي الملك أرسلان
ضربه بيده ثلاثة مقارع وقال : لو كنت أنا الأسير بين يديك ما كنت تفعل ؟
قال : كل قبيح ، قال : فما ظنك بي ؟ فقال : إما أن تقتل وتشهرني في بلادك ،
وإما أن تعفو وتأخذ الفداء وتعيدني ، قال : ما عزمت على غير العفو والفداء
، فافتدى منه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار ، فقام بين يدي الملك
وسقاه شربة من ماء وقبل الأرض بين يديه ، وقبل الأرض إلى جهة الخليفة
إجلالاً وإكراماً ، وأطلق له الملك عشرة ألف دينار ليتجهز بها ، وأطلق معه
جماعة من البطارقة وشيعه فرسخاً ، وأرسل معه جيشاً يحفظونه إلى بلاده ،
ومعهم راية مكتوب عليها : لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .
لم يكن جيش ألب أرسلان يعادل إلا 1/10 من جيش البيزنطيين ، ولقد أطلق سراح
الإمبراطور البيزنطي مع جماعة من أمرائه مقابل أن يطلق الإمبراطور سراح كل
مسلم أسير ، وأن يرسل إليه عساكر الروم لتقاتل معه في أي وقت يطلبها .
ويا لله ما أروع نصيحة العالم الرباني أبي نصر محمد بن عبد الملك البخاري
الحنفي في المعركة عندما قال للسلطان : إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره
وإظهاره على سائر الأديان ، وأرجو أن يكون الخطباء على المنابر ، فإنهم
يدعون للمجاهدين . فلما كان تلك الساعة صلى بهم ، وبكى السلطان ، فبكى
الناس لبكائه ، ودعا فأمنوا ، فقال لهم : من أراد الانصراف فلينصرف فما
هاهنا سلطان يأمر ولا ينهى . وألقى القوس والنشاب وأخذ السيف ، وعقد ذنب
فرسه بيده ، وفعل عسكره مثله ، ولبس البياض وتحنط ، وقال : إن قتلت فهذا
كفني