العصر الهلنستي
الحضارة الهلنستية هي وليدة الامتزاج ما بين الحضارة الإغريقية والحضارات
الشرقية والذي حصل نتيجة لاحتلال الإسكندر المقدوني للشرق القديم. لقد أثرت
الحضارة الإغريقية بالحضارات العريقة مثل حضارة وادي الرافدين والحضارة
الفرعونية وحضارات أخرى غيرها، كما وتأثرت بهذه الحضارات. ونظراً للارتباط
الجغرافي ما بين منطقة الخليج وبلاد وادي الرافدين وإيران، وبفعل التبادل
التجاري ظهرت في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ القرن الثالث قبل
الميلاد ثقافة جديدة استمرت لبضعة قرون، ومن تلك الثقافة تم اكتشاف مواقع
أثرية في كل من إمارتي الشارقة وأم القيوين، بينما لم يكتشف في إمارة أبو
ظبي حتى اليوم سوى القليل من معالم تلك الثقافة. ففي منطقة مليحة في إمارة
الشارقة والواقعة بين الخليج العربي وخليج عمان تم اكتشاف مستوطنة كبيرة
وكثير من المدافن الشاخصة التي اختلفت كثيراً عن مدافن العصور السابقة. وفي
تلك المنطقة كذلك تم اكتشاف بقايا قصر أشبه بالحصن تم تنقيب جزء منه من
قبل بعثة الآثار العراقية في عام 1973. ومعروضات مليحة الموجودة في متحف
العين كانت قد أتت من ذلك القصر. ومن تلك المعروضات جرة مزججة باللون
الأخضر وأطباق من الفخار وحامل من الفخار كذلك (خزانة 157). وفي الخزانة
المجاورة (158) عرضت أداة من المعدن ربما تمثل سلاحاً رمزياً، إضافة إلى
مقبضين لجرتين مختلفتين من الفخار. والمقبض الأول مختوم بكتابة إغريقية
تذكر اسم صانعها، وهذه الجرة كما يعتقد كانت قد استوردت من رودس في بلاد
الإغريق بحدود بداية القرن الثاني قبل الميلاد. أما المقبض الثاني فعليه
ختم لزهرة اللوتس ويقدر عمره بالفترة ما بين 220 و 180 ق.م. ومن بين
المعروضات كذلك زمزمية وخنجر وعدد من السهام المصنوعة من الحديد وكسر من
الزجاج.
ومن الجدير بالذكر أن إدارة الآثار في الشارقة قد قامت من خلال بعثة الآثار
الفرنسية والفريق المحلي التابع لها بإجراء المزيد من أعمال التنقيب في
منطقة مليحة تم بموجبها اكتشاف حصن كبير وبيوت وقبور، وقد تم عرض المكتشفات
الأثرية التي تم الحصول عليها في متحف الشارقة للآثار.
أما الموقع الثاني الذي يعرض متحف العين بعض من مكتشفاته فهو موقع الدور
الواقع في إمارة أم القيوين، وكانت بعثة الآثار العراقية قد بدأت التنقيب
فيه تحت إشراف إدارة الآثار والسياحة بالعين واكتشفت فيه حصناً ومقابر لا
تختلف كثيراً عن تلك التي تم اكتشافها في مليحة. فالخزانة 160 فيها عملات
قليلة ولكنها مهمة جداً إضافة إلى بعض الدمى المصنوعة من الطين. يذكر أن
بقية المكتشفات كانت قد تركت مع السلطات المحلية للإمارة.
لقد بينت أعمال التنقيب المحدودة التي قامت بها البعثة العراقية أهمية موقع
الدور، لذلك قامت فيما بعد بعثات من بلجيكا والدنمرك وبريطانيا وفرنسا
بالتنقيب فيه لعدة سنين وذلك من أجل كشف أسرار هذا الموقع. تغطي أنقاض
الموقع مساحة تمتد أربعة كيلومترات طولاً وكيلومتر واحد عرضاً مما تجعله
واحداً من أهم مواقع ذلك العصر في منطقة الخليج، وقد أظهرت تلك النتائج على
أن موقع الدور كان مرفأًً مهماً على الشاطئ الجنوبي الشرقي للخليج العربي
حيث أن المكتشفات الأثرية المتنوعة والتي أتت من مصادر مختلفة من مناطق
العالم القديم مثل بلاد الشام ووادي الرافدين وإيران وبلاد الإغريق كانت
خير دليل على ذلك. وبالإضافة إلى الحصن الذي اكتشفه العراقيون والعدد
الكبير من المقابر التي تم تنقيبها من قبل جميع هذه البعثات فقد اكتشف
البلجيكيون معبداً يتكون من غرفة واحدة وعدد من المذابح الخارجية. وهذا
المعبد الذي يكتشف لأول مرة كان يؤدي وظائفه في الحقبة ما بين 100 قبل
الميلاد و 100 بعده. وبناءاً على نص كتابي قصير كتب بالآرامية وجد فوق أحد
المذابح يمكن القول أن هذا المعبد كان مخصصاً لعبادة الإله شمش (إله الشمس)
وهو معبود قديم عند العراقيين القدماء.
أما المكتشفات الأثرية التي تم العثور عليها أثناء عمليات التنقيب التي
أجرتها البعثات الأوربية في هذا الموقع قد تم عرضها في متحف أم القيوين
الذي أنشأ حديثاً، والذي قام فريق من متحف العين الوطني بانتقاء وترتيب
المعروضات فيه