ذكرى المطالبة بالاستقلال تجسيد لإحدى المحطات البارزة في تاريخ الكفاح الوطني من أجل الاستقلال (10/1/2005)
يشكل يوم11 يناير1944 في المغرب ,إحدى المحطات الرئيسية في
تاريخ الكفاح الوطني الذي خاضه العرش والشعب من أجل الحرية والانعتاق من
ربقة الإستعمار الغاشم. ففي11 يناير1944 قام رجال الحركة الوطنية بتنسيق
محكم مع بطل التحرير وأب الأمة المغفور له محمد الخامس, بخوض معركة نضالية
حاسمة .
تمثلت في تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال إلى سلطات
الحماية الفرنسية وتسليم نسخ منها إلى المقيم العام كابرييل بيو وإلى
القنصلين العامين لبريطانيا العظمى والولايات المتحدة وإلى الجنرال ديغول
وسفير الاتحاد السوفياتي بالجزائر. ويعتبر الاحتفال بهذه الذكرى, برهانا
للعالم أجمع على أن المغاربة قاطبة, ملكا وشعبا, يصنعون التاريخ معا, وهذا
ما أفقد سلطات الحماية صوابها سنة1944 حين علمت بأن الوثيقة التي قدمها
الوطنيون كانت بإيعاز من المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه, وبمباركة
تامة منه لمضامينها كاملة. وهكذا فإن الوثيقة شكلت وبكل المقاييس, منعرجا
هاما في تاريخ المقاومة المغربية المجيدة, وخلاصة لجميع أشكال المقاومة
التي خبرها المغاربة. فكانت الوثيقة ثمرة العمل الوطني, مما جعلها علما
ونبراسا في تاريخ حركات التحرر العالمي.
وقد شهد التاريخ بأن المغرب لم يقف أبدا مكتوف الأيدي منذ
معاهدة فاس يوم30 مارس1912 من أجل اقتلاع جذور الاستعمار سواء في المنطقة
التي كانت تخضع للاحتلال الفرنسي أو في المناطق التي كانت تحت الحجر
الإسباني بشمال وجنوب المملكة. حيث اندلعت بعد ذلك معارك كبرى في مختلف
جهات المملكة منها معركة (الهري) بالأطلس المتوسط سنة1914 ومعركة (أنوال)
بالريف ومعركة (بوغافر) بورزازات, ومعركة (جبل بادو) بالرشيدية سنة1933 إلى
غيرها من الانتفاضات التي عرفها المغرب في المدن والقرى والجبال والمداشر.
وبقدر تجبر سلطات الحماية, بقدر تجذر الوعي السياسي لدى
المغاربة, الذي تجلى بوضوح بعد صدور الظهير البربري سنة1930 , فانطلاقا من
هذا التاريخ بدأت معالم الكفاح السياسي تبرز للوجود كاستمرار للعمل المسلح,
وأخذت السياسة الوطنية تعرف منعطفات جديدة في مسارها النضالي بقيادة
المغفور له محمد الخامس الذي اغتنم فرصة انعقاد مؤتمر أنفا في يناير1943
لطرح قضية استقلال المغرب وإنهاء عهد الحماية, مؤكدا أن مشروعية المغرب في
المطالبة بالاستقلال أمر معقول, مذكرا المجتمعين في المؤتمر بوقوف المغرب
إلى جانب أوروبا في معركتها التحريرية.
وشهدت سنة1944 تكثيف الاتصالات بين القصر الملكي ورجال
الحركة الوطنية حيث تم التنسيق مع أب الأمة المغفور له محمد الخامس لتحضير
الوثيقة وإعدادها وإطلاع جلالته طيب الله مثواه على مضمونها, فكان يشير
عليهم بما تقتضيه سياسته الرشيدة من إضافات وتعديلات وانتقاء الشخصيات التي
ستتكلف بتقديمها مع الأخذ بعين الاعتبار مختلف الشرائح الاجتماعية وتمثيل
جميع مناطق المغرب.
ومن أهم ما جاءت به الوثيقة المطالبة باستقلال المغرب تحت
ظل ملك البلاد السلطان محمد بن يوسف والسعي لدى الدول التي يهمها الأمر
لضمان هذا المطلب وانضمام المغرب للدول الموافقة على وثيقة الأطلسي
والمشاركة في مؤتمر الصلح. وعلى المستوى الداخلي, ركزت الوثيقة على الخصوص
على الرعاية الملكية لحركة الإصلاح وإحداث نظام سياسي شوري تحفظ فيه حقوق
وواجبات جميع مكونات الشعب المغربي.
كما أن الوثيقة تعتبر مكسبا وطنيا وتاريخيا وقانونيا نظرا
للطريقة التي صيغت بها, بالإضافة إلى أنها حققت إجماعا وطنيا كبيرا, عززه
المغاربة بعرائض التأييد لمضمونها مما حمل المستعمر على القيام بحملة
اعتقالات واسعة في صفوف الحركة الوطنية, كما اندلعت يوم29 يناير1944
مظاهرات عارمة بالرباط وسلا وفاس وغيرها من المدن. وتحديا لسياسة
الاستعمار, قام المغفور له محمد الخامس بزيارته المشهورة لمدينة طنجة يوم9
أبريل1947 , وألقى هناك خطابا تاريخيا أبرز فيه تمسك المغرب بمقوماته
التاريخية والوطنية وبمقدساته الدينية.
وأتبع جلالة المغفور له محمد الخامس هذه التحركات داخل
الوطن بمجهود جبار خارج المغرب, وفي جميع المحافل حيث أصر على موقف المغرب
في الحصول على الاستقلال في زيارته لفرنسا سنة1950 . ومع توالي مواقف جلالة
المغفور له محمد الخامس, أقدمت سلطات الحماية على جريمتها الشنعاء بنفي أب
الأمة المغربية وولي عهده آنذاك ورفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الملك
الحسن الثاني مما أدى إلى انطلاق شرارة المقاومة الفدائية حتى تحققت إرادة
العرش والشعب وعاد بطل التحرير إلى عرش أسلافه المنعمين.
ولما برز فجر الاستقلال, واصل المغرب تحت القيادة الرشيدة
للمغفور له محمد الخامس ومن بعده وارث سره المغفور له الملك الحسن الثاني
نضاله المستميت على مختلف الواجهات الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية
لبناء المغرب الحديث التي يعمل على ترسيخها صاحب الجلالة الملك محمد السادس
بإرساء أسس مجتمع يتطلع إلى المستقبل متسلحا بكل مقومات العصر الحديث مع
الحفاظ على المكونات الحضارية للمغرب.