من إعداد : الأخ محمد ب.
الأربعاء 30 شتنبر 2009
المكتبة المدرسية
مقاربة أولية في تحديد بعدها الوظيفي ومقتضيات التفعيل
لابد من التأكيد بداية على أن تربية الأفراد على قيم المواطنة ليست مسألة توعية فحسب، وإنما هي مسألة بناء إنسان قادر على مواكبة المستجدات المعرفية، إنسان يعرف أن تكوينه العلمي والمعرفي لا ينتهيان بالحصول على شهادة عليا و/ أو عمل. هكذا يجد كل مجتمع نفسه أمام ضرورة وضع إستراتيجية تهدف إلى العمل على بناء إنسان واع بأن مسألة التكوين والتكوين المستمر، مسألة ترتكز أيضا على الاستقلال الذاتي، والمبادرة الفردية والتعلم الذاتي.
وتنصب هذه المقاربة في إطار التفكير في الأدوار التي يمكن أن تقوم بها المكتبة المدرسية من أجل المساهمة في خلق "مجتمع العلم والمعرفة". وبعبارة أخرى إن هذه المقاربة ستحاول أن تؤسس الوعي بأهمية الدور الوظيفي الذي يمكن أن تقوم به المكتبة المدرسية في إطار المنظومة التربوية، وبالتالي إبراز أهمية المسؤولية المباشرة الملقاة على عاتقها.
البعد الوظيفي للمكتبة المدرسية:
كانت وظيفة المكتبة المدرسية ببلادنا تنحصر –إلى عهد قريب- في القيام بأدوار يمكن اعتبارها اجتماعية بالدرجة الأولى. حيث كانت وظيفتها الأساسية تتحدد في إعارة الكتب المدرسية مقابل كفالة قد يعفى منها التلاميذ المعوزون. لذا كان المسؤولون عن المكتبة سابقا يستعملون مصطلح " الخزانة الترفيهية ".
و بما أن المنظومة التربوية اليوم، تتجه نحو بناء إنسان منفتح على العلم والمعرفة، وجب الإدراك أن المعرفة ليست مجرد غاية في ذاتها لأنها يمكن أن تتحول إلى وسيلة. كما أن المعرفة والعلم في تنام وتجدد مستمرين، لهذا تتجه التربية المعاصرة نحو اعتبار المكتبة المدرسية طرفا مباشرا وإيجابيا في المنظومة التربوية.
المعلومات حق للتلميذ:
إن التربية المعاصرة أصبحت لا تعتبر الولوج إلى المعرفة ترفا فكريا بل حقا للتلاميذ على المجتمع أن يمكنهم منه: فالتلاميذ سيواجهون لا محالة مستقبلا يزخر بالمعلومات ولن يتمكنوا من ذالك إلا إذا تم تأهيلهم للتعلم مدى الحياة، و إكسابهم كفايات تسمح لهم باتخاذ القرارات بشكل انفرادي ومستقل. ومن هذا يتأكد أن المعلومات أصبحت عنصرا حيويا، فهي وحدها تستطيع إذكاء الفكر النقدي لدى التلاميذ وبالتالي إنماء العديد من الكفايات الذاتية، وترسيخ القدرة على المبادرة الفردية.
رسالة المكتبة المدرسية:
يتبين مما سبق، أن التربية المعاصرة أصبحت تنظر إلى المكتبة المدرسية كفضاء ذي رسالة محددة عليه أن ينجح في أدائها، وله غايات ومقاصد لابد أن يرنو إلى الوصول إليها، ويعمد بيان اليونسكو حول المكتبة المدرسية إلى تأطير تلك الرسالة داخل 3 مستويات أساسية هي :
1. مستوى المعاملة: ويتمثل بالخصوص في معاملة التلاميذ وفق مرجعيات حقوق الإنسان، وانطلاقا من مبدأ المساواة.
2. مستوى الخدمات: ويتمثل في الدعوة إلى أن تعمل المكتبة المدرسية على توفير كلما من شأنه أن يخدم عمليات التعلم من وثائق وكتب...
3. مستوى المساعدة: ويتجلى في دعوة المسؤولين على المكتبة المدرسية أن يكونوا رهن إشارة التلميذ من أجل تقديم المساعدة.
مقاصد المكتبة المدرسية:
تحدد التربية المعاصرة مقاصد المكتبة المدرسية في القيام بمجموعة من الوظائف تعتبر ضرورية لترسيخ كفايات أولية لدى التلميذ، ترتبط بالخصوص بتطوير عمليات التعليم والتعلم والتكوين، وتحدد في إكساب التلميذ عادتي القراءة والكتابة، لتلازماه مدى الحياة.
فمن خلال تدخلها بشكل مباشر في عملية بناء مستقبل التلميذ، أصبحت عنصرا كامل العضوية في عملية التنشئة الاجتماعية، وطرفا فاعلا في خدمة أهداف المدرسة والمجتمع، بل يكفي للمكتبة أن تكون في خدمة المدرسة حتى تكون في خدمة المجتمع، على اعتبار أن المدرسة من المؤسسات التي يعول عليها كل مجتمع من أجل الدمج السوسيو اقتصادي لموارده البشرية.
تفعيل المكتبة المدرسية:
لابد من الاعتراف بأن المكتبة المدرسية ليست مؤسسة قائمة الذات، بحكم وجودها تحت وصاية المؤسسة التربوية التابعة لها، الأمر الذي يجعلها تشكو من نقص في الموارد المالية ومن قلة التجهيزات.
تدبير المكتبة المدرسية:
إن تدبير المكتبات يتأسس على وضع إستراتيجية على المدى المتوسط والبعيد، شرط أن تتسم هذه الإستراتيجية بالمرونة اللازمة حتى تكون قابلة للتكييف مع وضعيات جديدة أو محتملة.
الاحتكام إلى ضوابط ونظم التصنيف والفهرسة:
إن تفعيل المكتبة المدرسية، يتأسس كذلك على الوعي بأن ترتيب الوثائق وتصنيفها يخضع لضوابط ومعايير متعارف عليها دوليا، من الضروري الاستئناس بقواعدها. إن إخضاع وثائق المكتبة المدرسية لضوابط ومعايير التوثيق، يؤدي إلى فرص الاستقلال الذاتي لدى التلاميذ بحيث لا يجبرون مطلقا على طلب مساعدة الغير، إضافة إلى طريقة غير مباشرة لتأهيلهم إلى البحث العلمي.
بناء التلميذ الباحث:
يقع على عاتق المكتبة المدرسية تدريب التلميذ على المراحل المنهجية الضرورية للوصول إلى المعلومات. ومن أجل ذلك، يجب على المكتبة المدرسية أن تؤسس تصوراتها في التعامل مع التلاميذ على إستراتيجية قصديه تسعى إلى ترسيخ كفايات أساسية قابلة للحصر فيما يلي:
v أن يستطيع التلميذ إقامة أبحاثه بناء على خطط محددة، بعيدا عن الاحتكام إلى محاسن الصدف.
v أن يستطيع التلميذ توجيه البحث انطلاقا من مشكلات مطروحة.
v أن يتعود التلميذ الاعتماد على النفس.
v أن يستطيع التلميذ إقامة علاقات تعاون وتشارك تجعله يقبل اقتسام الوثائق والمعلومات مع الغير.
وعليه، يجب ألا ينحصر تأهيل التلميذ في تعلم الكيفية الناجعة للوصول إلى المعلومات فحسب، لأنه يجب أن يمتد إلى اكتساب كفايات التحليل، والنقد، وتمحيص المعلومات والمفاضلة بينها.
تأهيل المدرس:
إذا انطلقنا من افتراض حتمي، يتمثل في أن معظم المدرسين يكلفون التلاميذ ببحوث في مجالات متنوعة، تحتمها ظروف تعليمية محددة، يجب اعتبار المسألة فرصة لتزويد التلاميذ بأساسيات البحث العلمي، وذلك ما يترتب عنه الإدراك بأن التوجهات الحالية للتربية المعاصرة تحتم أن يمتلك المدرس كفايات البحث على الانترنيت.
خـــــاتمــة:
إن المجتمعات المعاصرة تدرك جيدا أن للأمية تصنيفات متنوعة غير الجهل بمبادئ القراءة والكتابة، وتدرك أيضا أن الريادة تتوقف على التسابق نحو العلم والمعرفة، واستباق آثارهما. هكذا نجد التربية المعاصرة تستلهم من هذا التصور العام، الأدوار التي يتوقع من المكتبات العمومية والمدرسية أن تضطلع بها من أجل التأسيس ل "مجتمع القراءة" ومجتمع " العلم والمعرفة ".