عرض وتحليل
إبراهيم عبد الموجود حسن
من الدراسات التى تشد الاهتمام حالياً، تلك الدراسات التى تعنى بمعالجة المشكلات التى أفرزها مجتمع المعلومات المعاصر، والتى واكبت تلك الثورة الإلكترونية التى شملت كل شئ تقريبا فى حياة الأفراد والمجتمعات والذين أخذوا يجنون ثمرات وإنجازات عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كحقيقة واقعية. وكان من أبرز تلك المشكلات "الفجوة القانونية والتشريعية" والتى سببتها تلك السرعة الرهيبة لمعدلات النمو فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات صناعياً واقتصادياً ودولياً، وعجز التشريعات والقوانين عن ملاحقة هذه السرعة وهذه التطورات، خاصة مع ظهور أمور وإشكاليات مستجدة لم تكن موجودة من قبل وبالتالى لم تتعرض لها القوانين والتشريعات الحالية سواء بالتوصيف أو التكييف الفقهى والقانونى أو التقنين.
وكان من بين تلك المشكلات المستجدة ما أفرزته شبكة الإنترنت من جوانب سلبية تتعلق بالأخلاق أو الخصوصية الشخصية أو أمن المعلومات، وكذلك ما يتعلق ببرامج الحاسب الإلكترونى وأوعية الوسائط المتعددة وشمولها بقانون حماية المؤلف أو الملكية الفكرية والصناعية أم لا؟، كل ذلك حدا بالمشرع إلى دراسة هذه المشكلات وتحليل عناصرها وواقعها التقنى ومن ثم وضع القوانين والتشريعات التى تنظمها وتضبطها قانونيا. ولاسيما وأن الاتجاه الغالب الآن للنشر الإلكترونى بأوعيته الرقمية المختلفة ومنها الوسائط المتعددة باعتبارها مصنفا يتضمن ابتكارات فكرية تتسم بالتعقيد وتتم بوسائل الدمج الإلكترونى بواسطة تقنيات بالغة الدقة.
والكتاب الحالى الذى نعرضه ونحلله هنا – يصب فى هذا الاهتمام، خاصة وأن هذه التقنية "الوسائط المتعددة" تضم أعمالاً متشابكة ومتداخلة وتشمل القيام بأعمال تقنية عديدة إلى أن يظهر المنتج الوعائى النهائى إلى الوجود، وكل ذلك له صلة وثيقة بمجال حماية حقوق الملكية الفكرية، والتى تبدو فى هذا النوع من الوسائط ملكية موزعة أو مشتتة بين العديد من المبدعين أو المعدين...الخ.
هدف البحث
يهدف البحث إلى تكوين صورة قانونية واضحة عن الوسائط المتعددة فيما بين واقعها التقنى بوصفها منتجاً يقدم خدمة من بين منتجات تغزو الأسواق بالوسائل الإعلامية الحديثة، وبين قوانين حماية حقوق الملكية الفكرية بوصفها مصنفاً يتضمن ابتكارات فكرية تتسم بالتعقيد وتتم بوسائل الدمج الإلكترونى بواسطة تقنيات بالغة الدقة. وتعتبر هذه الوسائط كمصنف باكورة الأشكال الجديدة للابتكارات بما تحتويه من إبداعات تقنية يغدو عسيراً على مستوى القانون التأكد من أصالتها، ومن هنا وجد المؤلف فى هذا المصنف نموذجاً يستأهل التدبر فى كنهه القانونى سواء منذ أول نبضة إلكترونية تساهم فى إنشائه إلى تمام تكونه، وذلك فى محاولة لتحديد ماهيته القانونية وخصائصه وذاتيته، إلى المشكلات المتعلقة بتطبيقاته وذلك فيما بين الواقع والقانون.
وتعد إشكالية هذا المصنف، كما يؤكد المؤلف – صدى للإشكالية الكبرى على الصعيد الدولى والخاصة بالتقنيات الرقمية الإلكترونية، والتى يقال بصدها أنها قلبت المعطيات الأساسية لحقوق المؤلف رأسا على عقب. وأوضح إن إشكالية الوسائط المتعددة كمنتج تتمثل فى إحجام المستثمرين عن مخاطرة طرح منتجات بالوسائل الإعلامية الحديثة (المالتيميدا) فى الأسواق لما يتطلب إعداد هذه المنتجات من ضرورة الاستعانة بمواهب إبداعية متنوعة لفنانين ومؤلفين ومعدى برامج للحاسبات الآلية، مما دفع الجهود الدولية إلى تشجيع الاستثمار فى هذا المجال بمنح المنتجين حقوقا إستئثارية خالصة، الأمر الذى يلقى –فى رأى المؤلف- بظلال من الشك حول حقوق المؤلفين ومدى ملائمة حمايتها فى هذا المحيط التقنى المعقد دائم التغيير، هذا من جانب ومن جانب آخر، وكما لاحظ المؤلف، عدم الاهتمام القانونى بحقوق مؤلفى هذا المصنف على قدر الاهتمام بحقوق منتجيه.
منهج البحث
حاول المؤلف فى منهجه الاقتراب من المشكلة بتعريف هذه الوسائط وموقف الفقهاء منها وموقعها من المصنفات المتداولة. وذلك بغية تحليل ذاتيتها فى ضوء التصور المعرفى الذى قدمه، خاصة وكما ذكر، عدم وجود تحديد واضح لها وغياب التعاريف المترابطة منطقيا ومن ثم حاول إقامة علاقات الارتباط بين مختلف أنواع الأوصاف القانونية التى استعرضها لعله يستنبط ذاتيتها بالاعتماد بصفة أساسية على نصوص القانونين المصرى والفرنسى فى حق المؤلف وعلى واقعها التقديرى والتقنى.
وقد عرف المؤلف الوسائط المتعددة بأنها منتج يقدم خدمة للمستخدمين بأن تربط لهم بين النص والصوت والصورة (الثابتة أو المتحركة) فى آن واحد فى شكل قرص مدمج (CD-Rom) أو قرص مدمج متفاعل (CD-I) بصرف النظر عن تنوع الغرض منه والذى قد يكون للتسلية أو للاتصال أو للترويج أو للتعليم أو بصفة تجارية. ولعل هذا ما دفع بعض الفقهاء إلى وصفها قانونا بأنها من قبيل المصنفات المشتركة على مستوى المبدأ، وإنها من حيث التطبيق قد تكون من قبيل المصنفات السمعية والبصرية، وقد تكون من قبيل "الفيديوجرام"، وإن كان الأخير كما أوضح المؤلف فى الهامش، لا يعد مصنفا فهو فحص وسيلة لإظهار مصنف سابق الوجود.
كما تصور جانب من الفقهاء بأنها بمثابة مصنف لقواعد البيانات على أساس ما تتضمن من دمج بين النص والصوت والصورة (الثابتة والمتحركة) فى شكل معلومات أو بيانات رقمية. وتصورها البعض الآخر على إنها من قبيل مصنفات برامج الحاسب الآلى باعتبار استخدام – فى بعض مكوناتها- تقنية برامج الحاسب الآلى عالية المستوى مثل (الهيبرتكست، اللينجو، والجافا) والتى تدمج بين النص والصوت والصورة على ذاكرة مقرءوة على قرص مدمج متفاعل أو أقراص رقمية متعددة الاستعمال D.V.D.
ويضيف المؤلف أن واقع هذه الوسائط التقنى المعقد ونشأتها نتيجة تقارب العديد من الصناعات تتمثل فى علوم الحاسب والاتصالات، وبالجملة على عدد من القطاعات الاقتصادية، أدى إلى القول بأن الوصف القانونى الملائم لها هو المصنف الجماعى، لأن قوامه وجود مبادرة من شخص طبيعى أو معنوى يقوم بنشر المصنف تحت إدارته وباسمه، فضلاً عن أن مساهمات المؤلفين له تندمج بحيث لا يتسنى تخويل أحدهم حقا مميزا على مجموع المصنف. كما لاحظ بعض الفقهاء فى أنها تعتمد على إدماج مصنفات سابقة فيها دون مساهمات مؤلفى المصنفات السابقة فى واقع الوسائط المتعددة الجديدة، وتأكدت المعرفة عندهم بملاحظة منتجاتها التى تتمثل فى القواميس والموسوعات بما تتضمنه من تلخيصات وتحويرات وشروح... الخ، إلى أن قالوا بأن أقرب وصف قانونى يلائمها هو أنها من قبيل المصنفات المشتقة.
نطاق البحث
وهكذا جعل المؤلف نطاق بحثه يدور فى فكرتين مترابطتين : الأولى محاولة تحليل ما هو ماثل أمامنا من واقع تشريعى يتعلق بالوسائط المتعددة سواء بطريق مباشر أم غير مباشر وذلك بوصفها مصنفا محمياً على سند من أن قانون حقوق المؤلف سواء فى مصر أو فرنسا لم يذكر المصنفات التى يتمتع مؤلفوها بحماية قانون الملكية الفكرية إلا على سبيل التمثيل لا الحصر. والثانية : محاولة بيان أوجه الشبه والخلاف بين مصنف الوسائط المتعددة والمصنفات الأخرى لكى يمكن تدبر ذاتيتها وتحديد المقصود بها قانونا ليتسنى وصفها قانونا الوصف الملائم، ومن ناحية أخرى عرض لإشكالية هذا المصنف على مستوى التطبيق فيما بين إنتاجه وابتكاره وفيما يتعلق بعقود استغلاله.
وعلى هذا حاول المؤلف تحديد ذاتية هذا الإنتاج التقنى الإلكترونى، القانونية ولاسيما وأنه من المصنفات التى تقدم خدمات باتت ترتبط بحياة واقعية فى صورة افتراضية هى من سمات العصر الرقمى.
وقد ناقش المؤلف كل هذه الموضوعات فى ثلاثة فصول رئيسية اشتملت على عدة مباحث ومن ثم إلى عدة مطالب فرعية لكل مبحث :
· الفصل الأول : الوسائط المتعددة كمصنف يحميه القانون.
· الفصل الثانى : الوصف القانونى لمصنف الوسائط المتعددة.
· الفصل الثالث : إشكالية مصنف الوسائط المتعددة تطبيقاً.
وفى التمهيد الذى سبق هذه الفصول ذكر المؤلف إن فكرة الوسائط المتعددة كمصنف يحميه القانون تبقى فى حاجة إلى برهان قانونى، كما هو الأمر بالنسبة لنصوص تشريعية سواء فى مصر أو فى فرنسا، أوردت تعدادا مفرطا لمصنفات تتمتع بحماية القانون وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر، وليس ثمة قيمة قانونية ضرورية لمثل هذا التعداد حيث لا يوجد ما يمنع قانوناً من إستحداث مصنفات جديدة لا ينال من تمتعها بالحماية القانونية سوى افتقارها إلى معيار مجرد يتمثل فيما أثبتته النصوص التشريعية من وجوب توافر ركنين هما "الابتكار" و"الوجود المادى" لهذا الابتكار بصرف النظر عما وراء ذلك من أسباب ومسببات.
النتائج والملاحظات
بعد أن انتهى المؤلف من مناقشة كافة الإشكاليات المتعلقة بمصنف الوسائط المتعددة بين الواقع والقانون توصل على عدة نتائج وملاحظات نعرضها فيما يلى لما لها من أهمية خاصة وإنها وعاء ووسيط معلوماتى فى انتشار متزايد :
§ ببحث ما هو كائن من معطيات قانونية واجتهادات فقهية وأحكام قضائية حدد المؤلف مفهوم مصنف الوسائط المتعددة وتبين أنه كمنتج يقدم خدمة تفاعلية لا يعد مجرد وسيلة اتصالية تعتمد على الحروف المرصوصة جنباً إلى جنب بل هو دمج إلكترونى كلى متكامل لنصوص مكتوبة وأصوات مسموعة وصورة ثابتة أو متحركة فى آن واحد، وتظهر على دعامة إلكترونية واحدة (وعاء). ومن شأن خدمته التفاعلية السماح لمن يستخدمه بأن يبحر فى محتواه التقنى الفنى الإبداعى وفق نمط لا خطى حيث لا ترتيب متوالى بل ترتيب متفاعل يتيح للمستخدم خيارات لا حدود لها بطريقة رقمية إلكترونية لا تزامنية.
ولكى لا يكون هذا المصنف فكرة هجنية لا تمت إلى قانون حماية حقوق الملكية الفكرية بصلة، حدد المؤلف نطاق حمايته قانونا عن طريق إثبات حقيقته الإبداعية كمصنف ومن خلال مؤلفه الذى تشمله الحماية.
§ لاحظ المؤلف إن حماية مصنف الوسائط المتعددة قانونا لن تتحدد إلا إذا كان فى حد ذاته مصنفا، وهو لن يكون كذلك إلا إذا تضمن ابتكاراً ثم التعبير عنه. وفى خصوص مضمون الابتكار انتهى إلى اثبات وجوده بالنسبة لهذا المصنف، إلا إنه لاحظ مسألتين :
- الأولى هى وجود التحقق من أصالة هذا المصنف فى كل حالة لوسائط متعددة كل على حدة وذلك كأثر للتداخل الحادث ما بين ذاتية الابتكار ومادتين بالنسبة لمضمون ابتكاره.
- والثانية تتعلق بخصوصية هذا المصنف لأن محتواه الفنى الإبداعى جملة من مصنفات متباينة من نصوص وأصوات وصور ثابتة أو متحركة مدمجة بطريقة إلكترونية ، الأمر الذى لا يكون تحقيقه ممكنا إلا على دعامة إلكترونية واحدة، ومن ثم فلا يمكن لمحتواه الفنى أن يوجد خلافا لما عليه حال المصنفات الأخرى- مجردا عن دعامة أى وسط إلكترونى يضمه.
وبالنسبة لطريقة التعبير عن الابتكار فى مصنف الوسائط المتعددة فإنها تتم من خلال أشكال إلكترونية للتعبير وهى النبضات الإلكترونية (الإشارات الرقمية Digital signals) وذلك بالنسبة لصنوف متباينة من مصنفات رقمية من نصوص وأصوات وصور ثابتة أو متحركة، حيث تتآلف جميعا من الرقمين : الصفر والواحد تعبيرا عن المصنفات المدمجة إلكترونيا. وليس ثمة طريقة أخرى للتعبير – كما يضيف المؤلف – عن مضمون ابتكار هذا المصنف وهو يتميز من هذه الزاوية عن سائر المصنفات التقليدية لأن جوهره الدمج الإلكترونى . ولن يتحقق الدمج إلا بالإظهار وهذا يفترض وجود دعامة إلكترونية وهى ليست هنا شكلا دون مضمون.
§ وبالنسبة لمؤلف الوسائط المتعددة الذى تشمله الحماية – لاحظ المؤلف – أن المشرع المصرى قد عبر عن المؤلف بأنه الشخص الذى يبتكر المصنف، ولفظة شخص فى القانون تنصرف إلى الشخص الطبيعى والاعتبارى ما دامت واردة على سبيل الإطلاق، فى حين أن المعنى الذى ينبغى أن يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أن المراد هو الشخص الطبيعى لأن المشرع حدد دوره بأنه "من يبتكر المصنف"، والابتكار هو الإبداع والمبدع لا يملك إلا أن يصب خصائص نفسه فيما يبدعه. ورغم ذلك أثبت المؤلف صعوبة بيان مفهوم الإبداع وخصائصه فى ظل المستجدات الإلكترونية الحديثة، ولكنه انتهى إلى أن الإبداع يرتبط تارة بشخص المؤلف ويتجسد تارة أخرى باعتباره نتاجاً لهذا المؤلف من جانب، ومن جانب آخر أثبت أن الأصالة تتسم بالنسبية وتتأرجح ما بين الذاتية والموضوعية، ووفقاً لعبارات القانون فإن الابتكار يتعلق فى هذا الخصوص بكيفية تنفيذ فكرة إنشاء أو صنع هذا المصنف ما دامت قد تحققت وتم التعبير عنها بأية وسيلة حتى لو كانت فى شكل نبضات إلكترونية تعد تعبيراً بالأصفار والآحاد، وسواء أكان القائم على تنفيذ الفكرة شخصا طبيعياً أم اعتبارياً.
وفى سبيله لبيان خصائص هذا المصنف وجد المؤلف أنه لا مناص من الدمج بين النطاقين الذاتى والموضوعى لركن الابتكار، ولذلك حدد النطاق التقنى فى جانب والنطاق القانونى فى جانب آخر. وبالنسبة للنطاق التقنى وجد أن خصائصه تتمثل فى الترقيم La Numérisation (الرقمية). والدمج الإلكترونى وحدة الدعامة التى قد تكون فى أشكال مختلفة من الأقراص المدمجة، وعرض لخاصية هذا المصنف ولجوهريته التى تتمثل فى التفاعلية L'interactivité وانتهاء بخاصية الإبحار والوصلات المحورية (الإبحار وآلية النص الفائق أو المترابط). أما بالنسبة للنطاق القانونى فقد تصدى المؤلف لفكرة الواقع التقديرى Virtual Reality (الواقع الافتراضى أو التحليلى) والتى تعنى بما تتيحه الوسائط المتعددة من فرص لمجموعة من المستخدمين للشبكات بإجراء تجارب محاكاة على نماذج تقديرية (افتراضية) وذلك بفضل البرامج التفاعلية والتى بحث المؤلف فى مدى اعتبارها شيئاً مادياً، وانتهى إلى أنها ليست كذلك رغم أن القرص المدمج الذى يضمها ذو وجود مادى ملموس، هذا من جانب ومن جانب آخر فإن الطبيعة القانونية لتقنيات الوسائط المتعددة – على وجه العموم – لا يمكن اعتبارها شيئاً مادياً لأن فى القول بخلاف ذلك خلطاً بين ذاتيتها وبين تضمينها فى قرص مدمج. فالقانون لا يهتم بالشئ فى حد ذاته إلا باعتباره محلا لحق. ومن ثم فإن تقنيات الوسائط المتعددة تعد قيما معنوية فهى من المنافع المتقدمة التى تلج دائرة التعامل، وعلى ذلك فهى من الأموال المنقولة المعنوية، لأنها وإن كانت من المعنويات التى لا يدركها الحس واللمس بل يتصورها العقل إلا أنها فى منظور حقوق المؤلف تعد محلاً لحق مصممها أو واضعها باعتبارها مصنفاً أدبياً يحظى بحماية قانون حقوق المؤلف.
§ اجتهد المؤلف فى تحديد ذاتية هذا المصنف لأن حقيقة الوصف القانونى لهذا المصنف تحجبها إشكالية من نطاقين أحدهما تقنى والآخر قانونى. وكان الاجتهاد وفقا لمنطق العمومية والتجريد تارة وعلى مستوى التطبيق تارة أخرى . وقد عرض المؤلف للتصورات المختلفة فى حقيقة الوصف القانونى لهذا المصنف هل هو مصنف جماعى، مصنف مشترك، مصنف مشتق، هل هو مصنف سمعى بصرى، مصنف برامج الكيان المنطقى، مصنف قواعد البيانات، مصنف برامج الحاسب الآلى... الخ، وخلص إلى أن ذاتية مصنف الوسائط المتعددة تختلف عن ذاتية المصنفات السابقة، وأنها تتحدد فى الدمج بين النص والصوت والصورة الثابتة أو المتحركة، ويتم هذا الدمج بفضل تقنيات الترقيم والوصلات المحورية والخاصية التفاعلية ليظهر بعد ذلك فى شكل معلومات أو بيانات رقمية، غير أنه أضاف بخصوص الوصف القانونى لهذا المصنف أن ذاتيته تقتضى بحث حالة كل مصنف على حده !!
وبالنسبة للإشكالية المتعلقة بمصنف الوسائط المتعددة على مستوى التطبيق فقد وجد المؤلف أنها تتسم بالإزدواجية لمنتجى هذا المصنف الذين يصرون على حمايتهم بموجب قوانين حقوق المؤلف أو بالنسبة لنطاق حماية حقوق مؤلفى المصنفات سابقة الوجود حال تنازلهم للمنتجين عن حقوقهم المادية فى الاستغلال مع ما يبدو بدهيا من تعارض فى المصالح بين الطائفتين.
وقد تناول المؤلف مسألة مصنف الوسائط المتعددة بين الإنتاج والابتكار، ثم بحث فى عقود استغلاله، وبالنسبة لإنتاجه حدد ماهية المنتج قانوناً وانتهى إلى أن إنتاج هذا المصنف لا يمكن حصره ضمن طائفة معينة من إنتاج المصنفات دون سواها وأن منتجه ليس كمنتج المصنف السمعى البصرى دائما. ولا يعد كمن ينتج مصنف جماعى أو مصنف قواعد بيانات بطريقة مطلقة.
وبخصوص الابتكار فقد خلص إلى أنه لايمكن التسليم مطلقا بأن الآلة فى حد ذاتها تقوم بدور المبدع رغم ما يلاحظ من ميل نحو تغليب الجانب المادى على الجانب المعنوى، فما زال بذل المجهود الفكرى هو معيار الابتكار ولا شأن فى مادة حقوق المؤلف للمجهود المادى إذا ما أنفرد، ويضيف المؤلف إنه يمكن الجمع بينهما ليوصف من بذلهما بأنه مؤلف استجابة لتوافر الأول دون الثانى.
ولاحظ المؤلف إن الواقع التقنى لهذا المصنف يفرض صعوبات حقه تتمثل فى وجوب التحقق من توافر ركن الابتكار فى هذا الصدد دونما إمكانية التأكد مسبقا بأنه سيكون متوافرا أم لا، ومن ثم استنتج أنه ليس كل حالة لهذا المصنف كالأخرى.
وبخصوص عقود استغلال هذا المصنف فقد لاحظ أن عمليات البث الرقمية – كصورة حديثة لاستغلال الحقوق المالية بالنسبة للمصنفات التى تنتج بالوسائل الإعلامية الحديثة وبصفة خاصة مصنف الوسائط المتعددة، معادلة لوجه الاستغلال المتمثل فى الإتاحة للجمهور، حتى لو تم اختيارها بصفة فردية أى من جانب مستخدم واحد فقط.
وقد درس المؤلف هذه العقود فى مرحلتين : مرحلة التفاوض ومرحلة الإنشاء، أما بالنسبة للتفاوض على عقود الاستغلال وجد المؤلف إن الإشكالية تكمن فى أن تحقيق المحتوى الفنى الإبداعى لهذا المصنف تحدده الحقيقة التقنية لإندماج مساهمات عديدة لصنوف متباينة من الفن كإبداعات فكرية يتم انتقاؤها من مصنفات سابقة الوجود. ثم عرض لمضمون الاستغلال المالى المتنازل عنه ونطاقه وما يقتضيه تحقيق إبداع هذا المصنف من حقوق هى حق النسخ وحق التعديل وحق التمثيل (التلاوة أو الأداء أو العرض).
وبخصوص إنشاء عقود الاستغلال حدد قانونية التكوين وفقا لنطاقين : الاول هو النطاق العام الذى تحدده القواعد العامة للتنازل عن حقوق النسخ والتمثيل فى تشريعات حماية حقوق المؤلف، والثانى هو النطاق الخاص بالقواعد العملية التى تحدد عقد النشر وعقد التمثيل.
وقد فرضت الوسائط الإلكترونية – كما يذكر المؤلف – التى تثبت عليها مصنفات الوسائط المتعددة تساؤلا عن ذاتية عقد النشر فى ظل النشر الإلكترونى لاسيما وأنه قد ورد فى تعريفه قانونا بأن للناشر حق إنتاج "عدد معين من النسخ للمصنف"، ووجد أن المعيار القانونى لضبط مسألة صنع عدد معين من نسخ المصنف يعد ملائما للوثيقة أو الدعامة الورقية فى النشر التقليدى، وليس ملائما مطلقا للوثيقة أو الدعامة الإلكترونية (الوعاء الإلكترونى) فى النشر الإلكترونى، ويضيف أنه مع حتمية تحقيق النسخ والاستنساخ لعدد يستحيل تحديده من نسخ المصنف لأنه ينشر من خلال شبكات الإنترنت كبيانات أو معلومات من نقطة إلى أخرى عبر أرجاء الكرة الأرضية وفق نمط لاحظى وغير متزامن. ومن ثم فنحن بصدد نقل مباشر للمصنف إلى ما لا نهاية – ولهذا السبب افترض المؤلف توفير تقنيات التشفير بحيث يتسنى ضبط عدد النسخ. أما بالنسبة للتخزين الإلكترونى لمصنف الوسائط المتعددة على الوسائط الإلكترونية فيمكن تحديد عدد هذه النسخ استلهاماً لروح النص القانونى الذى يوجب تحديد عدد معين من النسخ للمصنف.
وبعد هذا العرض الوافى لهذا الكتاب الهام وما تناوله من قضايا وأثاره من إشكاليات تتعلق بمصنف الوسائط المتعددة فيما بين الواقع والقانون، فإننا ندع للقارئ المتخصص والمهتم فرصة القراءة الكاملة لمزيد من الفائدة والنفع.
منقول