المغرب، تاريخ. المغرب دولة عربية إسلامية في أقصى شمال غربي إفريقيا. وقد فتح عقبة بن نافع المغرب الأقصى سنة 62ه، 681م، لكن فتحه النهائي كان على يد موسى بن نصير سنة 88ه، 707م، واستمر قطرا من أقطار إفريقية إلى سنة 172ه، 788م يديره حكام تابعون لولاة القيروان. وقد شهد المغرب الأقصى فيما بعد ظهور أسر حاكمة وقيام دول، لكنه ظل مرتبطًا بعموم بلاد المغرب العربي إلى نهاية القرن التاسع الهجري (نهاية القرن الخامس عشر الميلادي) لأن معظم الأسر الحاكمة به وبإفريقية كانت ترنو لمد سلطانها على كامل بلاد المغرب العربي. ولم ينفصل المغرب الأقصى بشؤونه تمامًا إلا عندما فشلت مساعي العثمانيين في ضم الدولة السعدية، وذلك بعد منتصف القرن الحادي عشر الهجري (منتصف القرن السادس عشر الميلادي).
دولة الأدارسة (172 - 364ه، 788 - 974م)
أسسها إدريس بن عبدالله، من أحفاد الحسن بن علي ابن أبي طالب، كان قد التحق بالمغرب الأقصى بعد نجاته من واقعة فخ سنة 169ه، 785م. وهناك التفّت حوله بعض القبائل فأعلن إمارة شيعية مستقلة عن القيروان سنة 172ه. ويُعدّ ابنه إدريس الثاني (193 - 214ه) المؤسس الحقيقي لهذه الدولة ولعاصمتها فاس. وقد انقسمت بعده بين أبنائه العشرة ثم استعادت وحدتها في عهد الأمير يحيى (221 - 234ه) لتنقسم بعده، فبقيت كذلك إلى أن استولى الفاطميون على المغرب الأقصى سنة 310ه، 921م. وقضى الأمويون بالأندلس على ما بقي من أثر الأدارسة في الجبال المتاخمة لطنجة سنة 364ه، 974م. وقد كان لدولة الأدارسة دور في نشر الإسلام واللغة العربية بين قبائل البربر بالمغرب الأقصى.
دولة المرابطين (448-541ه، 1056-1147م)
تعود في أصلها إلى حركة إصلاح ديني ظهرت قبل منتصف القرن الخامس الهجري (منتصف القرن الحادي عشر الميلادي) في صحراء جنوب المغرب الأقصى بمبادرة من يحيى بن إبراهيم الجدالي شيخ قبيلة جدالة الصنهاجية. وقد تزعم الحركة عبدالله بن ياسين الجزولي وسمى أنصاره المرابطين. ترك ابن ياسين قيادة المرابطين العسكرية ليحيى بن عمر اللمتوني. ولما توفي يحيى سنة 448ه (1056م) خلفه أخوه أبوبكر وابن عمه يوسف بن تاشفين. وعندما توفي ابن ياسين عام 451ه (1059م) تجنب أبوبكر وابن تاشفين الخلاف بأن اتجه الأول نحو الجنوب فنشر الإسلام هناك، وواصل ابن تاشفين سيره شمالاً. بنى ابن تاشفين مدينة مراكش عام 454ه (1062م). وفي عهد يوسف بن تاشفين (480 - 500ه) تم الاستيلاء على باقي المغرب الأقصى والمغرب الأوسط إلى مشارف إمارة بني حماد الزيريين. وعبر ابن تاشفين إلى الأندلس عندما استنجد به بعض أمرائها، فانتصر على ألفونسو السادس في معركة الزلاقة سنة 479ه، 1086م، ثم عاد إليها في 481ه و483ه فأزاح ملوك الطوائف نتيجة تواصل انقسامهم، وترددهم في الولاء للمرابطين، واستمرار الخطر النصراني، وألحق الأندلس بدولة المرابطين. لكن سلطة المرابطين ما لبثت أن اختلت في عهد ابنه علي (500-537ه) بكل من المغرب والأندلس بسبب الانتفاضات المحلية والهزائم على أيدي النصارى، وبدأ أمر الموحدين بالظهور. وقد تلا الأمير علي بن يوسف ثلاثة أمراء من المرابطين واصلوا الصراع ضد الموحدين، حتى استولى هؤلاء على العاصمة مراكش، فقتلوا آخر الأمراء المرابطين إسحاق بن علي بن يوسف، وقضوا على دولة المرابطين سنة 541ه، 1147م.
دولة الموحدين (541 - 668ه، 1147 - 1269م)
أظهر محمد بن تومرت (514-1120ه) معارضته للمرابطين بمراكش سنة 514ه. فلما طرده الأمير علي بن يوسف منها، انتقل إلى جبل درن جنوب المغرب الأقصى، حيث أعلن دعوته سنة 515ه، 1121م إلى مذهب التوحيد، مدعيًا أنه المهدي المنتظر وأن نسبه يتصل بالرسول ³ من فرع الحسن بن علي. وفي هذه السنة، هزم حملة مرابطية جاءت تطلبه في إجليز، ثم اتخذ سنة 518ه، 1124م مدينة تنملل قاعدة له شن منها سنة 524ه، 1129م حملة فاشلة على مراكش، وفيها توفي فبايع أتباعه ملازمه وقائده عبد المؤمن بن علي (524-541ه) فتلقب بالخليفة أمير المؤمنين وواصل الصراع مستفيدًا من تفاقم مصاعب الدولة المرابطية، فاستولى على وهران وفاس ثم مراكش سنة 541ه، 1147م. كما عبر إلى الأندلس في السنة نفسها، فاستولى على أشبيليا وقرطبة ثم على غرناطة. وفي سنة 546ه، 1151م بدأ في التوسع شرقًا باتجاه إمارة بني حماد، وكان أمرها في تراجع والنورمنديون يطرقون سواحلها، فاستولى على بجاية وعنابة وقسنطينة ثم سطيف. وفي سنة 554ه ، 1159م توجه إلى إفريقية (تونس) برًا وبحرًا، فأخضعها وحاصر المهدية حتى استسلم من كان بها من النورمنديين صلحًا سنة 555ه، 1160م، وبذلك وحد بلاد المغرب العربي من جناحه الغربي، وأصبحت العاصمة مراكش من عواصم العالم الإسلامي الكبرى.
مرت دولة الموحدين بفترة قوة تواصلت إلى آخر عهد الخليفة أبي يوسف يعقوب المنصور (580-595ه)، ثم مالبث أن اضطرب الوضع السياسي بها منذ بداية القرن السابع الهجري (بداية القرن الثالث عشر الميلادي) بتدخل بني غانية وهزيمة الخليفة الناصر في موقعة العقاب بالأندلس أمام النصارى سنة 609ه، 1212م، والصراع على الحكم بين أمراء الموحدين. فاختل الأمر بالمغرب والأندلس وضعفت سلطة الخلفاء بمراكش، وقوي نفوذ الولاة والقبائل بالجهات، ومالت الدولة إلى الانحلال. فانفصل بنو هود وبنو الأحمر بالأندلس، ووالى النصارى هجماتهم واستولوا على مدنها وحصونها، كما استقل بنو حفص بإفريقية (تونس) سنة 634ه، 1236م، وبنو عبد الواد بالمغرب الأوسط سنة 633ه، 1235م، واستفحل أمر بني مرين بالمغرب الأقصى حتى استولوا على مراكش سنة 668ه، 1269م، ثم تنملل سنة 674ه، 1275م.
وكان انتشار الأمن إبان قوة دولة الموحدين، والامتداد الجغرافي لهذه الدولة، قد ساعدا على تنوع المنتجات الفلاحية والصناعية، وبالتالي على نمو التبادل التجاري الداخلي بين أقطار المغرب العربي والأندلس، والتبادل التجاري الخارجي بينها وبين بلاد السودان وأوروبا النصرانية والمدن الإيطالية خاصة. كما ازدهر العمران وتطور الفن المعماري، فظهر في الآثار الموحدية، وخاصة المساجد، اجتماع المؤثرات المغربية والأندلسية والمشرقية. ومن ذلك منارة جامع حسان بالرباط وقصبة مراكش وجامع أشبيليا الأعظم ومنارة خيرالدا. وكذلك نشطت الحياة الفكرية في عهد الموحدين، نتيجة اعتنائهم ببناء المدارس الحكومية منذ القرن السابع الهجري (القرن الثالث عشر الميلادي)، حيث انتشر التعليم النظامي المجاني، وتقريب الخلفاء للعلماء والفلاسفة. فلمع في الفلسفة والطب أبو بكر بن طفيل (طبيب الخليفة أبي يعقوب يوسف)، وأبو بكر بن زهر الأشبيلي (طبيب الخلفاء عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب المنصور)، وأبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد. كما برز في العلوم الطبيعية والصيدلية أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرح الأموي المعروف بابن الرومية، وضياء الدين بن عبد الملك المالكي الفاسي المعروف بابن السكّاك، وفي الرياضيات ابن فرحون القيسي القرطبي وأبو عبد الله محمد بن حجاج المعروف بابن ياسمين الفاسي.
الدولة المرينية (668-869ه، 1269-1465م)
ينتمي بنو مرين إلى قبيلة زناتة، وقد بدأ أمرهم بالظهور في جنوب المغرب الأقصى بقيادة أبي محمد عبد الحق بن محيو، الذي هزم جيش الموحدين سنة 613ه، 1216م. لكن دولة بني مرين لم تتشكل فعليًا إلا مع أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق المعروف بالسلطان المنصور، الذي استولى على مراكش سنة 668ه، 1269م، وانقرضت على يديه دولة الموحدين سنة 674ه، 1275 - 1276م.
حاولت الدولة المرينية أن تبسط نفوذها على كامل بلاد المغرب، وتؤسس دولة كبيرة على نمط الموحدين. لكنها لم تفلح في ذلك إلا لفترات قصيرة، وسرعان ما عادت دولة إقليمية محدودة. فقد جهز أبو الحسن المريني سنة 1347م حملة على مدينة تونس، ومني من قبل الحفصيين بهزيمة منكرة كادت أن تطيح بأسرة بني مرين في مراكش ذاتها. كما ورثت الدولة المرينية، بحكم موقعها الجغرافي، تقاليد سياسة الموحدين في الأندلس وتقديم المساعدات لمسلميها. لكن الخلافات التي دبت بينها وبين دولة بني الأحمر، في غرناطة، حول تملك بعض المواني الأندلسية، أضعفت قدرة المسلمين على المقاومة، وعرض المغرب الأقصى نفسه لغزو الدول النصرانية الناشئة، منذ بداية القرن التاسع الهجري (بداية القرن الخامس عشر الميلادي)، حتى سقطت سبتة في أيدي البرتغاليين سنة 1415م، فضعف أمر المرينيين، وزاد وضع دولتهم سوءًا بتفشي المنافسات الداخلية بعد مقتل السلطان أبي سعيد سنة 1420م، وتدخل دولتي بني الأحمر وبني عبد الواد في تلك المنافسات لتأييد هذا أو ذاك من المدعين العرش، حتى انتقل الحكم إلى أيدي الوطاسيين في منتصف القرن التاسع الهجري، وأسلاف الوطاسيين فرع من بني مرين سيطروا على فاس سنة 875ه، 1471م، ولم يبق للمرينيين سلطان بعد ذلك تقريبًا إلا بمدينة مراكش. لكن الصراع استمر بين الأسرتين الحاكمتين، واستعان المرينيون على الوطاسيين بالغزاة البرتغاليين، فاستولى هؤلاء سنة 956ه، 1550م، على ساحل البريجة، حيث بنوا مدينة الجديدة، ثم على ساحل السوس، حيث بنوا حصن فونتي قريبًا من مدينة أغادير الحالية. ولم ينقذ البلاد من الخطر البرتغالي إلا ظهور الأسرة السعدية.
دولة الأشراف السعديين (956-1022ه، 1549-1613م)
لما فشل الوطاسيون في الدفاع عن أراضي المغرب، وآلت جميع موانئه تقريبًا إلى دولتي البرتغال وأسبانيا، أخذ السعديون على عاتقهم حركة الجهاد ضد البرتغاليين في الجنوب، وبدأت كفتهم ترجح على بني وطاس. وهم ينتمون إلى أسرة شريفة تنحدر من نسل محمد النفس الزكية من أبناء الحسين بن علي رضي الله عنه. وقد طالب أهل السوس محمدًا القائم بأمر الله السعدي بأن يتولى قيادتهم في حركة الجهاد، واعترف به بنو وطاس على أمل أن يساعدهم. وقد علا شأن ابنيه محمد الشيخ وأحمد الأعرج بعد نجاحهما في طرد البرتغاليين من آسفي وأزمور في الجنوب فيما بين 1539 و1541م، فرفض محمد الشيخ الملقب بالمهدي عرض محمد الوطاسي، المشهور بالبرتقالي، بتولي حكم مدينة مراكش، ودخل في صراع مع أخيه ومع الوطاسيين حتى دخل فاس وأعلن نفسه سلطانًا سنة 956ه، 1549م. ثم واصل جهوده ضد البرتغاليين والأسبان في شمال المغرب واسترد أصيلة والقصر الصغير سنتي 956 و957ه، ولم يبق لهم سوى طنجة وسبتة ومزغان. ومما يذكر في علاقة السعديين بالعثمانيين بالجزائر، أن أحد الوطاسيين، وهو أبو حسون علي، قد تمكن من الفرار من مراكش وطلب المساعدة من البرتغاليين والأسبان والعثمانيين لاستعادة الملك، فأرسل السلطان العثماني لصالح ريس بيلر باي الجزائر بغزو المغرب الأقصى. فوصل هذا الأخير فاس ونصّب أبا حسون عليها بضعة أشهر سنة 961ه، 1554م، لكن سرعان ما استرد المهدي عاصمة ملكه. وأرسل السلطان سليمان رسولاً إلى المهدي يطلب إليه الحكم تحت السيادة العثمانية، فرفض. وجاءت مسألة تلمسان فأضافت عنصرًا جديدًا من عناصر النزاع بين السعديين والعثمانيين. ذلك أنه عندما تدهورت الأسرة الزيانية وانتهى أمرها بأن فتحت القوات الأسبانية المدينة سنة 950ه، 1543م، استنجد أهل تلمسان بمحمد المهدي فأرسل قواته لاحتلالها. فاستاء صالح ريس وسارع لانتزاعها سنة 957ه، 1550م، لكنها مع ذلك بقيت مثار مشكلة حدود بين دول المغرب الأقصى وحكومة الجزائر. وقد جرت اتصالات بين الأسبان ومحمد المهدي لإنشاء تحالف ضد العثمانيين بالجزائر، مما جعل صالح ريس وخلفه حسن باشا خير الدين، يفكران في حرب السعديين. وبعد ظهور المنازعات بين الأسرة السعدية على الملك أصبحت مسألة استعانتهم على بعضهم بالأسبان والبرتغاليين والعثمانيين أمرًا واقعًا. فعبد الملك بن محمد المهدي طرد ابن أخيه المتوكل واستولى على مراكش سنة 984ه، 1576م بمعونة العثمانيين، ثم عقد تحالفًا مع الأسبان في السنة التالية لها، منحهم فيه امتيازات على الساحل، والمتوكل استعان بالبرتغال، فجهز ملكها سبستيان حملة انتهت بالهزيمة في معركة وادي المخازن سنة 986ه، 1578م وموت الملوك الثلاثة (عبد الملك والمتوكل وسبستيان).
تولى الحكم أحمد، الملقب بالمنصور، بعد موت أخيه عبد الملك، فكان عهده أزهى العهود السعدية. تميز بتنظيم الإدارة الداخلية ومد نفوذ المغرب الأقصى إلى حوض السنغال، ثم دخولها ألاعيب المنافسات والتحالفات التي اتّسمت بها العلاقات الأوروبية في ذلك الوقت. وبعده تنازع أبناؤه الثلاثة العرش، واستعان منهم المأمون بفيليب الثالث مانحًا إياه ميناء العرائش، مما تسبب في مقتله على أيدي مجاهدي تطوان سنة 1022ه، 1613م. وقد تشعبت المنازعات حتى اختفت الأسرة السعدية تمامًا أول النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري (منتصف القرن السابع عشر الميلادي). وقد ظهرت، في فترة الفوضى التي أعقبت وفاة المنصور، زعامات سياسية مستقلة استأثرت بالسلطة في هذا الإقليم أو ذاك من المغرب الأقصى، وقد اعتمد بعضها على الطرق الصوفية مثل الطريقة السملالية في درعة والسوس، والطريقة الدلائية في فاس وما حولها، في حين اعتمد بعضها الآخر على أساس منظمات عسكرية، ومن ذلك حكومة سلا، التي تزعمها أبو عبد الله العياشي، وأصبحت من أقوى الوحدات السياسية إبان العقد الخامس من القرن الحادي عشر الهجري (العقد الرابع من القرن السابع عشر الميلادي). فامتد نفوذها على القسم الشمالي ما بين ساحل الأطلسي حتى تطوان بما في ذلك فاس، واستمدت قوتها من حركة الجهاد البحري الذي كان يقوم به المهاجرون الأندلسيون، الذين جعلوا من السفن الأسبانية الآتية من أمريكا هدفًا كبيرًا لهم، وقد وصلت غاراتهم إلى شواطئ جزر بحر الشمال.
دولة الأشراف العلويين (1050ه،1641م إلى اليوم)
مؤسس هذه الدولة هو محمد بن محمد الشريف (1050 - 1075ه)، بايعه أهل سجلماسة حوالي سنة 1050ه، 1641م، فحارب بهم السملالي صاحب درعة، فلما استقر حكمه في الجنوب أغار على الدلائي بفاس ودخلها ثم أُخرج منها منهزمًا. خرج عليه أخوه الرشيد وبويع بعد مقتل أخيه محمد سنة 1075ه، 1665م، فاستولى على فاس في السنة التي تليها وعلى مراكش واستقر بها. وبذلك يُعدّ المؤسس الحقيقي للأسرة العلوية. حكم بعده أخوه إسماعيل (1082 - 1139ه، 1672 - 1726م). وهو يُعدّ من أشهر سلاطين تلك الأسرة وأطولهم عهدًا. وقد جنّد جيشًا من العبيد الأفارقة أصبح يُعرف بجيش عبيد البخاري، استطاع به أن يدعم سلطته على القبائل في الداخل ويحارب الأجانب على السواحل، فاسترد من الأسبان ما بقي بحوزتهم من الموانئ، كما استرد طنجة من الإنجليز، ولم يبق في عهده من الجيوب الأوروبية سوى سبتة ومليلة بيد الأسبان، ومزغان لدى البرتغاليين. وتبادل إسماعيل السفارات مع ملوك فرنسا وأسبانيا وحكام هولندا، لكن الحروب الأهلية اندلعت بعد وفاته بين أبنائه محمد وعبد الملك وعبد الله إلى أن استتب الأمر للأخير. وعاد الاستقرار في عهد ابنه محمد (1171 - 1206ه، 1757 - 1792م) لكن التغلغل الأوروبي ازداد في عهده، فعقد معاهدات تجارية مع جميع الدول الأوروبية التي لها معاملات مع المغرب الأقصى بما فيها أسبانيا، وأعطى امتيازات واسعة لفرنسا. كما منح السلطان عبد الرحمن بن سليمان (1238- 1276ه، 1822 - 1859م) امتيازات لرعايا الولايات المتحدة الأمريكية في بلاده سنة 1252ه، 1836م، وعقد معاهدة مماثلة مع بريطانيا سنة 1273ه، 1856م، وازداد في عهده الخطر الفرنسي بعد احتلال فرنسا للجزائر سنة 1246ه، 1830م.
أما علاقة دولة الأشراف العلويين مع الدول العثمانية فكان يسودها التوتر أحيانًا، والتعاون أحيانًا أخرى ضد عدوتهما المشتركة أسبانيا. وكان السلاطين العثمانيون حريصين على أن يعترف لهم حكام مراكش بالسيادة الاسمية فقط، لكن هؤلاء كانوا يرون أنفسهم أحق بتلك الزعامة الروحية لانتمائهم إلى النسب الشريف، ومن ذلك تمسكهم بلقب أمير المؤمنين. وقد تحسنت العلاقات بين الطرفين في عهد السلطان محمد بن عبدالله الذي اتجه في سياسته إلى توثيق الروابط مع الدولة العثمانية والمشرق العربي الإسلامي.
الأطماع الاستعمارية في المغرب الأقصى
بدأت أطماع فرنسا في المغرب الأقصى تظهر منذ احتلالها الجزائر وإبان مقاومة الأمير عبد القادر، وقد أسفرت هزيمة جيش السلطان عبد الرحمن بمعية الأمير والقبائل في معركة إسلي سنة 1260ه، 1844م عن استسلام السلطان لمطالب فرنسا سواء فيما يخص الأمير عبد القادر أو الحدود أو الامتيازات التجارية. وكانت مشكلة الحدود أهم عنصر استخدمه الفرنسيون في الضغط على المغرب حتى انتهوا باحتلاله، زد على ذلك حق منح حمايتهم للمغاربة الذي حصل بموجب معاهدة سنة 1863م. ورغم أن بريطانيا كانت قد سبقت إلى الحصول على هذا الحق سنة 1856م، وتلتها أسبانيا سنة 1861م، لكن فرنسا توسعت في استخدام ذلك الحق دون غيرها فكان تهديدها لسيادة المغرب أشد خطورة. ذلك أنها لم تحترم قرارات مؤتمر مدريد لسنة 1298ه، 1880م، وصارت تعطي حمايتها لشخصيات ذات نفوذ فتحرضهم على العصيان.
عندما تولى الحكم السلطان الحسن بن محمد (1291 - 1312ه) حاول أن ينقذ البلاد، فأنشأ جيشًا نظاميًا استطاع أن يبسط به نفوذ الحكومة المركزية في كل المناطق التي تعترف له بالسيادة الاسمية (بلاد السيبة) وشملت إصلاحاته القضاء والإدارة، وكان هدفه في جميعها تدعيم سلطاته في الداخل وَوَضْع حدٍّ للأطماع الخارجية. واعتقد هذا السلطان أن خير وسيلة هي إيجاد توازن بين مصالح الدول، فرأى في مؤتمر مدريد نجاحًا كبيرًا لسياسته، لما تصور من أنه يحقق الموازنة بين المصالح، فيحمي البلاد من أطماع فرنسا وأسبانيا. لكنه أدرك بعد التجربة أن فتح باب الحمايات لجميع الدول ليس أقل خطورة. وقد ازدادت أطماع فرنسا في عهد أبناء الحسن؛ عبد العزيز (1312 - 1325ه) وعبد الحفيظ (1325 - 1331ه) ويوسف (1331 - 1346ه) خاصة أن سياسة عبد العزيز قد اضطرت المغرب إلى الاستدانة من تلك الدولة بالذات منذ سنة (1321ه، 1903م) وأثارت الانتفاضات الداخلية، وأهمها انتفاضة بوحمارة، التي اندلعت في المناطق الشرقية سنة (1320ه، 1902م) واستمرت حتى دخول الفرنسيين البلاد، وانتفاضة الشريف أحمد بن محمد الرسولي في الشمال، والتي بلغت ذروتها سنة 1322ه، 1904م، وقد تعاون الرسولي مع الأسبان لما بدأوا غزوهم سنة 1329ه، 1911م. وفي سنة 1318ه، 1900م، اتفقت فرنسا مع أسبانيا على اقتسام الأجزاء الجنوبية من المغرب الأقصى، فنالت أسبانيا الصحراء الغربية ونالت فرنسا موريتانيا، واضطر السلطان للقبول بالأمر الواقع. وفي نفس السنة 1318ه عقدت فرنسا اتفاقية سرية مع إيطاليا نصت على إبعاد إيطاليا من المسألة المغربية مقابل إطلاق يدها للتصرف في طرابلس وبرقة. كما عقدت مع بريطانيا الاتفاق الودي سنة 1322ه، 1904م الذي سلمت فيه بريطانيا بأطماع فرنسا في المغرب الأقصى مقابل اعترافها بوضع بريطانيا في مصر. وعقدت فرنسا اتفاقًا آخر في نفس السنة مع أسبانيا على مقتضى ما جاء في اتفاقها الودي مع بريطانيا، الأمر الذي جعل السلطان عبد العزيز يرسل وفدًا إلى برلين يستحث حكومتها على مساعدته إزاء الدول الطامعة، فحضر الإمبراطور الألماني ولهلم إلى طنجة في 1323ه، 1905، ليؤكد صداقته للسلطان. وعقد مؤتمر الجزيرة سنة 1324ه، 1906م بحضور وفود نفس الدول التي حضرت مؤتمر مدريد سنة 1298ه بما فيها المغرب الأقصى. وقد أصدر قراراته في وثيقة عُرفت بميثاق الجزيرة نصت على الاعتراف بسيادة السلطان واستقلاله ووحدة أراضيه، مع المساواة التجارية لجميع الدول في المغرب الأقصى ومساعدة السلطان على تنفيذ برامج الإصلاح. كما نصت على تأسيس بنك مركزي برأسمال دولي، وتشكيل شرطة أسبانية فرنسية بقيادة سويسيري للموانئ المغربية. وكانت النتيجة ازدياد الانتفاضات الداخلية، وأهمها انتفاضة ماء العينين في الجنوب، التي كان هدفها تخليص المغرب الأقصى من الضغط الأجنبي وإيقاف التوغل الفرنسي في موريتانيا. وقد استغلت فرنسا مقتل طبيب فرنسي بمدينة مراكش في صفر 1325ه (مارس 1907) لتفرض على السلطان عبد العزيز شروطًا وتحتل مدينة وجدة وما حولها من الجهة الشرقية، كما استغلت مقتل ثمانية عمال أوروبيين في ميناء الدار البيضاء في جمادى الآخرة من نفس السنة واحتلت المدينة، فعقد الوطنيون في الشهر التالي مؤتمرًا بمراكش أعلن الجهاد وخلع السلطان. وامتدت الحركة إلى فاس باستسلام السلطان إلى فرنسا، فأعلن علماؤها خلعه وتعيين أخيه عبد الحفيظ في جمادى الأولى 1326ه (يونيو 1908م) فقضى على انتفاضة بوحمارة وأضعف الرسولي وطلب من فرنسا سحب قواتها، لكنها فرضت شروطًا قبلها فوقَّع معها اتفاقية سنة 1328ه، مما أطمع أسبانيا بدورها. وأثار استسلام السلطان القبائل فانتفضت وأصبح المنتفضون في ربيع 1329ه، 1911م يهددون العاصمة فاس وأعلنوا زينًا سلطانًا في مكناس، فقبل عبدالحفيظ بتدخل القوات الفرنسية لنجدته. فاحتلت فرنسا فاس في 21 ربيع الثاني 1329ه، 21 أبريل 1911م)، وكذلك مكناس والرباط، كما أنزلت أسبانيا قواتها في العرائش والقصر واحتلتهما. فدخلت ألمانيا مساومة مع فرنسا بأن أرسلت سفينة حربية للتظاهر أمام أغادير، مما أحدث أزمة تدخلت فيها بريطانيا ووقع حلها بإرضاء ألمانيا بقطعة من الكاميرون، وأعلنت فرنسا حمايتها للمغرب الأقصى في 11 ربيع الثاني 1330ه، 30 مارس 1912م، ووقَّع السلطان عبد الحفيظ معاهدة الحماية.
المقاومة المسلحة للاحتلال. اندلعت انتفاضة في فاس بعد أيام من فرض الحماية. وقد بدأت شرارتها الأولى بين صفوف الجند، وذلك عندما أرادت السلطات الفرنسية تخفيض مرتباتهم إلى الثلث وإخضاعهم للقيادة الفرنسية وأنظمتها، ولم يستمع السلطان لشكاواهم، فأعلنوا في 29 ربيع الثاني 1330ه (17 أبريل 1912م) الخروج على سلطة حكومة المخزن الخاضعة للنفوذ الأجنبي. وسرعان ما تجاوب السكان المدنيون وانضموا للانتفاضة، كما عمت الحركة الثورية المناطق المحيطة بفاس رغم أن الجنرال موانيي تمكن من دخول المدينة بعد ثلاثة أيام وقمع الانتفاضة. وكانت النتيجة أن احتشدت عدة قبائل من الأطلس وضربت مع الشاوية حصارًا حول فاس حيث الحامية الفرنسية، فلم ينقذها إلا تعيين الجنرال بيير ليوتي قائدًا لجيش الاحتلال إلى جانب منصبه مقيمًا عامًا في 7 جمادى الآخرة (24 مايو)، فعمل على استرضاء أهل فاس وتقرب من علماء جامعة القرويين ونجح في فك الحصار عن المدينة بدهائه. وقد دفعت هذه الحوادث عبد الحفيظ للتنازل عن العرش في 27 شعبان 1330ه، 12 أغسطس 1912م لأخيه يوسف. وقد تركزت مقاومة المغاربة للفرنسيين في منطقتين هما الجنوب وجبال أطلس الأوسط. ففي الجنوب حمل هبة الله بن ماء العينين دعوة أبيه في الجهاد والتف أهل السوس بما في ذلك كثير من القادة الذين كانوا يمثلون حكومة فاس، وتمكن في شعبان 1330ه، أغسطس 1912م، من دخول مدينة مراكش واعترف له الأعيان بالرئاسة. ورغم أن ليوتي أرسل قوة كبيرة بقيادة الجنرال مانجان استطاعت الاستيلاء على مراكش في شوال واحتلال أغادير وقلعة تارودن سنة 1331ه، سبتمبر 1913م، مما اضطر هبة الله للتراجع إلى موريتانيا، إلا أنَّ الوجود الفرنسي في الجنوب ظل منحصرًا بين الموانئ والحصون، ولم يتم احتلال السوس إلا سنة 1353ه،1934م، وبذلك ربط الفرنسيون محمية المغرب بمستعمرة موريتانيا. وقد استمرت القبائل النازلة في جبال الأطلس الأوسط من صنهاجة وزناتة وزاير في صمودها، وظل بعضها ممتنعًا على السلطات الفرنسية حتى سنة 1352ه، 1933م. ولم يتمكن ليوتي من دخول مدينة تازة في رجب 1332ه، يونيو 1914م، إلا بصعوبات كبيرة، لكنه أجل عملياته في منطقة الأطلس الأوسط عمومًا إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى. ومع ذلك فقد جند ليوتي عشرات الآلاف من المغاربة خلال الحرب، وأرسل بهم إلى جبهات القتال الأوروبية ليخوضوا المعارك تحت الراية الفرنسية، وسحبت فرنسا جزءًا كبيرًا من قواتها بالمغرب، مما اضطر ليوتي إلى فتح باب التطوع للمغاربة للخدمة في جيش السلطان الرسمي، واستقدام عدد كبير من الجزائريين لسد النقص، مع التظاهر بالقوة للتمويه.
وقد واجه الفرنسيون بعد الحرب مقاومة بالخصوص في تادلة، وهي القسم الشرقي من جبال الأطلس الأوسط، وفي إقليم تافيلالت بالجنوب الشرقي من المغرب الأقصى. وقد تزعم المقاومة في تافيلالت الشريف السملالي معتمدًا على قبيلة آيت عطا، فلم يتمكن الفرنسيون من الدخول إلى تلك المناطق النائية إلا في 1349-1350ه، 1930-1931م بعد وفاة السملالي ودخول الوحدات الميكانيكية في جيش الاحتلال. وبصفة عامة فإن عدم التنسيق بين حركات المقاومة المختلفة واتصاف كثير منها بالنزعة القبلية والإقليمية كانا من أهم عوامل ضعفها.
أما بالنسبة للاحتلال الأسباني، فقد بدأت أسبانيا تحتل منطقة الريف على مقتضى اتفاقها مع فرنسا سنة 1322ه، 1904م، فثار الشريف أحمد الرسولي (من قبيلة بني عروة) على السلطان واختطف القنصل الأمريكي وعائلته. وقد عينه السلطان عبد الحفيظ بعد ذلك حاكمًا على الجبالة من سكان الريف، وسهل نزول القوات الأسبانية في ميناء العرائش في شوال 1330ه، سبتمبر 1911م طمعًا في أن يعترف له الأسبان بالاستقلال بإدارة الجبالة، ويتولى منصب خليفة السلطان في منطقة النفوذ الأسباني. لكن خاب ظنه فعين السلطان أحد أقاربه خليفة في تطوان سنة 1331ه، 1913م، واحتل الأسبان أصيلة ثم تطوان في نفس السنة. وخلال الحرب العالمية الأولى عقد الأسبان هدنة مع الرسولي سنة 1333ه، 1915م، فبقي حاكمًا على إقليم الجبالة. وقد اتصل الرسولي بالألمان أثناء الحرب، مما جعل أسبانيا تغير سياستها معه إرضاء لفرنسا وتتوغل في إقليم الجبالة، فتحتل شفشاون في صفر 1339ه، أكتوبر 1920م، بعد تكبدها خسائر فادحة. لكن الرسولي فضل التعاون مع الأسبان رغم ذلك على أن يخضع لمحمد بن عبد الكريم الخطابي، إلى أن تمكن الخطابي من طرد الأسبان وأسره سنة 1343ه، 1925م. وقد بدأ الخطابي حركة المقاومة بعد أن استولت أسبانيا على شفشاون وأخذت تركز قواتها على بلاد الريف، فانتصر عليها عند إبرن في رمضان 1339ه، مايو 1921م، وشجعه ذلك الانتصار على مهاجمة المراكز الأسبانية الأخرى، وساهمت انتصاراته في توسيع نفوذه بين الأهالي وتدعيم زعامته لقبيلة ورياغل التي انتقلت إليه بعد وفاة أبيه سنة 1338ه، 1920م.
وفي شهر ذي القعدة، بينما كان الأمير الخطابي يحاصر إجربين، وصل القائد العام سلفستر لنجدة الحامية المحصورة، لكنه قرر الانسحاب عندما وجدها قد سقطت، فتتبعته قوات الأمير والتحمت معه في 12 ذي القعدة 1339ه، 18 يوليو 1921م، في معركة الأنوال، حيث أبادت هذه الأخيرة الحملة الأسبانية بأسرها بما فيها القائد سلفستر نفسه، فكانت أكبر هزيمة ألحقها جيش عربي بجيش أوروبي في التاريخ الحديث والمعاصر. وقد ذاعت شهرة الأمير بعدها وسلمت له قبائل الريف الأخرى بالزعامة وهبت لمحاصرة المراكز الأسبانية، فطهرت بلاد الريف تقريبًا وأسرت عددًا كبيرًا من الأسبان الذين أصبح وجودهم مقتصرًا على مدينة تطوان والموانئ وبعض الحصون في الجبالة.
وكان من نتائج نصر الأنوال التمهيد لوقوع انقلاب عسكري في أسبانيا قام به بريمو دي ريفيرا في صفر 1342ه، سبتمبر1923م. وطلب الخطابي من الأسبان الجلاء عن المناطق التي احتلوها والانسحاب إلى سبتة ومليلة، فلما رفضوا هاجم تطوان في صيف 1343ه، 1924م، الأمر الذي دعا بريمو دي ريفيرا إلى الحضور والإشراف على القتال بنفسه. وانسحب الأسبان من شفشاون في ربيع الآخر 1343ه، نوفمبر 1924م، بعد أن تكبدوا خسائر كبيرة وبدوا عاجزين عن النيل من الأمير وقواته. وعندها قررت فرنسا التدخل، وقد بدأ التحضير لذلك ببناء المراكز الحربية في وادي ورغة منذ رمضان 1342ه، أبريل 1924م، وقابل الأمير ذلك بالاحتجاج واتخاذ الاحتياطات الحربية اللازمة للدفاع. كما أخذ الفرنسيون يمدون زعماء الطرق الصوفية بالمال والأسلحة لإثارة الاضطرابات في المناطق المحررة، فلما هاجم الريفيون إحدى زوايا الطريقة الدرقاوية قرب الحدود في 19 رمضان 1343ه، أبريل 1925م، تدخل الفرنسيون بحجة حماية أنصارهم. ثم اتسعت العمليات الحربية ففاجأت قوات الأمير بقدرة رجالها وكفاءة زعمائها، حيث ألزموا الفرنسيين موقف الدفاع على مدى أربعة أشهر وحاصروا مراكز قيادتهم في عين عائشة، ووصلت بعض قوات الريف إلى مسافة 20 ميلاً من فاس، وهددت تازة، كما كبدت العدو خسائر فادحة.
واستطاعت قوات الريف أن تصمد سنة كاملة (شوال 1343-ذو القعدة 1344ه) في وجه ثلاثة مارشالات وأربعين جنرالاً والقوات الأساسية لدولتين أوروبيتين، فضلاً عمّن استقدمتهم من طيارين أمريكيين مرتزقة لاستخدام أحدث وسائل قاذفات القنابل. ولم يتحول الفرنسيون إلى الهجوم في صفر 1344ه، سبتمبر 1925م، إلا بعد أن استقدموا إمدادات هائلة حتى بلغت القوة الفرنسية الأسبانية 280 ألف جندي و132 طائرة، وأغروا السلطان يوسف بإعلان أمير الريف أحد العصاة الخارجين على السلطة الشرعية واستنفار القبائل للقتال. كما عقد الفرنسيون والأسبان مؤتمرًا بمدريد قرر تنسيق العمليات الحربية بين القيادتين، ومكافحة تجارة الأسلحة بين دولة الريف وأوروبا بتنظيم الدوريات على طول السواحل الشمالية للمغرب، وقد شارك الأسطول البريطاني بالمراقبة في مياه طنجة الإقليمية. كما تعهد الطرفان بعدم القيام بعمل دبلوماسي أو توقيع صلح منفرد مع العدو دون الاتفاق مع الطرف الآخر. وقبل القيام بالهجوم الكبير أصدرت الحكومتان بلاغًا رسميًا في 22 محرم 1344ه، 12 أغسطس 1925م أبدتا فيه استعدادهما للتسليم باستقلال الريف إداريًا بشرط أن يعترف الأمير الخطابي للسلطان بالسيادة العليا الممثلة في شخص خليفة تطوان. وذلك من قبيل المناورة السياسية فيما يبدو.
وفي 16 صفر 1344ه، 5سبتمبر 1925م، نجح الأسبان بمعاونة البحرية الفرنسية في إنزال جنودهم إلى مكان قرب خليج الحسيمات واستطاعوا في بداية الشتاء الاستيلاء على أغادير عاصمة الأمير. واغتنم الفرنسيون توقف العمليات الحربية في فصل الشتاء باستمالة القبائل الموالية له، فبدأت هذه الأخيرة تنفض من حوله وتسارع للحصول على أفضل الشروط من الفرنسيين والأسبان، ولما فشلت محاولات الأمير الخطابي لإيقاف هذا الانحلال لم يتردد في طلب عقد هدنة لإنهاء النزاع عن طريق المفاوضات. ووضعت الحكومتان الفرنسية والأسبانية لذلك شروطًا قاسية تتمثل في الاعتراف باستقلال الريف الإداري في حدود المعاهدات الدولية (أي قبول معاهدة الحماية)، والاعتراف بسيادة السلطان، ومغادرة الخطابي للبلاد وتجريد قبائل الريف من السلاح. فلما قبلها الأمير على أمل أن يحفظ لأهل الريف قدرًا من الاستقلال الذاتي، وانعقدت المفاوضات بوجدة في 5 شوال 1344ه، 18 أبريل 1926م، راح المفاوضون الفرنسيون والأسبان يعرقلونها بتقديم مزيد من المطالب المتعسفة مما أدى إلى فشل المحادثات واستئناف القتال. فسقط مقر الأمير الخطابي في حصن ترجست في 10 ذي القعدة، 23 مايو، واستسلم هو بدوره للفرنسيين بعد يومين، فاعتبروه أسير حرب ونفوه مع أخ له وبعض أقربائهما إلى جزيرة ريونيون في المحيط الهندي. وحين أرادوا نقلهم إلى فرنسا بعد عشرين سنة استغل الأمير وصول السفينة التي تقلهم إلى السويس فلجأ إلى السلطات المصرية سنة 1366ه، 1947م، واستقر بالقاهرة إلى أن توفي بها سنة 1382ه، 1963م، وهو لا يؤمن بغير الكفاح المسلح وسيلة لتحرير بلاد المغرب العربي.
الاستعمار وتقسيم المغرب الأقصى. فرضت فرنسا في 11 ربيع الآخر 1330ه، 30 مارس 1912م على السلطان عبد الحفيظ توقيع معاهدة حماية من تسع مواد جعلت من المغرب الأقصى محمية وصفها شبيه بما آلت إليه تونس سنة 1300ه، 1883م، بعد توقيع معاهدتي باردو والمرسي. ذلك لأن مواد المعاهدة جردت السلطان من كل سلطاته الفعلية في الداخل والخارج، وأحالتها إلى إدارة الحماية وعلى رأسها المقيم العام الفرنسي، وسمحت لها بإدخال ما تراه نافعًا من إصلاحات إدارية وقضائية ومالية وعسكرية، كما جعلت تمثيل المغرب الأقصى في الخارج بأيدي ممثلي فرنسا وقناصلها. ولم تبق للسلطان إلا السلطة الاسمية المتمثلة في توقيع المراسيم التشريعية التي كانت تقدم له، كما لم تبق من حكومة المخزن سوى المظهر الشكلي التقليدي. وجلعت المقيم العام ممثلاً لفرنسا لدى السلطان يسهر على تنفيذ المعاهدة، ووسيط السلطان في علاقاته مع ممثلي الدول الأجنبية، ومكلفًا بكل المسائل المتعلقة بالأجانب، ولديه سلطة الموافقة ونشر كل المراسيم الصادرة عن السلطان. وقد دفعت هذه القيود التي فرضتها معاهدة الحماية وسخط الأهالي السلطان عبد الحفيظ إلى التنازل سنة 1330ه، 1912م لأخيه يوسف بن الحسن. ووقَّعَتْ فرنسا في 17 ذي الحجة 1330ه، 27 نوفمبر 1912م اتفاقية مع أسبانيا لاقتسام المغرب بينهما. وقد ميزت الاتفاقية بين قسمين في منطقة النفوذ الأسباني من حيث وضعهما القانوني، فيشمل القسم الأول جيبي سبتة ومليلة ومنطقة إفني في الجنوب حيث تمارس أسبانيا حقوق السيادة بدون قيد، ويشمل القسم الثاني شمال المغرب من الحدود الجزائرية إلى نقطة جنوب ميناء العرائش على ساحل الأطلسي تستمد أسبانيا وجودها فيه من معاهدة الحماية بين فرنسا والسلطان، ويمثله به خليفة يقيم بتطوان ويخضع لإشراف الإدارة الأسبانية، كما يخضع هو نفسه للإقامة العامة الفرنسية، وتمارس فيه أسبانيا صلاحيات الحماية. كما تؤكد الاتفاقية على جعل طنجة منطقة محايدة، ثم تطور أمرها إلى التدويل في جمادى الأولى 1342ه، ديسمبر 1923م. وبذلك أصبح المغرب الأقصى في عهد الحماية مقسمًا إلى أربع مناطق تختلف كل منها عن الأخرى من حيث الوضع القانوني. وفي منطقة الحماية الفرنسية، قسم المقيم العام إدارة المغرب إلى ثلاثة أجهزة هي: إدارة المخزن التي احتفظت بطابعها القديم، والإدارة الشريفية الجديدة التي يقوم بها مثقفون مغاربة لإدارة الشؤون الفنية الخاصة بالأهالي، والإقامة العامة التي تهيمن على سياسة البلاد العليا في مجالات الخارجية والدفاع والأمن العام. ولم يبق في مجلس الوزراء سوى ثلاثة مغاربة، هم الصدر الأعظم الذي انتقلت معظم اختصاصاته إلى الكاتب العام للحماية، ووزير العدل الذي صارت سلطاته الحقيقية على المحاكم الشرعية والمعاهد الدينية بيد رئيس مراقبة العدل بالإدارة الشريفية، في حين كانت إدارة العدل فرنسية محضة، ووزير الأوقاف الذي كانت سلطته الفعلية بيد موظف فرنسي لدى الإدارة الشريفية، في الوقت الذي وضعت فيه إدارات الفلاحة والمالية والأشغال العامة والبريد والصناعة بأيدي مديرين فرنسيين يديرونها إدارة مباشرة. كما عين مراقبون فرنسيون خارج العاصمة بالجهات لمراقبة الباشوات وقادة الأقاليم المغاربة. وفي ظل هذه الإدارة، دخل المغرب الأقصى مستوطنون زراعيون فرنسيون وأصحاب حرف ورجال أعمال وتجارة، ورغم أن المقيم العام ليوتي لم يكن يشجع الهجرة، فقد بلغت مساحة الأراضي التي امتلكها فرنسيون في عهده 400 ألف هكتار. وقد فتح باب الهجرة والاستيطان بعده على مصراعيه، فاستغل مستوطنو الجزائر سهل الملوية في الشرق، وتركز عدد كبير من المعمرين في سهل الشاوية. وفي رجب 1337ه، أبريل 1919م، استصدرت الإقامة العامة ظهيرًا بجواز استغلال أراضي القبائل غير المزروعة في مقابل إيجار رمزي، وبلغت الملكيات الأوروبية في الأربعينيات من القرن العشرين نحو مليون هكتار استأثرت بنصيب الأسد في توزيع المياه، مما أوقع ضررًا كبيرًا بالزراعة الأهلية. كما قامت شركات رأسمالية فرنسية خاصة بالبحث عن الثروات الباطنية واستغلت مناجم للفوسفات والمعادن كالحديد والمنجنيز والرصاص والكوبالت والنحاس وغيرها بالمغرب.
الحركة الوطنية المغربية. سعت فرنسا لإثارة النعرة البربرية في المغرب الأقصى، فاستصدرت الإقامة ظهيرًا (قانونا) في 1332ه، 1914م، يخرج البربر من دائرة القضاء الشَّرعي ويجعل مجلس الجماعة أو القبيلة مختصًا بنظر الشؤون المدنية. وكان المقيم لوسيان سان محاطًا بجماعة من مستشارين عُرفت بالكتلة البربرية لأنها تدعو إلى فصل البربر عن حكومة المخزن تمهيدًا لإدماجها في البيئة الفرنسية، وتضمنت خطتهم إحياء اللهجات البربرية بكتابتها بحروف لاتينية، كما ركز المنصرون نشاطهم في مناطق البربر. وفي 1349ه، 1930م، استصدر المقيم العام ظهيرًا جديدًا أعطى مجالس الجماعة صفة رسمية حولها إلى محاكم مدنية، وقضى بتسجيل عرف البربر ليصبح قانونًا معترفًا به لتلك المحاكم. كما نزع النظر في الجنايات من قضاء القادة والباشوات الذين يمثلون السلطان، وأنشأ محاكم جديدة في مناطق البربر من قضاة فرنسيين لتطبيق القانون الجنائي الفرنسي فيها. فاصطدم ذلك الظهير بمعارضة شديدة من قبائل البربر ذاتها ورد فعل عنيف في المغرب وعامة العالم الإسلامي.
وقد بدأت الحركة السياسية الوطنية في المغرب على هيئة جمعيات خاصة ذات أهداف تعليمية واجتماعية أسسها شباب من خريجي المدارس الفرنسية في الرباط أمثال أحمد بلافريج، إلى جانب جمعيات دينية سلفية أنشأها شباب القرويين بفاس أمثال علال الفاسي لمقاومة الطرق الصوفية وعقائدها. وتقارب شباب الرباط وفاس حتى كونوا نواة كتلة العمل المغربي، التي برزت حركة سياسية واسعة النطاق بعد صدور الظهير البربري. فأصدرت سنة 1351ه، 1932م مجلة باللغة الفرنسية كانت بباريس تحت اسم مجلة المغرب، وفي المغرب باسم مجلة العمل المغربي، كما نزلت الكتلة إلى ميدان العمل الجماهيري في 1353ه، 1934م بمناسبة زيارة السلطان محمد بن يوسف (1346 -1380ه) لفاس. وكان برنامجها يتلخص في إلغاء مظاهر الحكم المباشر الفرنسي وتطبيق معاهدة الحماية نصًا وروحًا، وقيام حكم ملكي دستوري وإلحاق المغاربة بالوظائف، والفصل بين السلطات، وتأسيس مجالس بلدية وإقليمية ومجلس وطني جميع أْعضائه من المغاربة. وقد حاولت الكتلة الاستفادة من قيام حكومة الجبهة الشعبية في فرنسا سنة 1355ه، 1936م فأصدرت جريدتي الأطلس بالعربية والعمل الشعبي بالفرنسية، وشرع علال الفاسي ومحمد الوزاني في تنظيم حزب حقيقي، انتخبت له لجنة مؤقتة ريثما تسمح الظروف بعقد مؤتمر وطني فكانت الرئاسة للفاسي والأمانة العامة للوزاني. بيد أن هذا الأخير أعلن انسحابه من الكتلة على إثر ذلك وتأسيس حزب مستقل باسم حزب الشعب، فحل محله في الأمانة العامة للكتلة أحمد بلافريج. وتزعم فرع الكتلة في منطقة الاحتلال الأسباني عبد الخالق الطريس، لكن هذا الفرع انفصل بعد انقلاب فرانكو في أسبانيا. ولما عمدت السلطات الفرنسية إلى حل الكتلة في 25 ذي الحجة 1355ه، 8 أغسطس 1937م، أعاد قادتها تكوينها باسم الحزب الوطني لتحقيق المطالب المغربية الذي استطاع أن يظفر بالاعتراف الرسمي. غير أن تأييد هذا الحزب لحركة مكناس ضد تحيز الإدارة في توزيع مياه الري للمعمرين الفرنسيين سنة 1356ه، 1937م عرضه للحل من قبل المقيم العام نوجيس الذي نفى قادة الحزب، بمن فيهم علال الفاسي، إلى خارج البلاد أيضًا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية أعلن السلطان محمد بن يوسف في 18 رجب 1358ه، (3 سبتمبر 1939م) عن تأييده ودعمه لفرنسا وحلفائها، لكن سياسة حكومة فيشي تجاه المستعمرات أفقدته الثقة بفرنسا. كما رحب بالجيوش الأمريكية عند نزولها بالمغرب سنة 1361ه، 1942م، مما جعل الرئيس روزفلت ينتهز فرصة لقائه بتشرتشل بالدار البيضاء في صفر 1362ه، ديسمبر 1943م، ليقابل السلطان بدون وساطة المقيم العام الفرنسي. وقد ساهمت الفرق المغربية في العمليات الحربية للحلفاء بأوروبا مساهمة مشهودة ضمن جيوش فرنسا الحرة إلى جانب إخوانهم الجزائريين والتونسيين.
وفي 16 محرم 1363ه، 11 ديسمبر 1944م عقد الوطنيون المغاربة مؤتمرًا شكل تحولاً في تاريخ الحركة الوطنية المغربية، بسبب تأسيسه حزب الاستقلال وقراره العدول عن سياسة الاستقلال على مراحل ومطالبته بإسقاط الحماية مباشرة شرطًا مقدمًا للتفاوض مع فرنسا. وقد رفع الحزب ثلاثة مبادئ إلى السلطان تتمثل في المطالبة باستقلال المغرب ووحدة أراضيه، وبتوثيق الروابط مع دول العالم عامة والدول العربية والإسلامية خاصة، وبالمحافظة على الملكية مع جعلها ملكية دستورية. فأظهر السلطان عطفه على الحزب ومبادئه وظل كذلك حتى حصول المغرب على استقلاله، في حين رد المقيم العام الفرنسي جبريل بيو على بيان الحزب باعتقال الزعماء وقمع المظاهرات الجماهيرية التي خرجت تأييدًا له في الدار البيضاء وفي فاس خلال شهر صفر 1363ه، فبراير 1944م، وأرسلت حكومة باريس تهدد السلطان. ولكنها اضطرت أمام التصميم الشعبي واحتجاجات السلطان، إلى تعيين الاشتراكي إريك لوبون مقيمًا عامًا جديدًا في أوائل 1365ه، 1946م، فبادر بإطلاق سراح معظم المعتقلين السياسيين وإعادة الزعماء المنفيين ومن بينهم علال الفاسي وأحمد بلافريج ومحمد الوزاني، وباشر إصلاحات إدارية واقتصادية لم ترض الوطنيين وأغضبت المستوطنين. فاستغل وزير الخارجية الفرنسية خطاب السلطان في طنجة سنة 1366ه، 1947م الذي أعلن فيه عن وحدة أراضي المغرب وأشاد بجامعة الدول العربية، ليقنع الحكومة بإرسال الجنرال الفونس جوان مقيمًا عامًا جديدًا، وهو ابن أحد المستوطنين بالجزائر، لإرهاب السلطان والوطنيين. فامتد عهده من 1366 إلى 1371ه، 1947 إلى1951م، قضى خلاله على جميع الحريات، كما باشر برنامج إصلاحات ترمي إلى إرساء مبدأ السيادة المزدوجة الذي لم يسبق أن صرح به الفرنسيون بالنسبة للمغرب الأقصى، بعكس ما فعلوا في تونس.
ولما فشلت كل محاولات حزب الاستقلال للتفاوض مع باريس مباشرة وإقناعها بحسن نواياه، وضاق الخناق على زعمائه بالمغرب التحق علال الفاسي بالقاهرة في جمادى الآخرة 1366ه، مايو 1947م، وفي نفس السنة حل بها الأمير محمد بن عبدالكريم الخطابي وتولى زعامة مكتب المغرب العربي، وذلك في الوقت الذي كان السلطان يقاوم ما استطاع سياسة المقيم العام ويرفض توقيع الظهائر (القوانين) التي يقدمها إليه، الأمر الذي جعل الحكومة الفرنسية تدعوه لزيارة باريس لعلها تحوله عن موقف المعارضة. لكنه قدم مذكرتين في ذي الحجة 1369ه، أكتوبر 1950م، عبّر فيهما عن رغبته في إطلاق الحريات العامة وتغيير طبيعة العلاقات مع فرنسا، وذلك معناه إلغاء الحماية. فدفع المقيم العام تهامي الجلاوي، صاحب النفوذ في الجنوب، لجمع القبائل الموالية له والزحف على الرباط في ربيع الآخر 1370ه، يناير 1951م. وعندها حاصرت القوات الفرنسية القصر بدعوى حماية السلطان، وقدم المقيم العام إليه إنذارًا يطالبه فيه بإصدار بيان إدانة لحزب الاستقلال أو التنازل عن العرش وإلا عزله. واضطر السلطان مكرهًا لتوقيع الاستنكار المطلوب دون ذكر للحزب. واستغلت الإقامة العامة التصريح لاعتقال مزيد من الوطنيين وإجبار السلطان على عزل الموظفين المشتبه في ميلهم لحزب الاستقلال وإبعاد عدد منهم عن البلاد. وكان لذلك صدى في البلاد العربية والعالم، فأبدت الجامعة العربية تأييدها للمغرب ورفعت قضيته إلى هيئة الأمم المتحدة، التي رفضت التدخل في المسألة.
وفي نهاية 1371ه، 18 أغسطس 1951م، عينت فرنسا الجنرال جيوم مقيمًا عامًا جديدًا بالمغرب فلم تختلف سياسته عن سياسة سلفه، مما جمد العلاقات بين فرنسا والسلطان، وتشكلت جبهة وطنية من الأحزاب المغربية قدمت في 17 ربيع الآخر 1371ه، يناير 1952م مذكرة إلى هذا الأخير تضمنت الأماني الوطنية كما قدمت الدول العربية المستقلة احتجاجًا إلى هيئة الأمم المتحدة وفرنسا عن الحالة بالمغرب، مما شجع السلطان على توجيه مذكرة جديدة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية في 14جمادى الآخرة، 14 مارس أيد فيها المطالب الوطنية.
وأثيرت القضية المغربية من جديد أمام الأمم المتحدة، وفي تلك الأثناء اغتيل الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد فأعلن حزب الاستقلال الإضراب العام تضامنًا. وواجهت السلطات الاستعمارية المظاهرات الشعبية في الدار البيضاء بالرصاص فأحدثت مذبحة، واعتقلت أعدادًا كبيرة بمن فيهم قادة الحزب، كما أعلنت حل الحزب وتعطيل الصحف العربية.
ولما تولت الحكم في باريس حكومة لانييل اليمينية في رمضان 1372ه، مايو 1953م التي شغل وزارة الخارجية فيها الصليبي بيدو، تجددت فكرة خلع السلطان. ونشط تهامي الجلاوي من جديد في الجنوب، يساعده عبدالحيّ الكتاني رئيس الطريقة الكتانية، فقدم عرائض إلى الحكومة الفرنسية تطالب بعزل السلطان فأقدمت على الأمر بخلعه يوم عيد الأضحى 1372ه، 20 أغسطس 1953م، ونقل إلى كورسيكا ثم إلى جزيرة مدغشقر، وتنصيب محمد بن عرفة سلطانًا على المغرب. وكان رد الشعب بدخول الكفاح المسلح، رغم أن معظم زعماء حزب الاستقلال كانوا إما رهن الاعتقال أو خارج البلاد. وتجلى ذلك في عمليات الاغتيال التي أخذت تتفشى في أواسط المتعاونين مع فرنسا والموالين لها منذ أواسط 1373ه، أوائل 1954م، وجرت محاولة لاغتيال ابن عرفة نفسه، وكذلك إحراق مزارع المستوطنين. كما تمت مقاطعة البضائع الفرنسية بنجاح كبير وخاصة تجارة التبغ. وأصر حزب الاستقلال على رفض أي حل قبل عودة السلطان وإلغاء جميع المراسيم التي صدرت في عهد ابن عرفة، كما زحفت القبائل على المدن الصغيرة داخل الأطلس الأوسط بمناسبة الذكرى الثانية لخلع السلطان وأوقعت خسائر فادحة في الأرواح بين المستوطنين. فاضطرت فرنسا، تحت ضغط المقاومة المسلحة المغربية التي زادت عملياتها خ