جريدة السياسة العامة : يحتفل الشعب الهولندي في 5 مايو من كل سنة بعيد استقلال بلادهم من الفاشية والنازية الألمانية التي دامت 5 سنوات من 1940 إلى 1945 والتي تعرف بالحرب العالمية الثانية. القليل من الأوروبيين وللأسف حتى المغاربة قليل منهم من يعرفون الدور الذي قام به المغرب لتحرير دول أوروبا والمشاركة الفعالة التي قام بها الجنود المغاربة في هذه الحرب، وهذا يعود إلى الإعلام الأوروبي والعالمي والمؤرخون وكتاب التاريخ الذين تجاهلوا هذا الدور البطولي وذلك لأسباب سياسية ومعنوية.
1. السبب السياسي . هو أن الأوروبيين والحلفاء الذين شاركوا في الحرب لا يريدون الأفارقة أن يدونوا في التاريخ بأنهم هم السبب في تحرير أوروبا من النازية والفاشية، وهذا رغم شهادات بعض الجنرالات والسياسيين من الحلفاء وحتى من العدو الألماني آنذاك. مثل الجنرال الألماني " كيسر لن" .
2. السبب المعنوي، أو السبب الديني. هو انه كان يكاد من العار على دول الحلفاء من الأوروبيين والأميركيين والنيوزيلنديين إذا اتضح للعالم أن تحرير أوروبا أتى على يد المغاربة المسلمين، والذين كادوا فعلا أن يحرروا مدينة روما " الفاتكان" وذلك على يد المغاربة الذين دحروا الألمان والإيطاليين في جبال كاسينوا الإيطالية " Monte Cassino" وكان لم يبقى للمغاربة إلا 50 كيلومترا لدخول مدينة روما وتحريرها. ولهذا في اعتقادي واعتقاد بعض المؤرخين جهل هذا لدور. لكن يجب علينا أن لا نخضع لهذا الأمر ونحن ندرك الحقيقة ، ولدينا من الأدلة الكافية تمكننا من تعريف هذا الدور وإعادة تصحيح التاريخ والحصول على الاعتراف بهذا الدور الهام في تاريخ تحرير الشعوب من النازية والفاشية وترسيخ نظرة إيجابية تجاه الحالية المغربية ها في هولندا والمغاربة بصفة عامة.
محمد أشهبون مراسل جريدة السياسة العامة في إحدى ندواته
دور المغفور له امير المومنين محمد الخامس طيب الله ثراه.
جريدة السياسة العامة : رغم وجود المغرب تحت وطأة الحماية الفرنسية والاستعمار الإسباني في الوقت التي
إندلعت فيه الحرب العالمية الثانية في أوروبا، كان المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه يتوفر على جيش كبير من المغاربة الغيورين على وطنهم والذين كانوا يناضلون من أجل استقلال المغرب من الاستعمار. فعندما احتل الألمان فرنسا في شهر يونيو 1940 فرح بعض المغاربة لهزيمتها، وطالبوا بمحالفة ألمانيا بالقول المأثور " عدو العدو صديق" ، وكان أمير المؤمنين المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه أبعد نظرا وأعلم بالأمور، ففضل الوقوف إلى جانب الحلفاء الملتزمون بالديموقراطية التي كان رحمه الله مؤيدا لها وكان ضد كل أنواع الظلم والديكتاتورية، ولقد سجل له التاريخ هذا الموقف الصائب بحروف من ذهب. والكثير منا من يتذكر مؤتمر أنفا الذي عقد في يناير سنة 1943بالدار البيضاء والذي حضره كل من جلالته المغفور له محمد الخامس وبجانبه ابنه المغفور له الملك الحسن الثاني والرئيس الأمريكي فراكلين رو سفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون شورشيل، الذين اجتمعوا لتوحيد الخطة العسكرية ضد دول المحور ألمانيا وإيطاليا واليابان، وكانت ألمانيا أكبرهم شأنا وأشدهم قوة وعلى رأسهم النازي الألماني " هتلر". وإثر مأدبة عشاء التي نظمها رو سفلت يوم انعقاد مؤتمر أنفا ، وكان أول من دعي إلى هذه المأدبة المغفور له محمد الخامس ، والذي طلب منه مد يد العون لمحاربة النازية والفاشية، وهنا اغتنم المغفور له محمد الخامس الفرصة للإعراب للرئيس الأمريكي والحاضرين عن رغبة بلاده المحتلة من طرف فرنسا وإسبانيا في الحرية والاستقلال. وفي هذه المناسبة ذكر الرئيس الأمريكي رو سفلت المغفور له محمد الخامس بأن المغرب كان أول دولة في العالم اعترفت باستقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا ووعد روسفلت المغفور له والحاظرين بأن المغرب سوف ينال استقلاله بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة. وهكذا وافق جلالته قدس الله روحه على إرسال المزيد من الجنود المغاربة للقتال مع الحلفاء وقاموا بدور هام وبطولي في تحرير شعوب ودول أوربا من النازية والفاشية، وابلوا البلاء الحسن في الفنون الحربية التي ادهشت القوى العظمى في ساحت الحرب ضد الألمان. ولا تزال بعض كتب التاريخ العسكرية والتي لأسف الشديد قليلة جدا، تثني على شجاعة المغاربة ، وحسمهم لكثير من المعارك الصعبة التي كانت مفتاحا لتحرير أوروبا.
أذكر منها على سبيل المثال:
• معركة صحراء إفريقيا
• معركة كورسيكا
• معركة جبل كازينوا ومدن كثيرة في إيطاليا
• معركة داون كركن بين بلجيكا وهولندا
• معركة فالخرن وزايلند ب هولندا
• معارك في بعض المدن داخل فرنسا مثل : ألزاس وستراسبورغ
• معارك في بعض المدن داخل ألمانيا مثل : بادن بادن واستوتجرت وبرلين.
واعترفا بهذا الدور العظيم والبطولي الذي قام به المغاربة بموافقة أمير المؤمنين المغفور له محمد الخامس طوال الحرب الثانية من 1940 إلى 1945 ، وشح صدره الجنرال ديغول يوم احتفال فرنسا باستقلال بلده في 20 يونيو 1945 وذلك في ساحة الإيليزي بباريس بوسام رفيق التحرير ، وكان جلالته الوحيد من غير الفرنسيين الذي نال هذا الوسام.
وبهذه المناسبة ألقى الجنرال ديغول كلمة قال فيها:
" جلالة الملك محمد الخامس،. أنني أقدم في شخصكم جزيل الشكر للشعب المغربي الباسل إثر عزيمتكم القوية ومساعدتكم لنا، فلولاكم يا صاحب الجلالة ولولا جيشكم الشجاع لما حررت بلدنا من النازية والفاشية".
وبعد يومين من هذا التاريخ، أي في 22 يونيو 1945 قام المغفور له محمد الخامس بزيارة الجنود المغاربة الذين دخلوا المنايا وشكرهم على الأعمال البطولية والشجاعة الفائقة التي بذلوها طوال الحرب العالمية الثانية، وتمنى أن تكون الوقت قد حانت للحصول على استقلال بلدهم كما وعدته الحلفاء.
ولا يزال بعض قدماء المحاربين المغاربة الذين شاركوا في هذا الحرب من أوله إلى آخره على قيد الحياة في مختلف المدن والقرى المغربية.
محمد أشهبون مراسل جريدة السياسة العامة في إحدى ندواته